
أثبت تشكيل الحكومة أخيرا، أنّ الواقع الطّائفي في البلاد، غلب التّمنيّات. إصطدم شعار وزراء أكفاء غير حزبيين، بالبعد الطّائفي للنّظام السّياسي. فالوزراء أكفاء، وليسوا أعضاء في الأحزاب التي قدّمت أسماءهم، لكنّهم أعضاء في الولاء الطّائفي لهذه الأحزاب، ويشكّلون بالتّالي درعا أمام أي اختراق، يؤثّر على الموقع الطّائفي لأحزابهم، ممّا يبقي البلاد أسيرة المحاصصة الطّائفيّة. كلّ الأحزاب التي شاركت بتسمية الوزراء، قامت بتسميتهم وفقا للغلاف الحديدي الطّائفي الذي تشكّله في واقع النّظام السّياسي في لبنان.
قانون الإنتخاب
“الحزب التّقدّمي الإشتراكي”، هو حزب الغالبيّة الدّرزيّة، لأنّ رئيسه هو زعيم هذه الغالبيّة، وقد قام بتسمية الدّروز في الوزارة. وحزب “القوّات اللّبنانيّة”، هو حزب الأغلبيّة المارونيّة لأنّ رئيسه هو زعيم هذه الأغلبيّة، وهو قام بتسمية غالبيّة الوزراء الموارنة. وانطبق هذا الأمر على “الكتائب”، و”حركة أمل” و”الحزب الإيراني”، وحتّى على رئيس الحكومة الذي قام بتسمية الوزراء السّنّة. ونتوقّع أن نرى هذا الأمر بجلاء، عندما يبدأ الحديث عن قانون الإنتخاب، الذي يشكل أهمّ مدخل لحركة التّغيير المنشودة في البلاد. ففي لبنان، لا يوجد أحزاب علمانيّة ديمقراطيّة ببعد وطني، قادرة على مواجهة الأحزاب الطّائفيّة.
عكس ضمّ الحزب الإيراني إلى الحكومة، وردود الفعل على زيارة الموفدة الأميركيّة أورتاغوس إلى بيروت، أبعادا طائفيّة وشعبويّة، سيكون لها ولا شكّ، انعكاساتها على علاقة الإدارة الأميركيّة بلبنان. ربّما يلطّف البعد الطّائفي لإشراك هذا الحزب في الحكومة، آنيّا، من ردّ فعل أعداء الحزب الإيراني إقليميّا ودوليّا، فالولايات المتّحدة، تدرك أنّ قادة الأحزاب الشّيعيّة، وغير الشّيعيّة “المقاومة” وغير المقاومة، ستخضع لكلّ مطالبها المتعلّقة بواقع الحدود البرّيّة مع إسرائيل. ولدينا موضوع ترسيم الحدود البحريّة، هو نموذج صريح وواضح بهذا الصدد. إلا أنّ هناك تطورات أخرى في السّياسة الأميركيّة الشّرق أوسطيّة، ستكون موضع متابعة من خلال مراقبة مسار السّياسة اللّبنانيّة لاحقا.
في لبنان، لا يوجد أحزاب علمانيّة ديمقراطيّة ببعد وطني، قادرة على مواجهة الأحزاب الطّائفيّة.
إننا نأمل أن تقرأ الجهات الدّبلوماسيّة اللّبنانيّة المعنيّة، التّطوّرات في محيطنا، وفي العالم، بالدّقّة المطلوبة. ونرجو أن تستعيد كذلك قراءة الأحداث في لبنان بدقة. الطّائفيّة كانت العلّة ولم تكن يوما المفتاح للإصلاح. لطالما لفتنا الى خطورة الشّعبويّة الأيديولوجيّة السّياسيّة والدّينيّة، في قراءة الأحداث. من المؤسف أنّ الشّعبويّة الدّينيّة كانت وما زالت طاغية. كان من نتائجها تدمير غزّة كلّيّا، وحالة من الدّمار الجزئي في لبنان. وهي سادت في سوريّا أيضا وخلّفت جروحا عميقة.
ثم من ينسى منا دور الحالة الطائفية في ربط مصير لبنان بالقضيّة الفلسطينيّة؟ هناك تطوّرات في السّياسة الأميركيّة بشأن المنطقة، في غاية الأهمّيّة بلّ هي مصيريّة. لا يجب أن ينسى أصحاب القرار السّياسي أنّ أميركا ومنذ ٢٠ كانون الثّاني الماضي، أصبحت في عهدة الرّئيس دونالد ترامب. فما ترسمه سياسة ترامب، بات واقعا لا يجب تجاهله إذا كنّا نريد الخلاص لبلدنا وشعبنا. يفترض التّنبّه بدقة لمواقف الرّئيس ترامب، والعمل على منع تحويلها إلى إضرار لوطننا وشعبنا.
عوائق السلام الاميركي
هناك رغبة صريحة للرّئيس الأميركي بفرض سلام في الشّرق الأوسط، تنهي عمليا كلّ مقاومة عربيّة وإسلاميّة ضدّ إسرائيل، ولا يوجد سوى عائقين مهمّين للتّوصّل إلى هذا السّلام: ألطّموحات النّوويّة الإيرانيّة، والحقوق الوطنيّة للشّعب الفلسطيني. وقد كان للرّئيس ترامب بعد زيارة نتنياهو مواقف حاسمة بهذا الصدد. من الواضح، أنّ تدمير الطّموحات الإيرانيّة مسألة ترتيبات عسكريّة، يتمّ التّحضير لها بنشاط غير خاف، ولا يوجد عوائق مهمة أمامها. لكن موقف ترامب من موضوع الحقوق الفلسطينيّة، تحوّل إلى قنبلة موقوتة قد تدمّر كلّ جهود السّلام. فموقفه من الموضوع الفلسطيني لا يلقى معارضة عالميّة فحسب، بل معارضة داخل الولايات المتّحدة التي يرى غالبية كبرى من سياسييها، بوجوب اعتماد حلّ الدّولتين، لتسوية هذا الموضوع نهائيّا، وتحقيق سلام مستدام في المنطقة.
هناك رغبة صريحة للرّئيس الأميركي بفرض سلام في الشّرق الأوسط، تنهي عمليا كلّ مقاومة عربيّة وإسلاميّة ضدّ إسرائيل
وفي الوقت الذي بدأنا نشهد مظاهر انقسامات بهذا الصّدد، ولاسيّما مع التّصعيد السّعودي الإسرائيلي، إتّخذ فخامة الرّئيس قرارا بالتّصدّي لأعمال إطلاق النّار من سوريّا نحو لبنان. هذا قرار في غاية الدّقّة رغم أبعاده السّياديّة الظّاهريّة. فلبنان يردّ على إطلاق نار من سوريّا ضدّ مجموعات تتلقى أيضا الضّربات من إسرائيل، فيما لبنان صامت عنها. لبنان يفرض اشتراك الحزب الإيراني في الحكومة، بحجّة حضوره الطاغي في المكوّن الطائفي الشيعي، ويطلق النّار على سوريّا، التي لا يخفى موقفها العدائي من هذا الحزب، ومن بيئته لما جنته على أهل السّنّة في سوريّا. حالة تبعث على القلق خاصّة وأنّ الأيديولوجيا الدّينيّة السّياسيّة، هي التي أوصلت الحالة إلى هذه المرحلة المتأزمة. ردّ لبنان على النّار من سوريا يفترض أن يرافقه بسط سلطة الجيش في البقاع، وإنهاء دور ميليشيا الحزب الإيراني وجماعاته المهدّدة لأمن سوريّا، تماما كما يتمّ ترتيب الأمن في الجنوب، وفقا لاتّفاق وقف النّار مع إسرائيل.