التضامن الوزاري.. قبل «البيان» ام بعده؟

تثير عشوائية الظهورات الاعلامية وتصاريح الوزراء "قبل" البيان الوزاري، أسئلة مشروعة، ابرزها، هل يدرك الوزراء اننا في زمن محنة تراجيدية، وليس زمن ضيافات وتهان.

استوقفني، بعد تشكيل الحكومة العتيدة، عشوائية ظهور و تصاريح الوزراء الاعلامي والسياسي. حلقة تلفزيونية واحدة جمعت حول طاولة مستديرة، مجلس وزراء مُصَغَّر لاكثر من خمسة وزراء، حيث تمادى واستفاض كل منهم في طرح افكار ومشاريع وخبرات راكمها، وكل ذلك بشكل متماد “قبل” صياغة وصدور البيان الوزاري، الذي، الحق يجب ان يُقال للبعض، هو الذي يُحدِّد سياسة الحكومة، ومبادىء عملها واولوياتها، وأسبابها الموجبة ومنهجياتها، وليس “افكار” الوزراء الفرديّة ومشاريعهم ودراساتهم وخبراتهم، مهما كَبُرت وطالت صفحات سِيرهم الشخصية.

مخاطر وتحديات

هل يُدرك الوزراء والمسؤولون اننا في زمن محنة، وزمن ازمة، وزمن تراكمات مُحزنة لا يزال الالم فيها، ألم الشهادة والشهداء وكل الذين سقطوا وتشردوا من بيوتهم وضاعت ارزاقهم دون ان تسقط كرامتهم، زمن ألم فيه احتلال للارض، وزمن لا يزال عاصِف، فالضربات الآتية من الجنوب، تتجدد وتتصاعد وتيرتها، واخطار الشرق والشمال بدات تظهر على الحدود، وفي الأقوال والتصاريح والافعال، واننا في زمن فيه الكثير من التناقضات التراجيدية، التي صَعدَت في جسم الوطن امتار الإنهيارات، الى درك الجحيم السفلية، والتي لا تزال تبحش في جسده؟ هل يدركون اننا لسنا في زمن احتفاليات، واننا لا زلنا في زمن آلام واخطار وتحديات داهِمة، وليس في زمن توزيع البقلاوة والتهاني، و ان الزمن في هذه المرحلة الصعبة يتطلب عِلم بالطبع، ولكن يتطلب بالأخص رصانة وخفر وتضامن وتعاضد ورؤية وعمل جماعي، وليس منطق الظهور و الفرديًة اللبنانية المعروفة وب”السوبقة”.

هل يدركون اننا لسنا في زمن احتفاليات، واننا لا زلنا في زمن آلام واخطار وتحديات داهِمة، وليس في زمن توزيع البقلاوة والتهاني،

الذي استوقفني هذا المساء، هو خبر تصريح (ارجو ان لا يكون صحيح) لوزيرة الشؤون الاجتماعية السيدة حنين السيد، “أن عودة النازحين السوريين يجب أن تكون طوعية”.وانها “أوضحت في حديث ، أن الحكومة اللبنانية ستعمل بالتنسيق مع الجانب السوري لضمان عودة آمنة وطوعية للنازحين”.

اذا كان هذا التصريح صحيحا، اليس هو متسرع بعض الشيء، في موضوع حسّاس، حادّ ومُتفجر، بالاخص “قبل” البيان الوزاري، اين ضرورات التضامن الوزاري، المطلوب طبعا، واين التجانس الذي يتكلمون عنه، من هذه “السوبقة”؟ اذا كان هذا التصريح صحيح حول “عودة آمنة وطوعية”، فالسؤال البديهي هو، مَن يُريد ان يكون العكس؟! اي ان تكون العودة قسرية وغير آمنة وغير طوعية؟!

النازحون ورقة ضغط

المشكلة ان هذا الكلام، هو من عناصر كلام الفترة السابقة، الذي سمعناه منذ سنوات من ممثلي المحافل والمنظمات الدولية المانحة، التي كانت تريد ابقاء النازحين في لبنان، مهما كلف الامر ومهما طال. فترة سابقة قيل فيها ان العودة الآمنة والطوعية غير ممكنة، بسبب النظام السوري السابق، طبعا، في الفترة السابقة، كان هكذا كلام “لموظفي الدوليات” مستفزا للبنانيين, وكان ينتقده الكثير من السياسيين، الى حد اعتباره تآمر على لبنان، وان فيه اهداف مُبيَّتة، تُضمِر استمرار تمويل بقاء النازحين في لبنان، لاسباب عدة جيوسياسية، مهما كانت الظروف، لاستعمال هذه الورقة للضغط على لبنان السيِّد.

كنا ننتظر ان لا يصدر هذا الكلام اليوم، عن حكومة سيادية، بعد سقوط النظام السوري السابق، بحيث انتفت، بالمبدأ، عناصر الكلام هذه بانتفاء الاسباب، التي كان يُقال عنها انها تمنع العودة الطوعية والآمنة. فماذا يعني هذا الكلام اليوم؟ كنا ننتظر ان يوضع هذا الملف من اعلى المسؤولين اللبنانيين على “نار حامية”، و ان لا نعود نسمع نفس عناصر الكلام هذه الغامضة، والتي تتطلب تعريف لمعنى “العودة الآمنة والطوعية” ومداها الزمني.

قيل سابقا ان العودة الآمنة والطوعية للنازحين السوريين غير ممكنة، بسبب النظام السوري، كان هكذا كلام “لموظفي الدوليات” مستفزا للبنانيين, وكان ينتقده الكثير من السياسيين

كنا ننتظر ان يوضع هذا الملف المتأزم، الذي يستنزف لبنان منذ سنين، ويضغط على البلد بأوجه عدة، على نار حامية باشارات سيادية، حازمة وتصاريح جديدة هادفة وسيرورة زمنية واضحة، لا ان يتم التعامل معه بنفس الطريقة، وبنفس عناصر الكلام القديمة، وكأن لا تغيير سلطة قد حصل في سوريا، وكأن لا ضرورة ماسة ولا عجلة ماسة، اليوم لوضع السلطة السورية الجديدة وعراييها الاقليميين والدوليين، امام مسؤولياتهم، دون ان نعطيهم حجج !

هل هذا التصريح الصادر “قبل” البيان الوزراي هو هفوة عدم خبرة، هو هفوة عدم انضباط، ام هو “تمريك” فيه نيّات ورسائل من جهات دولية معينة للحكومة اللبنانية، “قبل” صياغة البيان الوزاري؟! هل هذا التصريح الذي قد يحمل أوجه غامضة او رسائل فيها اخطار، سيُلزِم الحكومة اللبنانية ودولة الرئيس وفخامة الرئيس، بنمط معين، باهِت، في هذا الملف، وقد يفخخ هذا الملف الحساس؟

حسنا فعل دولة الرئيس نواف سلام ان شدد على اهمية التضامن الوزاري، الضروري، لا بل الاساسي، في كل عمل منتج ومتجانس! ولكن هل فهم الوزراء ان التضامن الوزاري يأتي “بعد”، ولا يسبق البيان الوزاري!

التضامن الوزاري يبدو ضروريا، نعم، اما العشوائية والاستباقية والفردية، في تصاريح الوزراء بأمور اساسية، فهي تضرب الثقة قبل نيل الثقة!

السابق
مرقص: لجنة البيان الوزاري تبدأ خلال أيام وعون شدد إصلاح الفساد
التالي
حكومة سلام «تنطلق» في «حقل الغام حدودي» وداخلي..وتعثر «هدنة غزة» يقلق الجنوبيين!