هل يصمد ترامب أمام عاصفة انتقادات «صديقة» حول تهجير غزة؟

ترامب

في وقتٍ نقلت قناة “الحرة” الأميركية عن مسؤول في البنتاغون قوله إن “تفويض استخدام القوات العسكرية تخوِّل الرئيس دونالد ترامب إرسال قوات إلى غزة أو غيرها من دون الرجوع إلى الكونغرس، لكننا لم نتلق حتى الآن أيَّ تحديث بشان إمكانية قيام القوات الأميركية بدور مستقبلي في غزة”، توالت ردود الفعل العاصفة ضد خطة ترامب، دفع فلسطينيي قطاع غزة نحو الهجرة الطوعية من أرضهم، والاستيلاء عليه من أصدقاء الولايات المتحدة قبل أعدائها، فالخطة التي وصفها صاحبها بأن “الجميع يحبونها” تُعتبر “صاعقة”، تضرب عقودًا من السياسة الأميركية التقليدية في الصراع العربي-الإسرائيلي، القاضية بحل الدولتين، وتهدد بنكبة ثانية ستصيب الفلسطينيين، بعد شفعه خطته الخبيثة بخطة رديفة، لزيادة صعوبات الحياة في وجه الفلسطينيين بالتعاون مع إسرائيل، إذ وقع مرسومَ استمرار وقف تمويل وكالة (الأونروا) الذي علّقته إدارة سلفه جو بايدن، كما تولت إسرائيل من جهتها، عرقلة تنفيذ الجانب الإنساني في اتفاقها مع الفلسطينيين، حيث نفى رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة سلامة معروف لقناة الجزيرة، دخول أي بيوت متنقلة كما ينص الاتفاق، وأن نسبة الخيام التي دخلت هي 4% فقط.

وكشفت “الجزيرة” عن مصادر أن البروتوكول الإغاثي، ينص على دخول 600 شاحنة يوميًّا و60 ألف كرفان و200 ألف خيمة ومواد إغاثية ومعدات إنسانية.

شجعت خطة ترامب المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية على المزيد من المطالب

كما أمر ترامب بإعادة إمداد الإسرائيليين بالذخيرة الثقيلة، في حين تولى مقربون منه تسويق خطته، فقال مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف لقناة “فوكس نيوز”، إن ترامب “يخبر الشرق الأوسط بأنه سيغير الطريقة التي اتُّبعت خلال 50 عاما الماضية ولم تنجح”، وإنه يمنح الفلسطينيين “الأمل في مستقبل أفضل، بعيدًا عن غزة غير الصالحة للسكن، فالسلام الحقيقي يعني حياة أفضل للفلسطينيين”، فيما شجعت خطة ترامب المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية على المزيد من المطالب، حيث نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن الوزير المستقيل إيتامار بن غفير قوله: “حتى في الضفة الغربية تمكن دراسة البدء بتشجيع الهجرة الطوعية”، فيما أدلى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بتصريح قال فيه: “سنعمل على القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية نهائيًّا”.

وإسرائيليًّا أيضًا، وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الخطة بـ”القنبلة” التي لم يفهمها الإسرائيليون بعد، واعتبر مؤتمر ترامب جيدًا لإسرائيل.

وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الخطة بـ”القنبلة” التي لم يفهمها الإسرائيليون بعد

ردود الفعل جاءت فلسطينية وعربية وأممية وأوروبية، فاعتبرت “حركة حماس”، التي أعلنت استعدادها لمحادثات مع إدارة ترامب، أن الخطة “فوضى ستشعل الحرب في الشرق الأوسط”، فيما نقلت “الغارديان” عن السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور قوله: “اسمحوا للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم الأصلية في إسرائيل”، و”غزة هي المكان الذي ينتمي إليه الشعب الفلسطيني ويريد إعادة بنائه بنفسه”، فيما لا تزال أغلب الدول العربية على موقفها التمسك بحل الدولتين، ورفض تهجير الفلسطينيين، وفي مقدمها مصر والأردن والسعودية، التي نقل موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وعرب أن مقترح ترامب بشأن غزة، أثار انزعاجًا عميقًا في هذه البلدان الثلاثة، فقد نقلت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قبيل زيارة مقررة له إلى واشنطن في 11 شباط الجاري، رفْضَه أي محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين، مشددًا على ضرورةَ دعم المجتمع الدولي الشعب الفلسطيني لنيل كامل حقوقه المشروعة في اتصال مع أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، التي صرح المفوّض الأممي السامي لشؤون اللاجئين فيها فيليبو غراندي لوكالة “فرانس برس” أن مشروع ترامب السيطرة على قطاع غزة ونقل سكانه “مفاجئ جدّا”، وأنه “من الصعب جدّا التعليق على هذه المسألة الحسّاسة جدّا والتي لا بدّ من معرفة ما تعنيه على أرض الواقع”.

أما مصر، فقد أكد وزير خارجيتها بدر عبد العاطي إثر استقباله نظيره الفلسطيني محمد مصطفى بالقاهرة، دعم مصر الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وضرورة التوصل لحل الدولتين على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كما قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية إن اللقاء أكد أهمية إعمار قطاع غزة وإدخال المساعدات من دون خروج الفلسطينيين منه، بخاصة مع رفضهم هذا.

وكان لافتًا في الجانب المصري قول رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي، إن حكومته “تستعد للسيناريو الأكثر تشاؤما في ما يتعلق بالتطورات السياسية في المنطقة، منوها بأن مصر وضعت بالفعل خططا للتعامل مع أي تطورات”، ما يذكّر بكلام سابق له من أن “تبعات ما تمر به المنطقة تختلف عن حروب مصر سابقًا، نظرا لعدم وضوح ما يحمله المستقبل، ما يجبر الحكومة المصرية على إجراءات سياسية لاتخاذ رد فعل سريع للتعامل مع تطورات المنطقة ذات التداعيات المباشرة على مصر”.

أما السعودية، فأكدت وزارة الخارجية فيها ان موقف المملكة بقيام دولة فلسطينية ثابت وليس محل تفاوض، وهي ترفض بشكل قاطع مساعي تهجير الفلسطينيين من اراضيهم، وأن ولي العهد الامير محمد بن سلمان أكد ان المملكة لن تقيم علاقات مع اسرائيل، من دون تحقيق هذا الامر.

الأمين العام المساعد للجامعة العربية رفض “بشكل قاطع” تصريحات ترامب ووصفها بـ”الصادمة ولم يسبقه إليها أي رئيس”، معتبرًا أن “ثوابت القضية الفلسطينية باعتبار الضفة الغربية وغزة إقليم دولة فلسطين المستقبلية تبقى محل إجماع عربي كامل”.

على المستوى الأوروبي، وصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في حديث لوكالة “أنباء الأناضول” التركية مشروع ترامب بـ”غير المقبول، لا من جانبنا ولا من جانب بلدان المنطقة، ولا حاجة حتى لمناقشتها”.

وبعد رفض وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في مؤتمر صحافي اقتراح ترامب وقوله “غزة هي أرض سكان غزة ويجب أن يبقوا فيها”، أعلن في مقابلة مع محطة “آر.إن.إي” الإذاعية الإسبانية أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عرض على إسبانيا استقبال الفلسطينيين في حال تهجيرهم وقال: “غزة يجب أن تكون جزءا من الدولة الفلسطينية في المستقبل”.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: “سمعنا تصريح السيد ترامب ورأينا بيانات عمان والقاهرة الرافضة لهذه الفكرة، لهذا نرى أن التسوية في الشرق الأوسط يمكن أن تتم فقط على أساس حل الدولتين، وهو ما نعتقد أنه الخيار الوحيد”. أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فوصف تصريحات ترامب بشأن غزة بأنها “مظهر من مظاهر ثقافة الإلغاء الغربية”.

وصرح رئيس وزراء بريطانيا، البلد الأقرب أوروبيًّا إلى سياسة الولايات المتحدة، كير ستارمر بأنه “يجب السماح للفلسطينيين بالعودة لمنازلهم وإعادة الإعمار بغزة وسنقف معهم من أجل حل الدولتين”، أما وزير الخارجية البريطاني دافيد لامي فقال” “نريد ضمان المستقبل للفلسطينيين في وطنهم ونريد أن نراهم يزدهرون في غزة والضفة”.
ووصف وزير الخارجية الفرنسية جان بارو تهجير سكان غزة بـ”الانتهاك الخطير للقانون الدولي”.

وأعرب الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير خلال زيارته أنقرة، عن رفضه مبادرة الرئيس ترامب، وقال إن “أي حل ينتهك القانون الدولي غير مقبول”. وكان شتاينماير قال خلال محادثات في السعودية والأردن، إن مقترح ترامب، “أو بكلمات أخرى طرد الفلسطينيين من وطنهم خيبة أمل وصدمة حقيقية”، مؤكدًا أنه “لا يمكن التوصل إلى حل إلا بضمان أمن إسرائيل وتقرير المصير للفلسطينيين، وهذا طريق صعب وطويل، لكن الاختصارات التعسفية لهذا الطريق بتجاهل القانون الدولي وقواعده لن تؤدي الهدف”.
وأكد رئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيزي لوكالة “رويترز” أن موقف بلاده تجاه القضية الفلسطينية لم يتغير، ونحن لا نزال نؤمن بحل الدولتين”.

فهل سيصل “التنمّر” والعنجهية بترامب إلى المضي في خطته “الهوجاء” برغم ما يراه ويسمعه فقط كرمى لعيون إسرائيل ونتنياهو.

هل سيصل “التنمّر” والعنجهية بترامب إلى المضي في خطته “الهوجاء”؟

وهل خسر الأميركي نتيجة الانتفاخ الوهمي الذي يحاول ترامب الظهور به، وهل ينقلب وبالًا وانحدارًا على البلاد التي أراد لها الرئيس أن تعود عظيمة من جديد، وهل سيرميها العالم بأجمعه عن قوس واحدة، وخصوصًا الصين، التي تتربّص وتراقب؟

السابق
وزير العدل عادل نصار: موضوع حصر السلاح أساسي
التالي
نتنياهو: خطة ترامب لغزة ثورية