قراءة أفقية أوليّة (غير نقدية) في نسيج الحكومة الجديدة

aoun salam

لعلنا للمرة الأولى، منذ الاستقلال، نرى حكومة غير منبثقة من بيوتات سياسية. معظم أعضائها متحدرون من العلم والكفاءة، ولئن نَسَبَهم إلى ذاته زعيمٌ من هنا أو “حزبٌ” من هناك أو عشيرة أو مذهب أو صاحب مال من هنالك.

وزراء يتحدرون من “الكتاب” فيذكّرون ببيروت “مطبعة الشرق”، أو من كليّة جامعية فيعيدوننا إلى “بيروت جامعة الشرق”، أو من مستشفى تخصصي محترف ينتمي إلى “بيروت مستشفى الشرق”.

في تشكيل هذه الحكومة انكفأت “المرجعيات” الدينية، وتراجع نفوذ “مراكز قوى” قديمة أو مستجدة، وانخفض منسوب الضخّ الاقطاعي العتيق أو المستحدث، أو التوحّش المالي الحديث النعمة.. حكومة بعيدة إلى حد بعيد عن “الأحادية” الدولية، قريبة إلى حد بعيد من مفهوم “الدولة الحديثة” بمعناها الحقوقي.

حكومة لرئاسة جمهورية غير صادرة عن الجبل “الماروني” أو الشمال “الماروني” بل عن “الجنوب اللبناني”..وعن رئيس وزراء لا ينتمي إلى “دار المسلمين” الإخواني، بل إلى ديار العولمة الحضارية.

في الراهن: هذه أوّل حكومة، منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني العام ١٩٩٠، لا تولد من إرادة بعثية منفردة أو أمريكية متفردة أو خمينية احتكرت الله فاحتكرت التشريع بقوّة القتل والسلاح والجريمة المنظّمة. وهي أوّل حكومة تدخلها نساء عاملات غير مُستعرِضات وغير “نسويّات” ولا آتيات من قاعدة “العطل والضرر” أو على قاعدة التقنّع من خلال تقديم الوجه الجميل كغطاء للوجه القبيح. نساء بنينَ مجدًا حقيقيّاً راكَمنَه بالتعب والعرق والتواضع.

باختصار: هي #حكومة_من_خارج_منظومة رسّخت مفهوم الزبائنية والتحاصص، واعتبار الدولة “مَغنمًا” أو مورد رزق سياسيًا أو بوليصة تأمين للأولاد والاحفاد والزوجات وكل ذوي القربى.

لا ينال من جوهر التغيير في هذه الحكومة بعض الثغرات الفجّة الحاصلة على الطريقة “اللبنانية”. فإيلاء وزارة المالية إلى فريق النهب وبضعة وزارات أخرى إلى من اعتاد على السطو، (وذلك لأسباب واقعية تحتمها عملية التحوّل العميق)…. هذا “التوزير” تحدّ من مخاطره روح التضامن الحكومي الذي من شأنه فرملة أي اندفاع ميليشوي وخنق أي نزعة بلطجية أو أي عمل يخرج عن الدستور والقانون.

هذا “التفاؤل” ليس مجانيّا بل مشروط بـ:

١_ مضمون البيان الوزاري.

٢_ حسن العمل وجودة الانتاجية.

من هنا سوف تواجه هذه الحكومة تحديات عديدة لعلّ أهمها القتال التأخيري (و/أو المضاد)، الذي باشرت به المنظومة السوداء الممسكة بالبرلمان وبالإعلام وبالمال.

ومن هنا، تكبر وتبرز مسؤولية المؤمنين ب ١٧ تشرين، إن لجهة وجوب الانتظام من أجل الاحتضان والمواكبة كما المراقبة والمحاسبة، أو لجهة ضرورة الترفع والتمنّع في سبيل ترسيخ مفهوم “الخير العام” كقاعدة أساسية ترتكز اليها السياسة العتيدة كترجمة صحيحة لقاعدة “السياسة هي فنّ شريف”….

الرحمة لكل من سقطَ شهيدًا أو ضحيّة، الى أية جهة أو بقعةٍ أو فريق انتمى…والمجد، كل المجد، لـ ١٧ تشرين.

السابق
مورغان أورتاغوس تثير الجدل من جديد: صاروخ إيراني بيدها في جنوب لبنان
التالي
العين على البيان الوزاري بعد الإنطلاقة الحكومية..وترامب «يُخيّر» ايران بين التسوية او الحرب!