ساطع نورالدين: حكومة «الثلاثي» الضامن…

كتب الصحافي ساطع نورالدين في منشور على حسابه على “فايسبوك”:

هي أكثر من حكومة سد فراغ دستوري، وأقل من حكومة إصلاح وإنقاذ. المعيار السياسي أهم وأصعب من الحساب الإداري، الذي قد يكون ثورياً، إذا ما أخضع للمعايير المحلية وحدها. الالتزام بقواعد اللعبة السياسية، حرم لبنان من فرصة لن تعوض ولن تتكرر. هي حكومة غير سياسية لمهمات سياسية وطنية، شديدة الأهمية والخطورة، حتى الاستحالة، وتوحي بأن تنفيذ القرار الدولي 1701 المؤدي الى إنسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية لن يكون مجرد تحدٍ حدوديٍ، بل أشبه بتهديد لعمل الحكومة في الأشهر ال14 من عمرها الافتراضي. المضي قدماً نحو الإصلاحات العاجلة في السياسة والمال والقضاء، سيكون بمثابة مغامرة متواصلة، تخضع بشكل أو بآخر للاملاءات الإسرائيلية، التي لن تكتفي بربط الانسحاب العسكري من الجنوب مع تجريد حزب الله من السلاح.

تنفيذ القرار الدولي 1701 المؤدي الى إنسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية لن يكون مجرد تحدٍ حدوديٍ، بل أشبه بتهديد لعمل الحكومة في الأشهر ال14 من عمرها الافتراضي.

من حسن حظ لبنان أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لن تكون حاضرة أو مؤثرة في المرحلة اللبنانية المقبلة. وإلا لكانت واشنطن تسابق تل ابيب وتزايد عليها بل “تحرجها” بأفكار جنونية مماثلة لتلك التي طرحها الرئيس الأميركي بشأن إخلاء قطاع غزة من السكان ومحو عمرانها وإعادة بنائها لتصبح ريفييرا الشرق الأوسط، التي سبق للاميركيين أن طرحوا مثلها للشريط اللبناني الحدودي مع إسرائيل. وحتى ولو اكتفت تلك الأفكار الاميركية، كما هو متوقع، بإخلاء القطاع من مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي، وترحيلهم بالسفن على غرار ما جرى مع مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية بعد اجتياح بيروت في العام 1982.. فإن مجرد إدراج لبنان في السياق، يفوق بخطره كل ما شهده لبنان من حروب مع العدو الاسرائيلي.

الفريق السياسي في الحكومة الجديدة الذي يبدو غير مسيس بالمعنى المحلي الضيق، يتمتع بالخبرة السياسية اللازمة لمواجهة مثل هذا التهديد: الثلاثي نواف سلام وطارق متري وغسان سلامة، ليسوا طارئين أو مبتدئين أو تكنوقراط. راكم الثلاثة تجارب دولية مشرفة فعلا. بنيت على قاعدة أن عداءهم الطبيعي والتكويني لإسرائيل متوجٌ دائما بالخصام مع أميركا أو بعدم الود المتبادل معها وبالافتراق العملي بينهم وبين السياسات الأميركية في لبنان والمنطقة العربية. وقد عملوا في المؤسسات الدولية الكبرى على هذا الأساس وهم صنعوا أسماءهم وحددوا أدوارهم وكسبوا كفاءاتهم السياسية من هذه الزاوية.

الثلاثة أمام فرصة لاكمال هذه التجربة، تجربة الخصام مع أميركا، ربما لأن إدارة ترامب ليست مهتمة بلبنان وبالصراع معه، إلا من النقطة التي تتقاطع فيها مع الموقف الإسرائيلي. أرسلت تلك الادارة الأسبوع الماضي موفدة إستعراضية إستفزازية الى بيروت لكي تخاطب الإسرائيليين بما يحلو لهم أن يسمعوه. شكرتهم على هزيمة حزب الله، الذي سلم العالم كله بانه هزم، ودعت الى إبعاده عن الحكومة مع انه لم يكن مطروحا إشراكه فيها. واكتفت، على طريقة مرشدها الروحي ترامب، بإحراج المسؤولين اللبنانيين لا سيما الذين لم يمتنعوا عن استقبالها بعدما عبّرت في قصر بعبدا، عن احتقار ووقاحة لا تحتمل في أي عُرفٍ سياسيٍ أو حتى دبلوماسي.

أرسلت تلك الادارة الأسبوع الماضي موفدة إستعراضية إستفزازية الى بيروت لكي تخاطب الإسرائيليين بما يحلو لهم أن يسمعوه. شكرتهم على هزيمة حزب الله، الذي سلم العالم كله بانه هزم، ودعت الى إبعاده عن الحكومة

أما بقية وزراء الحكومة ال21، فإن مهامهم ومسؤولياتهم ستكون محكومة بسلوك الرئيس نبيه بري الذي سينزل بهم ما شاء من “إصلاح وإنقاذ”، لكي يحافظ على إرثه الشيعي ويترك للشيعة من بعده ما لم يحصّله سواه لهم. وعليه يمكن ان يصبح قانون الانتخاب الجديد، أو مجلس الشيوخ الموعود، عنواناً لمساومة داخلية تؤجل أي اصلاح سياسي للنظام اللبناني، وتجعل من غياب الثلث المعطل، حجة ضد الثقة بالحكومة وذريعة للانقضاض عليها. كما يمكن ان يجعل من قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، حلماً بعيداً، تتناقله الأجيال المقبلة من الطبقة السياسية، وتترقب وصول وزراء ونواب جدد الى الندوة البرلمانية يؤمنون فعلا بهذه الحاجة الملحة والعاجلة للإنقاذ..كما يمكن ان تجعل من إصلاح القضاء وضمان استقلاليته شأنا للتاريخ، تتفاعل معه القوى السياسية مثلما تتفاعل مع حلم الغاء الطائفية السياسية الموؤد.

لكن الأمل باقٍ، بأن تكون الحكومة الجديدة، قادرة، في ما تبقى لها من زمن، أن تبني، من نقطة الصفر تقريباً، معالم دولة تنتهك حدودها إسرائيل، وتستخف بها أميركا، ويتطاول عليها حكام دمشق الجدد..ويتوقع ويتمنى مواطنوها ألا تكون مجرد حكومة تصريف أعمال إنتقالية.

السابق
علي الأمين: هناك انسجام..ولا الغام  تعطيل في حكومة نواف سلام
التالي
مورغان أورتاغوس تثير الجدل من جديد: صاروخ إيراني بيدها في جنوب لبنان