
في الجلسة ما قبل الاخيرة من محاكمة «موقوفي عين التينة»، المتهمين بالتجسس لصالح العدو الاسرائيلي عبر مسح ترددات للتنصت، وتحديد مواقع هواتف ومواقع جغرافية، واماكن المستخدمين للشبكة الخلوية في منطقة الضاحية الجنوبية، إستأثرت إفادتا شاهدين من خبيرين في الاتصالات بإهتمام هيئة المحكمة برئاسة العميد وسيم فياض، اللذين اجمعا على نتيجة واحدة: «الجهاز الذي استخدم في عملية المسح يلتقط موجات البيجر والتوكي ووكي والدرون».
لجأ رئيس المحكمة في الجلسة الماراتونية التي طالت اربع ساعات متواصلة الى «استخدام» تقنية في إعادة استجواب المتهم الرئيسي محي الدين حسنة كما المتهمين الآخرين هادي عواد ورامي الصانع.
«قنبلة» البيجر والتوكي ووكي
بدا الامر في بدايته سهلاً للمتهم حسنة، لكن مع تعمّق الاسئلة وصياغتها التي كانت في منتهى الدقة، دفعته الى خلع سترته، وسط جوّ عاصف في الخارج انسحب على داخل الجلسة، حين فجّر احد خبراء الاتصالات قنبلة بوجهه حيث قال ما حرفيته: «ان الجهاز الذي استخدمه حسنة للمسح على ترددات يلتقط موجات البيجر والتوكي ووكي»، مؤكدا بأن مثل هذا «المسح يحتاج الى اذن مسبق من وزارة الاتصالات».
وجاءت افادة الشاهد الآخر وهو مسؤول في احدى شركتي الخلوي، لتصبّ في الاطار نفسه، قائلا «ان وجود المعدات التي استخدمها حسنة في مكان واحد امر غير طبيعي»، مضيفا: «كمية الداتا كانت مخيفة ومقلقة وكل الاجهزة مع بعضها تثير الشك وهي قادرة على التقاط اجهزة البيجر والاجهزة اللاسلكية والدراون، انما لا قدرة لها على التنصت انما توجد امكانية لذلك».
وتحدث الشاهد عن خرق «في مكان ما» في ادخال المعدات واستيرادها الى الخارج، بعدما لاحظ وجود ختم الجمارك وختم وزارة الاتصالات على الايصالات، خاتما «لو كانت مارقة المعدات عا وزارة الاتصالات ما كانت فاتت».
وصل قرب عين التينة
افادة الشاهدين جاءت بعد اطلاعهما على المعدات المضبوطة لدى شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي بناء على طلب جهة الدفاع في جلسة سابقة، وهي اضاءت على جوانب مهمة من القضية حول امور تقنية معقدة في عملية المسح، التي نفذها حسنة وقال انها لصالح شركة اميركية قائمة وليست وهمية، مبرزا عبر وكلائه 11 مستندا يؤكدون ذلك، ومكررا القول ان الهدف من المسح كان لصالح شركة اميركية لتحديث الخرائط الموجودة على «غوغل مابس»، عبر تكليف مهمة «التجوال» داخل سيارة وُضعت على سطحها كاميرا وبداخلها معدات واجهزة، الى كل من الموقوفين الصانع وعواد، حيث استطلع الاخير مناطق في الضاحية، فيما الثاني مناطق اخرى الى ان وصل قرب عين التينة حيث لاحظ احد عناصر قوى الامن الكاميرا على سطح السيارة التي كان يقودها فأوقفه وادخله «الى قصر الاستاذ نبيه».
ومن «نقطة الصفر»، بدأ العميد فياض في اعادة استجواب حسنة، مركزا على المشاريع التي نفذها في الخارج، وكيفية انشاء الشركة التي اشتراها مع والده وهيكليتها، وكان لافتا في اسئلة الرئاسة التركيز على كيفية حصول الشركة على المشاريع التي رست عليها تنفيذها، وكذلك الوضع المادي المتعثر الذي وقع فيه حسنة نتيجة الازمة الاقتصادية، التي اعقبتها جائحة كورونا، ما اضطره الى صرف المئات من الموظفين في لبنان والخارج.
ولم تكن مسألة الحصول على تراخيص لتلك الاعمال في الخارج، من ضمن الاتفاق بين حسنة والشركة التي كان ينفذ لصالحها الاعمال، وهو قال عن”مشروع لبنان” الذي اتفق مع الشركة على كلفته ب21 الف دولار “انما لم يقبض المبلغ”،انه سأل محافظ بيروت عن الترخيص واحاله الى شخص انما حسنة لم يتابع الموضوع «لاننا دخلنا في إضرابات».
إستوقف رئيس المحكمة، مسألة حصول المسح في لبنان والبلدان الاخرى خلال الشهرين الاخيرين من العام ، فرد حسنة بانه لا يعرف السبب، موضحا بان المشروعين اللذين نفذهما في تركيا والقاهرة لم يكونا في شهري 11 و12. وقال ردا على سؤال ان الغاية من المسح لم تكن خرق «الواي فاي» انما معرفة الترددات وقوة الارسال في المناطق والتصوير، يهدف الى تحديث الخرائط وكيفية تحديث المدن الذكية.
«فهّمني شو خص الارسال والواي فاي بالمدن الذكية»
«فهّمني شو خص الارسال والواي فاي بالمدن الذكية»، سأل رئيس المحكمة حسنة، مضيفا على سؤاله «الواي فاي شو إلو علاقة بدي إفهم»، فرد المتهم: «ليس هدفنا مسح الواي فاي انما الجهاز يمسح كل الترددات».
ولم يبدُ رئيس العسكرية مقتنعا بكلام المتهم، الذي لاحظ هذا الامر ليضيف على كلامه: «ان الجهاز يمسح الترددات انما لا يخرق». وبسؤاله قال «كل شي كان يروح اونلاين الى سيرفر وحسب كل بلد نحمّل المعلومات عليه».
وأضاف «فوجئت باتهامي برصد مواقع لاشخاص عبر هواتفهم، والتنصت عليها وخرق شبكات الواي فاي، فكيف هذا الجهاز موجود في الاسواق ومتوافر للجمي». واكد حسنة انه قال لعواد «عا الضاحية ما تقرّب وما تصوّر واذا فتت ما تصوّر».
وانكر المتهم هادي عواد افادته الاولية، لجهة الشكوك التي راودته حول المشروع، وقال انه لم يشك انما سأل حسنة عن الترخيص وقال له «مرخص ما تعتل هم»، زاعما بانه في «المعلومات» أُجبر على توقيع اقوال لم يذكرها.
واضاف بان حسنة «كان مستعجلا لانهاء المشروع وانا عملت معه 5 ايام». وقال ردا على سؤال لممثلة النيابة العامة القاضية منى حنقير بان الكاميرا لم تكن مهمة في العمل، انما المهم ان تمر عبر اللابتوت والـ«جي. بي. أس». وافاد بانه كان يدخل في الشوارع حسب الخريطة التي بحوزته، وكان يدخل الضاحية عدة مرات من دون الكاميرا، ولم يصوّر مناطق عسكرية او امنية.

وقال الصانع في استجوابه، ان شقيقته كانت على معرفة بحسنة، وهو كان عاطلا عن العمل فعرض عليه الاخير العمل معه ووافق، وكانت مهمته قيادة السيارة في مناطق فردان والحمرا بعد ان قام حسنة بعد ان اخضع للتدريب على الاجهزة.
وبالاستماع الى خبير في وزارة الاتصالات، قال انه اطلع على الاجهزة المضبوطة واعد تقريرا بما شاهد ليقول: «المعلومات التي وصلنا اليها محدودة لان المتهم لم يزودنا بكلمة السر ،وقال لنا بانه لا يعرفها، وان عدد الصور التي التقطت بلغت 67783 صورة على الجهاز انما لم افتحها».
اضاف الشاهد: «ان الملفات الموجودة على اللابتوت تتعلق بالترددات والأجهزة، تقوم بمسح ونسخ الصور عن الترددات، وان ميزة الجهاز هي انك تستطيع ان ترى ما تبحث عنه في اي وقت، وهو ما يميزه عن اي اجهزة اخرى». ولاحظ الشاهد وجود 364 ملف مسح حتى تاريخ 14 كانون الاول 2023 . وبسؤاله اكد بان وزارة الاتصالات لا تسمح بإدخال مثل هذا الجهاز، الا لجهات امنية او عسكرية وجامعات تعمل عليه في مختبراتها.
«ليس هدفنا مسح الواي فاي انما الجهاز يمسح كل الترددات».
وتحدث الشاهد عن مفاتيح سرية مشفرة على اللابتوت، ولا يمكن رؤية المعلومات عليها، ليُسأل حسنة فيقول: «كنت آخد الفايلات وسيّفهم على هارد ديسك مع المعلومات». وهنا اكد الشاهد بانه لم يطلع على هارد ديسك، فيما اكد حسنة انه موجود لدى «المعلومات».
وتناول الشاهد ما شاهده على كاميرا التي تحوي 5317 صورة، متحدثا عن حصول «مسح شامل ضخم للترددات وعند تشغيله يتم مسح كامل المعلومات المتعلقة بالمنطقة وتحميل المعلومات بعد المسح على الحاسوب».
واشار الى وجود برنامج لديه امكانيات اوسع واشمل عن غيره، يحدد إحداثيات ومعلومات في الخلوي والواي فاي والبلوتوز، وهذا البرنامج موجود على ال”البلاي ستور” ويمكن لاي احد ان يشتريه.
وتحدث الشاهد ايضا عن خدمات مدنية وعسكرية وامنية، تستعمل لخدمة الاتصالات وهي توكي ووكي والبيجر وخدمات اتصالات بحرية وبث تلفزيوني. وقال انه من اشارات الهاتف في التوكي ووكي، يمكن ان اسمع كل المعلومات التي تخرج من الذي يبثّ ومن اين يبثّ.
واضاف انه من مواقع محطات ثابتة ومتنقلة، استطيع ان اعرف التوزيع الجغرافي للمستخدمين لهذه الاجهزة، مشيرا الى ان كل محطات البيجر موجودة على التردد .وسئل عن الضرر الذ تلحقه هذه الاجهزة وما تأثيره على الامن فأجاب الشاهد: «من سنة ما كان عندي جواب انما ما حصل في البلد غيّر وجهة نظري». واضاف ان الجهاز يأخذ صورة ترسل الى برنامج يحللها .
وسألا الشاهد حسنة ليجيب ان «ما رأيناه ان الجهاز يعمل مسحا من 170 الى 520 درجة ولا يوجد ارقام مدنية او خلوية، انما عليه موجات توكي ووكي والبيجر ، وقدرات الجهاز كبيرة جدا».
«كان يجب أن ينتبه»
وافاد شاهد آخر من احد شركتي الخلوي متخصص في الاتصالات، بانه من خلال عمله منذ 27 عاما لم يشاهد جهازا كالذي تم ضبطه ، ورأى صورا بميزات عالية جدا ، وقال انه فوجىء بإستيراد اللابتوت من الخارج ، وان تقنيات كهذه ووجود المعدات في مكان واحد امر غير طبيعي.
واضاف ان كمية الداتا مخيفة ومقلقة والذي «يخّوف» اكثر، ان القدرات الفنية للاجهزة هي في اعادة تشغيل وتكوين المشهد مع الصور والصوت «كأنك تعيش في قلب الحدث».
واشار الى ان الجهاز يستطيع التقاط البيجر واجهزة لاسلكية والدرون، عندما يكون على الموجات . وقال: «برأيي هناك غباء من القيمين على المشروع ، انا لا اريد ان اذهب باتجاه سيء انما كان يجب ان ينتبه».
واكد انه لا قدرة للجهاز على التنصت لان التشفير عال ، وهناك صعوبة في التنصت انما يوجد امكانية. وافاد انه لا معلومات عن المشتركين، لانه لم تتم معالجة الملفات انما باستطاعة الجهاز تحديد مواقع الهواتف.
وبسؤال رئيس المحكمة للشاهد عن انه بحسب خبرة حسنة، كان يعرف هذه المخاطر ، اجاب: «طبعا حتى ان اي مبتدىء يعرفها». وقال ان المعدات لو مرّت على وزارة الاتصالات لما دخلت الى لبنان، ملاحظا وجود ختم الجمارك والوزارة على المعدرات ما يعني «حصول خرق في مكان معين».
وبعد ان رفع رئيس المحكمة الجلسة توجه الى حسنة قائلا: «بدنا الباسوورد» ليجيب: «ما بعرفو وهذا الامر لن يقدّم او يؤخّر».