
لا يخفى على أحد ما لتأثير الزعيم باعتباره يملك مفاتيح الأرض والسماء وبيده يملك وحده جميع الحلول والمشاكل على كافة الأصعدة، وفي حضوره تخرس ألسنة جماهيره وتنطبق الشفاه كأنها خشبٌ مسنَّدة، وإذا ما نطقت فتراها بين تأييد وتصفيق وبين تشجيع وتسبيح، والكل يسبح ويُسبِّح بالحمد والثناء للباري الكريم بأنه كرَّمها وخصَّها بهذا الزعيم..
هذه ثقافة المجتمع العربي والإسلامي على نحو العموم، فهي ظاهرة غريبة وعجيبة ومرعبة في نتائجها الكارثية التي حلَّت بشعبنا من أزمات ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وما زلنا نأكل ونحصد ما زرعته ثقافة الزعيم. في ثقافته الجامعة والمانعة، تتلاشى وتذوب وتندثر كل ثقافة الآخرين مهما كانت درجة ثقافتهم ودرجة اختصاصهم من حملة الشهادات العليا وحجم معارفهم، فوحدها ثقافة الزعيم سيدة الموقف وسيدة الحضور وسيدة الحلول مهما كان نوعها وتهالكها وربما هبوطها وتدنيها إلى الدرك الأسفل من النار والعذاب والقحط وتحت خط فقر الأسفل بأمتار، يكفي أيها الشعب “المتحوكم” أنها ثقافة الزعيم وزعيم الثقافة. وفي حضور ثقافة الزعيم تتحوَّل أحزابنا وجمعيَّاتنا وتجمعاتنا إلى أقزامٍ وكأنَّ على رؤوسهم الطير وعلى ألسنتهم شوك النياص فتتحوَّل ثقافتهم لمجرد صدى يملأ القاعات وتتحوَّل جميع الطبقات من مسؤولين وقياديين وباقي الأتباع إلى ما يشبه الكورس وتصفها بالخطاب الثقافي والسياسي التاريخي بأنه عبقرية الحلول والمشاكل واتخاذ القرار الذي ينعش البلاد.
وأعجب ما في العجب أننا نحيل ما وصلنا إليه في مجتمعنا من فشل وخيبة الأمل والتطاحن فيما بيننا هو نظرية المؤامرات الكونية علينا سواء في التعليم أو الاستشفاء او الخدمات وتقديم مشاريع انتاجية إن على مستوى المحليَّات والبلديات أو مستوى الدوائر الرسمية والحكومية، حيث لا نعتقد أنَّ الخارج سيرى أفضل مؤامرة وأقوى سلاح يملكه من سلاح ثقافة الزعيم الذي لا يعرف غيره بأسرار الكون وبالسياسة وما حواها والأرض وما دحاها والتي نواصل ما حواها وما دحاها ضد أنفسنا وضد بعضنا البعض حتى أننا كتبناها في وصايا الموت لأولادنا وأجيالنا التمسك بثقافة الزعيم باعتباها تراثاً مقدَّساً لا ينبغي ولا يجوز المساس بها، لأنها من الطهارة المطهَّرة تطهيراً.. ارحموا تنوع هذا البلد بثقافته واتركوا الأجيال القادمة تعيش في ثقافة المؤسسة والقانون والدستور ولنخرجها من كهوف ثقافة الزعيم.