ازدواجية المعايير في خطاب الحزب..ادعاء التوافق وممارسات التفرد!

محمد رعد

في مشهد سياسي يختزل التناقضات العميقة التي تعصف بلبنان منذ سنوات، خرجت كتلة “الوفاء للمقاومة” من الاستشارات النيابية في قصر بعبدا، لتطلق تصريحات جديدة، تمحورت حول ما وصفه رئيس الكتلة النائب محمد رعد بـ”التفكيك والتقسيم والإلغاء والإقصاء والكيدية”، مشيراً إلى أن تسمية القاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة “تخدش إطلالة العهد والتوافقية”. ورغم هذه الانتقادات، طالب رعد بحكومة “ميثاقية”، مكرراً خطاباً يحمل في ظاهره دعوة للتوافق، لكنه يفتح الباب للتساؤل عن انسجام هذا الخطاب، مع ممارسات الحزب خلال العقود الماضية.

العيش المشترك أم مشروع التفرد؟

يتحدث “حزب الله” عن العيش المشترك والميثاقية وكأنها من أولوياته، لكن النظر إلى مسيرته، يكشف نقيض ذلك تماماً.
عندما أصرّ على تولي الرئيس نبيه بري رئاسة المجلس النيابي لمدة 33 عاماً، رغم المعارضة الشعبية والسياسية الكبيرة، هل كان ذلك ينسجم مع مفهوم التوافق أو احترام إرادة اللبنانيين؟
عندما أصرّ على “الثلث المعطل” في الحكومات المتعاقبة وساند حليفه الرئيس نبيه بري على احتكار وزارة المالية، مستغلاً هذه الأدوات لعرقلة القرارات الوطنية التي لا تتماشى مع أجندته، هل كان ذلك دفاعاً عن الميثاقية أم استغلالاً لها؟

يتحدث “حزب الله” عن العيش المشترك والميثاقية وكأنها من أولوياته لكن النظر إلى مسيرته يكشف نقيض ذلك تماماً

وعندما أدرج إيران طرفاً رئيسياً في القرار اللبناني، وحوّل بيروت إلى عاصمة تحت النفوذ الإيراني، ألم يكن ذلك انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية وتفكيكاً فعلياً للعيش المشترك؟
إعلان أمينه العام، مراراً وبصراحة، أن “الأكل والشرب والرواتب والصواريخ تأتي من إيران”، يطرح تساؤلاً حقيقياً: أين موقع الدولة اللبنانية من هذه المعادلة؟

الحروب والاقتصاد: من يدفع الثمن؟

سياسات الحزب لم تتوقف عند حدود الاستئثار بالقرار السياسي، بل تعدتها إلى خيارات مصيرية تسببت في انهيارات اقتصادية واجتماعية.
حرب تموز ٢٠٠٦: فتح الحزب جبهة مع إسرائيل دون العودة إلى الحكومة اللبنانية أو الشعب. النتيجة كانت حملة تدميرية واسعة على لبنان، خلفت آلاف القتلى والجرحى، وشردت الملايين، ودمرت البنية التحتية، وأدخلت لبنان في أزمة اقتصادية حادة. انتهت الحرب بقبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٧٠١، الذي فرض شروطاً ما زالت تقيّد البلاد حتى اليوم.

حرب إسناد غزة ٢٠٢٣

في ٨ أكتوبر ٢٠٢٣، فتح “حزب الله” جبهة جديدة مع إسرائيل تحت شعار دعم غزة، دون تنسيق مع الدولة اللبنانية أو الشعب. أدى هذا القرار إلى تصعيد كبير وتوسع الحرب، حيث احتلت إسرائيل مناطق في الجنوب اللبناني، وصلت إلى حدود نهر الليطاني، وتم تدمير حوالي 40 ضيعة بالكامل، بالإضافة إلى دمار هائل في مناطق أخرى شملت البقاع والضاحية وشمال نهر الليطاني. انعكست هذه الحرب على لبنان بكارثة إنسانية واقتصادية جديدة، طرحت تساؤلات جوهرية حول أهدافها: هل كانت حقاً دفاعاً عن لبنان أم امتداداً لمشروع خارجي؟

الاقتصاد المرهق

سيطر الحزب على الحدود مع سوريا، محوّلاً المناطق الحدودية إلى ممرات تهريب ضخمة. السلع المدعومة التي كانت مخصصة للبنانيين أصبحت تباع في سوريا، ما استنزف الاحتياطات المالية للبنك المركزي. كذلك، حول الحزب مرفأ بيروت إلى منصة تهريب تحت ستار “المقاومة”، ما أضرّ بمصالح الدولة والاقتصاد.

تعطيل الدولة

سياسة ممنهجة منذ عام ٢٠٠٦، فقد اعتمد “حزب الله” سياسة تعطيل الاستحقاقات الدستورية، مما أدى إلى شلل كامل في عمل المؤسسات.

تعطيل الانتخابات الرئاسية

لم يكن الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية إميل لحود، ميشال سليمان، وميشال عون مجرد مصادفة، بل نتيجة نهج متعمد لتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، لا يتماشى مع أجندة الحزب.
وكذلك.تعطيل الحكومة، سواء عبر فرض الثلث المعطل أو استقالة وزرائه المفاجئة، واستخدم الحزب الحكومات كأداة لتنفيذ مصالحه، غير مكترث بالأزمات التي يتسبب فيها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

التحكم بالقضاء والقوانين

أبرز مظاهر ازدواجية الحزب كانت في تعامله مع القضاء:
بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، واجه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بالتهديدات والضغوط، لمنعه من متابعة التحقيقات التي طالت مسؤولين محسوبين على الحزب. هذا التدخل لم يكن مجرد عرقلة لتحقيق قضائي، بل رسالة واضحة بأن الحزب فوق القانون.

إذا كان “حزب الله” جاداً في دعوته إلى حكومة ميثاقية فعليه أولاً أن يراجع سياساته التي فتكت بالميثاق والدستور

في المقابل، يدافع الحزب عن قوانين وممارسات تخدم مصالحه، مثل تشجيع قضاء مذهبي يعمل ضمن إطار “محاكم الحزب”، ما يعزز فكرة الدولة داخل الدولة.

الهيمنة على السلاح والأمن

منذ اتفاق الطائف، كان يفترض أن يكون احتكار السلاح بيد الدولة، لكن “حزب الله” كرّس نفسه كجيش موازٍ للدولة: حمل السلاح بحجة “المقاومة”، لكنه استخدمه لفرض أجندته السياسية في الداخل، كما حدث في 7 مايو 2008 عندما اجتاح الحزب بيروت والجبل، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.

إقرأ أيضاً: توغل اسرائيلي في وسط بنت جبيل والمسيرات تخترق بيروت والضاحية!

كسر هيبة اولولة، من خلال سيطرته على القرارات الأمنية والدفاعية، التي أضعفت هيبة الجيش اللبناني ومؤسسات الدولة، وحولت البلاد إلى رهينة في أي مواجهة إقليمية.

ازدواجية الخطاب: التوافقية كشعار والتفرد كواقع

يروج “حزب الله” لخطاب يدّعي الحرص على العيش المشترك والميثاقية، لكنه يمارس سياسات تقوّض هذا العيش، وتكرّس الهيمنة المذهبية والسياسية. الحزب الذي يدّعي “التوافق” يفرض أجندته بالقوة والترهيب، سواء عبر السيطرة على المؤسسات أو تقويض استقلالية الدولة.

ضرورة المراجعة والتغيير

لا يمكن قراءة خطاب “كتلة الوفاء للمقاومة” بمعزل عن ممارسات الحزب، التي أضعفت مؤسسات الدولة، وقوضت العيش المشترك، وحولت لبنان إلى ساحة صراعات إقليمية. الحديث عن التوافقية والميثاقية يبدو مجرد غطاء، يخفي مشروعاً تسلطياً، يسعى إلى الهيمنة الشاملة على الدولة والمجتمع.
إذا كان “حزب الله” جاداً في دعوته إلى حكومة ميثاقية، فعليه أولاً أن يراجع سياساته التي فتكت بالميثاق والدستور. أما إن استمر في تجاهل إرادة الشعب اللبناني، فسيبقى لبنان غارقاً في أزماته، رهينة مشاريع خارجية لا تخدم سوى المصالح الضيقة للحزب وحلفائه.

السابق
تأجيل مريب لجلسة مناقشة وقف العدوان على غزة.. ماذا حصل وهل يمكن لنتنياهو التراجع بحجة «تنازلات اللحظة الأخيرة»؟ 
التالي
ثقافة الزعيم