ثورة 17 تشرين.. من التحديات والتضحيات الى التغيير

ثورة 17 تشرين الشعلة
في 17 تشرين الأول 2019، خرج اللبنانيون إلى الشوارع والساحات رفضًا للفساد السياسي، والمحاصصة الطائفية، وسوء الأوضاع الاقتصادية. شكّلت هذه الانتفاضة الشعبية نقطة تحوّل في الوعي السياسي والاجتماعي اللبناني، حيث كسرت حاجز الخوف وأعادت تعريف المواطنة بمعزل عن الطوائف والأحزاب التقليدية. لكن الثورة واجهت تحديات كبيرة، من القمع والقتل إلى محاولات الاحتواء، وصولًا إلى محاولات تفريغها من مضمونها الحقيقي.

منذ الأيام الأولى، واجهت السلطة الانتفاضة بالقمع العنيف، مستخدمةً القوة المفرطة، والاعتقالات التعسفية، والترهيب الإعلامي. تعرّض المتظاهرون للضرب والسحل على يد الأجهزة الأمنية، كما جرى استدعاء واحتجاز العديد من الناشطين لمحاولة كسر إرادة الشارع.

لم يقتصر القمع على المواجهات المباشرة، بل طالت التهديدات والاغتيالات شخصيات بارزة في الحراك، مثل لقمان سليم

الاغتيالات والترهيب

لم يقتصر القمع على المواجهات المباشرة، بل طالت التهديدات والاغتيالات شخصيات بارزة في الحراك، مثل لقمان سليم، الذي اغتيل بسبب مواقفه الجريئة ضد المنظومة الحاكمة. كما تعرّض العديد من الصحفيين والناشطين للتهديد والملاحقة الأمنية، في محاولة لإخماد أي صوت معارض لاسيما الكاتب والناشط السياسي كاتب هذا المقال محمود شعيب الذي تعرض لثلاث محاولات قتل، اضافة الى التخوين ومحاولة قطع رزقه، وصولا الى سرقة محاله في جنوب لبنان، من قبل عناصر من الحزب وبقرار رسمي.

الانهيار الاقتصادي وتوظيفه ضد الثورة

مع تفاقم الأزمة المالية، حاولت السلطة واحزابها، وميلشياتها الفاسدة المتحالفة مع المافيا، استغلال الوضع الاقتصادي لإحباط الثوار، عبر الترويج لفكرة أن التحركات الشعبية، هي السبب في تدهور الوضع، وليس فسادها المستشري. تفاقم انهيار الليرة وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، ما جعل همّ الناس ينصبّ على تأمين معيشتهم، بدلاً من الاستمرار في النضال السياسي.

محاولات اختراق الثورة وشيطنتها

عملت الأحزاب التقليدية على اختراق الحراك الشعبي، عبر إرسال عناصر تابعة لها لزرع الانقسامات، كما لجأت إلى أساليب التشويه الإعلامي، متهمة الثوار بالعمالة للخارج أو بتنفيذ أجندات مشبوهة. إضافةً إلى ذلك، تم استغلال الطائفية لتفكيك وحدة الشارع، عبر تصوير الحراك على أنه موجّه ضد طائفة معينة أو فريق سياسي بعينه.

غياب القيادة الموحدة

رغم الزخم الكبير للثورة، إلا أن غياب قيادة موحدة واضحة المعالم، حال دون القدرة على فرض أجندة موحدة، أو تقديم بديل سياسي متماسك. كما استغلت السلطة هذا الأمر لمحاولة تشتيت الجهود، وإطالة أمد الأزمة حتى تضعف حركة الشارع.

تضحيات الثوار وصمودهم

رغم كل ما سبق، لم يتراجع الثوار، بل استمروا في نضالهم بمختلف الوسائل. شهد لبنان مشاهد استثنائية من الصمود، من الإضرابات العامة إلى إغلاق الطرق والعصيان المدني. دفعت فئات واسعة من الشعب اللبناني أثمانًا باهظة، سواء بالدماء أو بالقمع أو بالهجرة القسرية، لكنهم نجحوا في ترسيخ معادلة سياسية جديدة.

تحقيق أهداف الثورة: من الاحتجاج إلى السلطة

بعد سنوات من النضال، بدأت نتائج الثورة تتجلى في المشهد السياسي اللبناني. تمكنت المعارضة المنبثقة عن ثورة 17 تشرين، من فرض نفسها كلاعب أساسي، سواء في البرلمان أو في الشارع. وشهد لبنان تطورًا بارزًا تمثّل في وصول رئيس جمهورية وحكومة تتبنى خطاب الثورة وشعاراتها، وهو ما شكّل انتصارًا معنويًا كبيرًا للحراك الشعبي.

بوصول قيادة سياسية تحمل تطلعات الثورة، دخل لبنان مرحلة جديدة من التغيير السياسي، قد تكون صعبة، لكنها تحمل الأمل

هذا التطور السياسي لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تراكم نضالي طويل، وضغط مستمر من قبل القوى الثورية، التي رفضت الاستسلام لمنظومة الفساد. وبوصول قيادة سياسية تحمل تطلعات الثورة، دخل لبنان مرحلة جديدة من التغيير السياسي، قد تكون صعبة، لكنها تحمل الأمل بإعادة بناء الدولة، على أسس العدالة والشفافية والمواطنة الحقيقية.

أثبتت ثورة 17 تشرين أن الشعب اللبناني قادر على فرض إرادته، حتى في ظل منظومة طائفية متجذرة

رغم القمع والتضحيات، أثبتت ثورة 17 تشرين أن الشعب اللبناني قادر على فرض إرادته، حتى في ظل منظومة طائفية متجذرة. ورغم أن المعركة لم تنتهِ بعد، فإن نجاح الثورة في إيصال صوتها إلى مواقع السلطة، يمثل خطوة تاريخية نحو بناء لبنان الجديد، الخالي من الفساد والمحاصصة. ويبقى التحدي الأكبر اليوم، هو تحويل هذا الانتصار الرمزي إلى تغييرات فعلية، تُترجم بتحقيق العدالة الاجتماعية، والإصلاح السياسي الحقيقي.

السابق
الثنائي الشيعي يُقاطِع الاستشارات النيابية غداً؟!
التالي
الرئاسة اللبنانية: الرئيس الفرنسي يزور لبنان يوم الجمعة