حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: تكليف ميقاتي إنقلاب على خطاب القسم

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

شكل انتخاب العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، نهاية ووداعا لحقبة سوداء في الحياة السياسية اللبنانية، حيث قام رئيس مجلس النواب ومعه الثنائية المذهبية، بانتهاك الدستور وتعطيل انعقاد جلسات الانتخاب، عبر تهريب مفترض للنصاب، كما تخلفت اغلبية النواب عن تلبية إلتئام المجلس النيابي، كهيئة ناخبة بموجب القانون، وفاقا للمادتين الدستوريتين ٧٤ و ٧٥، وقد شكل إنتخاب رئيس الجمهورية، نقطة بداية لعودة انتظام مؤسسات الدولة واستعادتها لوظائفها، وفتح الباب لتشكيل حكومة طال انتظار ولادتها، بعد انتخابات نيابية جرت منذ ٣٠ شهرا، وبعد ازمة اقتصادية وانهيار مالي بدأ وتوسع منذ ٦٧ شهرا، وفي مواجهة الامرين اي الإنهيار الإقتصادي والإستحقاق الدستوري والديمقراطي.

إقرأ أيضا: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: أية جمهورية.. قلق خوف أم أمل؟!

قام ثنائي بري – ميقاتي بالتنكر لأبسط واجبات المسؤولية الوطنية، فتقاعسا عمدا عن القيام باي إجراء اصلاحي او تدبير انقاذي، لمنع الكارثة من الاتساع والمفاقمة، فأفسحا في المجال لإنهيار خدمات المرافق العامة، في التعليم والصحة والاستشفاء والدواء والوقود والنقل، والشلل في إدارات الدولة ومؤسساتها، كما إرتكبا كل الخطايا الوطنية، التي تسببت بهدر الأموال العامة والخاصة، واستباحة أموال المودعين في المصارف وتبديد احتياطي المصرف المركزي، من العملات الاجنبية والأرصدة الممنوحة من البنك الدولي، فعمت العائلات اللبنانية آلام الجوع والفقر والمرض، كما أمعنا من جهة أخرى، في ارتكاب المخالفات الدستورية وتجاوزا مبدأ فصل السلطات وتعاونها، وحرَّفا ما لديهم من صلاحيات تمثيلية وإجرائية، لاضفاء شرعية لبنانية على حرب ايرانية القرار، اشعلت على ارض لبنان في مواجهة اسرائيل، وتسببت بكارثة انسانية وعمرانية واقتصادية، وما زالت مجرياتها واخطارها وخسائرها تتفاقم، وتتكشف يوما بعد يوم، موتا ودمارا وتهجيرا وآلاما وجروحا مفتوحة ومؤلمة.

خطوة انتخاب رئيس الجمهورية، كانت في جوهرها عملية تحرير لدولة لبنان من خاطفيها، بعد ان ظلت رهينة واسيرة، لدى محور طهران_الأسد واتباعه في لبنان

‏في المشهد البرلماني الذي تابعه اللبنانيون في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، تردد كلام عن خرق الدستور، عن العصا الأميركية، عن ضغط المملكة العربية السعودية ودول الخليج في عملية الاعمار، كل ذلك قد يكون من الحقائق البسيطة، التي تعكس سوء سمعة ما تبقى من المنظومة السياسية، وبشاعة صورتها وفقدانها احترام وثقة الخارج الاقليمي والدولي، لكن الحقيقة الكبرى المغيبة هي: أن خطوة انتخاب رئيس الجمهورية، كانت في جوهرها عملية تحرير لدولة لبنان من خاطفيها، بعد ان ظلت رهينة واسيرة، لدى محور طهران_الأسد واتباعه في لبنان، منذ انتخاب ميشال عون سنة ٢٠١٦، ولذلك تجمعت قوى لبنانية وعربية ودولية، لاستعادة دولة لبنان والإفراج عنها.

إن اعلان النوايا هذا، يبقى وعدا، لا يستحق الدعم والثناء، الا اذا تحول الى خطوات عملية ووقائع ملموسة

وقد اتى خطاب القسم الرئاسي الذي القاه الرئيس المنتخب في مجلس النواب، فور انتخابه، بمضامينه الاصلاحية، وباعلانه خارطة طريق لاستعادة الدولة وسيادة القانون فيها، عبر سلطة قضائية مستقلة، وبإعادة تسيير كل مؤسساتها طبقا للدستور، وبتنشيط وظائفها في كافة المجالات، وفقا لمعايير الكفاءة في الادارة، والنزاهة والشفافية في المالية العامة، وبحقها الحصري باحتكار استعمال السلاح بيدها، وتوليها مهمة الدفاع الوطني، عن حدود الوطن وحفظ امن ربوعه، وبالإلتزام بقرارات الشرعية الدولية وتنفيذها، بمواجهة الاطماع والاخطار الاسرائيلية… الخ

إقرأ أيضا: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: خطاب رئاسي بسردية حكم جديدة 

إن اعلان النوايا هذا، يبقى وعدا، لا يستحق الدعم والثناء، الا اذا تحول الى خطوات عملية ووقائع ملموسة، وشرط هذا التحول من الوعد الى الوقائع، حكومة تشبه خطاب القسم، برئيسها واعضائها، وتتولى تنفيذ خارطة الطريق، التي وردت فيه، وتواجه المتضررين من إجراءاتها.

ستكون مصداقية خطاب القسم، وفاعلية كل العهد، رهن هذه الحكومة المقبلة ورئيسها

والحكومة المقبلة هي مصيرية للعهد، لأنها ستقرر:

١. من سيكون قائد الجيش، وستشرف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

٢. من سيكون حاكم مصرف لبنان، وكيف سيتم مستقبل الاستقرار المالي.

٣. ستجري التشكيلات الدبلوماسية، وتحدد بعثات تمثيل لبنان بالخارج.

٤. ستجري التشكيلات القضائية، وستحسم مستقبل المحاكمات في جريمة انفجار ٤ أب، والجرائم. المالية والدعاوى على المصارف والفساد والاغتيالات السياسية.

٥. ستصدر التشكيلات العسكرية وتعين قادة الأجهزة الأمنية.

٦. ستختار اسماء لوظائف الفئة الأولى بكل الوزارات.

٧. وستعين الهيئات الناظمة بكل القطاعات.

وبناء على كل ذلك، ستكون مصداقية خطاب القسم، وفاعلية كل العهد، رهن هذه الحكومة المقبلة ورئيسها. اما الحكومة التي تنبثق من بعد انتخابات ٢٠٢٦، فستكون مضطرة لأن تقوم بعملها، بناء على تعيينات أول حكومة بالعهد في كانون ثاني ٢٠٢٥.

لذلك ستكون عودة الميقاتي، ضربة قاسية جدا، وحصارا وتطويقا للعهد وإمكانية نجاحه.

يتشاطر كهنة المنظومة السياسية الفاسدة، لكي يقايضوا تمريرهم  لانتخاب العماد عون، والإذعان بتنفيذ المطالب الدولية من لبنان في القضايا الاقليمية؛ كأمن الكيان الاسرائيلي، وانهاء دور “حزب الله” الاقليمي في سوريا والعراق واليمن، ان يقايضوا تنفيذ هذه المطالب، بان يتم تعويم المنظومة السياسية المسيطرة، والتي طبعت  بالفشل والفساد والارتهان للخارج، واول خطوة بهذا التعويم، هي عودة  الرئيس نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة العتيدة،

إقرأ أيضا: زمن الحزب «الأول تحوَل».. إنتخاب جوزاف عون نموذجاً!

ستكون عودة الميقاتي، ضربة قاسية جدا، وحصارا وتطويقا للعهد وإمكانية نجاحه

وثاني خطوة في التعويم، هي العودة لممارسة المحاصصة السياسية، بين أمراء الفساد والمافيا والميليشيا.

ان القوى المدنية الحية، التي تامل ان تمد أياديها للتعاون مع العهد الجديد، وتأمل منه خيرا للبنان، اذ تحذر صاحب العهد، من خبث المنظومة ومؤامراتها، وتدعوه للمساهمة والدفع، الى انتاج حكومة كفاءات اصلاحية، تتطهر من موبقات منظومة الفساد والميليشيا، وتشكل اداة تنفيذية لمندرجات خطاب القسم ووعوده.

ان القوى المدنية الحية، تحذر صاحب العهد، من خبث المنظومة ومؤامراتها، وتدعوه للمساهمة والدفع، الى انتاج حكومة كفاءات اصلاحية

مع الرئيسين نبيه بري و نجيب ميقاتي مجددا، حتى لو اصبح جوزاف عون رئيسا للجمهورية، لا قيامة للبنان ولا استعادة لدولة سيدة، ولا قيام لسلطة قضائية مستقلة، ولا تغيير في الحكم والحكام،  ولا اصلاح في الادارة والمالية، ولا تعافي مالي واقتصادي، ولا حفاظ على اموال المودعين.  مع حكومة برئاسة ميقاتي ووزراء على شاكلة المنظومة ومحاصصاتها، ستستعيد الوصاية الايرانية تأثيرها وسيطرتها، لتأخذ لبنان الى حروب جديدة وأزمات خطيرة، وستستمر الجريمة المنظمة، في تبييض الاموال وتهريب المخدرات والممنوعات، وسيستمر انتهاك المجال العام من شواطئ وأملاك عامة، بلدية ونهرية وقمم جبال،  ومن اعتداءات على البيئة وغياب الرقابة عن مواصفات مياه الشفة والهواء والغذاء. وبعد.. سيتحول خطاب القسم نصا جميلا، او أضغاث احلام في ليلة صيف.

السابق
بالفيديو: بشأن دخوله الساحة السياسية.. هذا ما أعلنه نجل نصر الله
التالي
إسرائيل تواصل خروقاتها جنوبا.. تفجير عدد من المنازل في عيتا الشعب