بزيع مكرماً طلال حيدر: رئيسٌ لجمهورية الخيال الشعري!

بدعوة من وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري كرّم لبنان الشاعر طلال حيدر على مسرح “كركلا”.

وقد حضر الشاعر شوقي بزيع المناسبة واصفاً الشاعر بكلمات معبرة متحدثاً عن صفاته وابداعاته.

وقال في كلمته:

“أيها الأصدقاء
لا أعرف إذا كانت الصدفةُ وحدَها هي التي أمْلت على وزير الاعلام , الأستاذ زياد مكاري , أن يجعل من هذا اليوم بالذات موعداً لتكريم طلال حيدر, ومن هذه القاعة دون سواها المكانَ الملائم للإحتفاء بشعره الفريد . ولكنّ التئامَ هذا الاحتفال قبل أيامٍ ثلاثةٍ لا أكثر من التئام المجلس النيابي لانتخاب رئيسٍ للجمهورية , يتيح لمن يريد المقارنة أن يَخلُص الى الاستنتاج بأن الفارقَ بين قاعةٍ وقاعة , هو الفارقُ نفسُه بين سطوح الأوطانِ وأعماقِها . ففي حين لا يكفُّ البعضُ من سياسيي الغفلة, ونظامِ الفساد والتحاصصِ الطائفي عن تقليصِ دور لبنان , حتى لا يكاد يطابقُ حجمَه الضئيلَ على الخارطة , يتنادى في هذه القاعة كتابٌ ومبدعونَ وفنانون , من ورثة جبران والريحاني وسعيد عقل والأخوين رحباني وميشال طراد , ليتحلقوا وقد أُعطيَ لهم بعد البطاركةِ العظام مجدُ لبنان , حول أحدِ أكثرِ الشعراء صلةً بالقلب والمفارقاتِ المدهشة وأمومةِ الجذور . ولأن معنى لبنانَ الحقيقي هو معنىً معرفيٌّ بامتياز , فاسمحوا لي باسمكم جميعاً , وبصرف النظر عمن سيتربّع على عرش السياسة في الكّيان البالغ الصغر, أن أعلن طلال حيدر رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير “.

اضاف، “أيها الأصدقاء

إذا كان الشعرُ العظيم هو الابنَ الشرعي للبداهة والموهبة وتمزقات القلب , لا ذلك الذي تُنتجه العقولُ والأفكار في معامل الحذلقة والتعسف التأليفي , فليس على المرء سوى العودة الى كتابات طلال حيدر لكي يقفَ على الخلطة الأكثر نجاعةً للابداع , حيث الكتابةُ رقصٌ بارعٌ مع القيود , واصطيادٌ ماكرٌ لبرق الرأس . وفي هذا العالم الفردوسي الخلاصي , عالمِ ما قبلَ الخطيئة , الذي اجترحهُ طلالُ من عندياته , يتماهى عواء الشهوات مع تفتُّح الأنوثة البتوليّ , وتتقافزُ صغارُ الأقمار على سطوح المدن , فيما تتكفّلُ اللغةُ المجردة, بعقد المصالحات بين الأضداد , فلا يتوانى الملاكُ والشيطانُ عن تبادل الأنخاب , فيما البراءةُ والإثمُ ينامانِ في سرير واحد . وفي نشيدِ أناشيدِه الجديدِ هذا , حيث الشعرُ معلقاتٌ على الريح , واحتفاءٌ بالمفقوداتِ , يلقي طلالُ على عاتق مخيلتهِ الهذيانية, مهمةَ التنقيب عن الدلالات الممحوة للحروف , التي تلبس حيناً لبوسَ يثربَ والأندلس وفلسطين , ولبوسَ الأنوثةَ الكونيةَ حيناً آخر”.

وتابع، “كما يظهر من جهة أخرى, وكأنه أورفيوسُ البقاعيّ الذي آثر التضحية ببعلبكَّ الواقع , لكي يخترع من عندياته بعلبكَّ التخيل , حتى إذا شرعت أصابعُهُ الراعشةُ بالعزف على أوتار الفقدان , أصيبت الأشجارُ بالثمل , والصخورُ بالطراوة , والنجومُ بالحنين الدامع , فيما خرجت من أوكارها نسورُ القرنةِ السوداء, لتُدَوْزِنَ تحليقََها على إيقاعِ كلماته . ومع ذلك فإن الحرمانَ وشظفَ العيش لم يكونا الممرَّ الالزاميَّ للكتابة عند طلال حيدر , بل بدا شغفُه باللغة, جزءاً لا يتجزأُ من شغفهِ بجمال الوجود , كما لو أنه مزيج غرائبيُّ الطقوس , من عروةَ بن الورد وزرياب وعمرِ الخيام وغارسيا لوركا وزوربا اليوناني والرحبانيين وعبدِ الحليم كركلا . وإذا كان أحدُ المفكرين قد أعلن استحالةَ الجمعِ بين الكتابة والاشباع الشهواني , وبأن ” الشفاه لا تغني إلا حين تعجز عن التقبيل “, فقد كان بوسعِ طلال, أن يضرب هذه المقولةَ بعرض الحائط , حيث الشفاهُ في قاموسه الحيدري , تستطيعُ في الآن ذاته أن تقبِّلَ وتغني , وان تتعهَّدَ بالتلمظ, كلَّ ما تقعُ عليهِ من عسل المسرات, ونهودِ النساء . وخلافاً لمعظم الشعراء العرب ,لا نعثُرُ في شعر طلال على تفجعٍ كربلائيّ أو تلذذٍ مازوشيٍّ بالألم , بل ثمة فرحُ بالوجود, يلاقيهِ في منتصف الطريق فرحُهُ باللغة, التي تبتعد عن الإنشاء السقيم والشروح المملة , لتتحلَّقَ حول نُواتها كما تفعل الينابيع , والتي لا حاجةَ بالشاعر لإيصالها الى الملأ , لأن الوردةَ لكي تؤدي الوظيفة المنوطةَ بها , لا تحتاج للذهاب الى أي مكان , بل يتكفلُ عطرُها بالمهمة , تماماً كما هو حالُ الشجرةِ مع الثمار , والنجمةِ مع التلألؤ الدامع , والبيوتِ مع الذكريات . أما الجانب الاستشرافي في شعر صاحب ” آن الأوان ” , فأظنني لا أحتاج الى شواهد كثيرة للدلالة عليه, وأظنه كافياً الاستشهاد بقوله النبوئي ” حلوه متل طلوا العرب \ رح يوصلوا عالشام ” لأقول له لقد وصل العرب الى الشام , يا صديقي , تماماً كما تنبأت في مطلع قصيدتك ” .

وقال: “إذا كانت المقايضةُ , أخيراً , جائرةُ وغيرَ عادلةٍ بين الجسد والكتابة , فإنهم نادرون يا طلال أولئك الذين دفعوا مثلك ثمنَ ما مُنحوهُ من كنوز الكلام الموحي . فلقد بُحّ صوتُك لكثرة ما ناديتَ على ذئاب الشتاءات , وانكسر ظهرُكَ لكثرةِ ما حمّلتَهُ من أثقال التوريات وأوزار المعاني , وانطفأت عيناك, لكثرة ما تفرستَ في طرائد اللغة وحدقتَ في جمال العالم” .

وختم، “يا طلال حيدر , دلني على لغة تشبهك, لكي تستطيع كلماتي عنك أن تجانب الوقوع في الرطانة , وعلى قميصٍ له جمالُ قمصانكَ اليوسفيةُ لكي أغوي به زليخات التمنع , وعلى وطنً يشبهُك لكي ألوّح له بمناديلِ التضرُّع, وقيامات الرجاء . يا طلال حيدر , إننا نحبك”.

السابق
فيتو أميركي على فرنجية وجورج خوري.. مكتب ميقاتي ينفي
التالي
باسيل يُغازِل جعجع ويُحذّر من «مؤامرات» في جلسة الخميس