المراجعة والمحاسبة لمعالجة آثار حرب 2024.. ما على الحزب والدولة!

الدمار

أصبح من المعروف كيف بدأت الحرب الإسرائيلية على لبنان، بسبب قيام المقاومة بعملية مساندة غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس في 7 تشرين أول 2023، ولقد كان الشعبُ اللبناني والعربي بأغلبيته، يعتقد بأن المقاومة في هذه الحرب قادرة على إقامة توازن الرعب مع العدو، من خلال تهديدها بتدمير اسرائيل خلال ساعة واحدة، من خلال ومناوراتها لدخول مستوطنات الجليل، في أية حرب مقبلة معها، والتي صوّرها الإعلام، وتم خلالها عرض للقوات الخاصة وتكتيكاتها وللأسلحة التي تمتلكها.

بعد تدمير غزة، حوّل العدو جهده الرئيسي الى الجبهة اللبنانية، مستخدماً كامل قوته التدميرية وكاسراً للتوازن الذي كان قائماً قبل الحرب، وظهر تفوقه التقني والإستخباراتي

لم تُجدِ عملية المساندة نفعاً لغزة، رغم استمرارها لأكثر من عام، ولم تستجب المقاومة للتحذيرات ولا للوساطات الدولية، لفك هذا الإرتباط رغم الوعود بالتعويضات لإعادة بناء القرى الحدودية التي تم تدميرها، والحصول على مكاسب سياسية داخلية.

بعد تدمير غزة، حوّل العدو جهده الرئيسي الى الجبهة اللبنانية، مستخدماً كامل قوته التدميرية وكاسراً للتوازن الذي كان قائماً قبل الحرب، وظهر تفوقه التقني والإستخباراتي، من خلال العمليات التي نفذها من تفجيرات وإغتيالات، وقصف مخازن الأسلحة والمخابىء وغرف العمليات.

لم تُجدِ عملية المساندة نفعاً لغزة، رغم استمرارها لأكثر من عام، ولم تستجب المقاومة للتحذيرات ولا للوساطات الدولية، لفك هذا الإرتباط

وتبين أنه كان يعد العدة ويعمل ليلاً ونهاراً، للإنتقام وضرب المقاومة وإعادة الإعتبار لجيشه، الذي هُزم عام 2006. كما تبين أن المقاومة كانت تعمل على تطوير قدراتها لمواجهة الجيش الإسرائيلي، في أية حرب مقبلة، وكان الطرفان يجريان المناورات استعداداً للحرب المقبلة.

الخسائر الناتجة عن الحرب، دفع ثمنها الشعب اللبناني والدولة اللبنانية، وكلاهما لم يعلم بقرار الحرب ولم يكن يريدها

استطاع العدو أن يخفي مدى قدرته على اختراق المقاومة، وجمع المعلومات عنها، والتي ظهرت خلال الحرب، كما ظهرت قدرته على الإستفادة من الدروس المستقاة من حرب 2006، حيث شكل لجنة فينوغراد للتحقيق في هزيمته. فاعتمد التدمير الجوي واستخدام المسيرات بشكل مكثف بدلاً من الإندفاع البري السريع لكي لا يتعرض جيشه لخسائر كبيرة، وكان يتقدم ببطء على شكل عمليات استكشاف، لمعرفة أماكن أنفاق المقاومة، ولمعرفة محاور التقدم غير المضروبة بنيرانها وخاصة الأسلحة المضادة للدروع. وقام بعمليات تجريف ونسف كبيرة للمباني، والأماكن التي كان يشك بوجود مخابىء فيها تحت الأرض، لتلافي عمل قوات المقاومة المتروكة خلف العدو، وخاصة محاولات نصب الكمائن وأسر الجنود.

استطاع العدو أن يخفي مدى قدرته على اختراق المقاومة، وجمع المعلومات عنها، والتي ظهرت خلال الحرب، كما ظهرت قدرته على الإستفادة من الدروس المستقاة من حرب 2006

أما من جهة المقاومة، فهي أظهرت إمتلاكها لمعرفة أماكن تمركز قواته، وحيازتها على المسيّرات التي كان لها دوراً فعّالاً في جمع المعلومات وقصف الأهداف، بالإضافة الى بعض الأنواع الجديدة للأسلحة المضادة للدروع، والصواريخ التقليدية والمضادة للطائرات أيضاً. ولكن هذه الأسلحة، لم تستطع تأمين ردع العدو عن القصف والتدمير، على كامل الأرض اللبنانية، وقد تسببت الحرب بدمار كبير في الجنوب وبيروت والبقاع، وبعض المناطق الأخرى، وأدت الحرب الى موافقة الحكومة اللبنانية على إتفاق وقف الأعمال العدائية  بشروط لصالح العدو وبإشراف أميركي على تنفيذها من خلال اللجنة الخماسية.

على الدولة والمقاومة أن يبدءا بإجراء مراجعة، تعترف فيها المقاومة بأخطائها بتجاوز الدولة، وعلى الدولة الإعتراف بتلكؤها، بمنع دخول السلاح غير الشرعي الى لبنان وشرعنته، وعدم حماية الجنوب بجدية

هذه الخسائر الناتجة عن الحرب، دفع ثمنها الشعب اللبناني والدولة اللبنانية، وكلاهما لم يعلم بقرار الحرب ولم يكن يريدها. واليوم تقوم المقاومة والمجتمع الدولي وإسرائيل، بوضع شروطهم ومطالبهم كلٌ من جهته على الدولة اللبنانية، لمعالجة أي خرق للإتفاق وتنفيذ بنوده، وكأنهم غير مسؤولين عن كل ما حصل. لذلك على الدولة والمقاومة أن يبدءا بإجراء مراجعة، تعترف فيها المقاومة بأخطائها بتجاوز الدولة، وعلى الدولة الإعتراف بتلكؤها، بمنع دخول السلاح غير الشرعي الى لبنان وشرعنته، وعدم حماية الجنوب بجدية في مقابل الإعتدءات الإسرائيلية، على الرغم من إكتشاف الأجهزة الأمنية للكثير من شبكات التجسس الإسرائيلية.

إقرأ أيضا: هكذا تحول «طوفان الأقصى» إلى «الطوفان الأقسى» (3/3): سوريا..إنتهت الوظيفة فسقط النظام!

كما على المقاومة أن:

_ تجري تحقيقات داخلية، وأن تقوم بتسليم العملاء للدولة وعدم حمايتهم بحجج أمنية.

_إبعاد جميع المسؤولين السابقين في الأماكن الإدارية والسياسية والعسكرية، حيث حصل الخرق.

_إجراء مراجعة للإستراتيجية التي كانت قائمة على التدخل في الدول الأخرى.

_دعم الدولة وليس الحلول مكانها عسكرياً وأمنياً ومؤسساتياً.

_وضع سلاحها ضمن استراتيجية دفاعية تضعها الدولة.

_عدم الدخول في أحلاف ومحاور وعدم تنفيذ معارك تخدم دول خارجية.

_اعتماد الحوار مع الأطراف اللبنانية الأخرى وعدم تخوين كل من يخالفها الرأي.

_محاسبة من خزّن السلاح في الأماكن المأهولة، أو أقام مراكز عسكرية داخل الأحياء السكنية.

_التنسيق مع الدولة والتعاون من أجل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وتجنب العودة الى الحرب.

_التفكير في سبل ووسائل أخرى للمقاومة عند الضرورة، لأن المقاومة العسكرية أثبتت فشلها.

_مساعدة الناس في إعادة بناء المنازل والقرى والمدن المدمرة، كونها مسؤولية المقاومة بالدرجة الأولى.

_إبعاد رجال الدين عن العمل السياسي والعسكري، لكونهم يقدِّمون الإعتقاد بالغيب على الواقع. ويركّزون على بناء المؤسسات الدينية، وتربية الأجيال على الطاعة والإنصياع الأعمى لهم وعدم مناقشتهم.

_عدم التهاون والشعور بالمسؤولية بكل عمل يزهق أرواح الناس ويدمّر ممتلكاتها، فهي ليست مُلك المسؤولين الحزبيين.

_محاسبة القادة المسؤولين الذين رسموا الإستراتيجية العسكرية لقصورهم الفكري، بعدم معرفة ما يتم تخطيطه ضدهم في سوريا، وإفراغ جبهتها، مما وضع المقاومة بين فكي كماشة، جبهة تحرير الشام في الشمال واسرائيل في الجنوب.

إقرأ أيضا: تقرير اسرائيلي: «حزب الله» لم يتراجع الى الليطاني..ولا انسحاب من الشريط الجنوبي المحتل!

وعلى الدولة أن:

_تفرض القانون والنظام، وتحاسب كل من يُدخل سلاح بطريقة غير شرعية الى لبنان.

_قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة، تحاول التدخل لصالح جماعات طائفية أو حزبية، وتزويدها بالأسلحة والمال خارج إطار المؤسسات الرسمية.

_أن تبني جيش قوي للدفاع عن لبنان، وأجهزة أمنية لحفظ الأمن الداخلي، وتشريع تمويل ذلك داخلياً، لمنع الإرتهان للدول المانحة وتشجيع الصناعات العسكرية المحلية.

_منع تدخل السياسيين في المؤسسات العسكرية والأمنية، وعدم خرق القوانيين المتعلقة بترشح الموظفين للرئاسة، كي لا يقعوا تحت ضغط الكتل النيابية.

_التشدد في مكافحة شبكات التجسس الخارجية، وفي مراقبة الأجانب المتواجدين في لبنان.

_المحاسبة والمساءلة للمسؤولين، مدنيين وعسكريين، أمام قضاء مستقل عن فشلهم وفسادهم.

السابق
بالصور: لقاء بين هوكشتاين وعدد من نواب المعارضة ومستقلين
التالي
بري يدعو إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية