هكذا تحول «طوفان الأقصى» إلى «الطوفان الأقسى» (3/3): سوريا..إنتهت الوظيفة فسقط النظام!

ياسين شبلي

منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” والنظام السوري البائد، الذي كان يُفترَض أنه يمثَّل أحد الأضلاع المهمة ل “محور الممانعة” ومفهوم “وحدة الساحات”، كان كالشريك المضارب في هذه المعركة، أو أقرب ما يكون إلى “شاهد ما شفش حاجة” بإستثناء الوظيفة التي نذر نفسه لها، وهي أن جعل من سوريا مجرد “ثكنة ومخزن وأوتوستراد” لمحور الممانعة، للتجمع وتخزين ونقل السلاح إلى لبنان، مقابل إدارته لمعامل الكبتاغون، التي أثبتت التطورات أنه كان ” عرَّابها”.

لم ينبس النظام ببنت شفة منذ إندلاع الحرب، وكأنه في عالم آخر رغم الضربات المستمرة، التي كانت تطال بلده وأرضه، التي للأسف بات يتعامل معها وكأنها شقق مفروشة للإيجار، بعضها للإيراني وبعضها للروسي، مقابل حمايته من شعبه، وبعضها الآخر تركها مجاناً للأميركي والتركي، لأنها من وجهة نظره “غير مفيدة”، لأنها تضم أطيافاً من الشعب “غير متجانسة” معه، بالرغم من أنها تحتوي على كثير من ثروات سوريا الطبيعية، حتى كانت حرب لبنان الأخيرة، التي يبدو أن تطوراتها أنهت “دوره الوظيفي” في المنطقة فكان سقوطه حتمياً.

لم ينبس النظام ببنت شفة منذ إندلاع حرب “طوفان الاقصى” وكأنه في عالم آخر رغم الضربات المستمرة التي كانت تطال بلده وأرضه و التي تعامل معها وكأنها شقق مفروشة للإيجار

إذ منذ العام 1974، وبعد إتفاقية فك الإشتباك مع إسرائيل، إتَّخذ حافظ الأسد لنظامه دور الوظيفة الإقليمية، في محاولته الحفاظ على رأسه، ولو في خدمة المخططات الأميركية، وفي حين كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات أكثر شجاعة وشفافية، بإعلانه بأن 99 % من أوراق اللعبة في المنطقة هي بيد أميركا، وبناء عليه سلك طريق التسوية السياسية، إختار الأسد لعبة التذاكي ولغة المقاولة بإسم المقاومة، فجعل من نظامه حرس حدود أمين لإسرائيل، إذ لم يطلق رصاصة واحدة عليها طيلة 50 عاماً، وإختار بدلاً عن ذلك “الإستثمار” في الخلافات والحروب العربية البينية، طمعاً بتجميع أوراق قد تساعده في المقايضة على إسترجاع الجولان، دون حرب مباشرة باتت تبدو مستحيلة، بعد خروج مصر من الصراع، فكانت وجهته لبنان مع إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، فحوَّلها إلى عربية أيضاً بحكم تواجد قوات منظمة التحرير الفلسطينية فيه، فأبرم إتفاقاً مع الأميركيين المعروف بإتفاق الأسد – مورفي، والذي إشترطت فيه إسرائيل، لقبولها دخول قواته إلى لبنان ل “تأديب” منظمة التحرير، أن لا تتجاوز هذه القوات نهر الأولي، وهكذا كان.

بدخوله إلى لبنان، حاول الإمساك بالورقة اللبنانية عبر إغتيال كمال جنبلاط وإبعاد ريمون إده عبر محاولات الإغتيال إلى فرنسا، ودعم اليمين المسيحي، وكذلك الفلسطينية حيث وقف ياسر عرفات سداً منيعاً بوجهه في محاولته تلك، لكن زيارة السادات إلى إسرائيل، قلبت المعايير والتوقعات والتحالفات، إذ أُضطر إلى إعادة تحالفه مع منظمة التحرير، فيما إنقلب عليه اليمين المسيحي، نتيجة ممارسات قواته على الأرض، وربطاً بالتطورات الإقليمية، لكن هذه التطورات بقيت تحت سقف الإتفاق مع الأميركيين، أو أقله عدم الصدام معهم.

جاءت الإجتياحات الصهيونية للبنان عامي 1978 و 1982 لتكشف زيف إدعاءات هذا النظام في الدفاع عن لبنان والقضية الفلسطينية

جاءت الإجتياحات الصهيونية للبنان عامي 1978 و 1982، لتكشف زيف إدعاءات هذا النظام في الدفاع عن لبنان والقضية الفلسطينية، بل على العكس من ذلك، بدأ بإستغلال هذه التطورات لإحداث مزيد من الشرخ بين اللبنانيين والفلسطينيين، قبل خروجهم من لبنان في العام 1982، وبين اللبنانيين أنفسهم بعد الإجتياح الثاني، بإسم مقاومة الإحتلال الصهيوني وإسقاط إتفاق 17 أيار، فكان أن أسقط الدولة في براثن الميليشيات، ساعده على ذلك غباء السلطة يومها برئاسة أمين الجميل من جهة، ومن جهة أخرى أقام تحالفاً جديداً في لبنان مع النظام الإيراني، الذي كان يخوض الحرب مع عدوه اللدود نظام صدام حسين في العراق، فوجدها فرصة سانحة ليضرب عصفورين بحجر واحد، هما العراق ولبنان، فسمح بدخول قوات من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان، لتكون نواة ما بات يُسمى ب”حزب الله” لاحقاً، والذي لُزِّم المقاومة ضد إسرائيل، بعد ضرب بقية المكونات من جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول “، إلى “حركة أمل” عبر صراعات وتصفيات دموية.

كما عاد نظام الأسد – الأب إلى الساحة اللبنانية من بوابة العراق كان الغزو الأميركي للعراق بداية العمل على إخراج نظام الإبن من هذه الساحة بعد غياب الأب

في أواخر الثمانينيات، وتحت ضغط هزيمة حليفه الإيراني أمام عدوه العراقي، وتداعيات الأحداث في الإتحاد السوفياتي، أُضطر للتعامل إيجابياً مع الوساطة العربية لوقف الحرب في لبنان، فكان إتفاق الطائف الذي كان إضافة للنصر العراقي على إيران، بمثابة ضربتين قاسيتين على رأس هذا النظام كادت أن تخل بتوازنه، لولا أن قام صدام حسين بغزو الكويت في 2 إب “أغسطس” من العام 1990، لتسعى الولايات المتحدة لإنشاء تحالف دولي لمواجهة الغزو، وجد فيه النظام السوري حبل خلاص، فدخل التحالف الدولي ضد العراق، ليربح بذلك مرة أخرى إضعاف عدوه في بغداد من جهة، والسيطرة على لبنان عبر تلزيمه إياه، عبر تجديد الإتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، ليستقر له الحال طيلة عقد التسعينيات.

إقرأ ايضاً: اسرائيل «تطحن» الجنوب على مرأى هوكشتاين..والجلسة الرئاسية في خطر!

وكما عاد نظام الأسد – الأب إلى الساحة اللبنانية من بوابة العراق، كان الغزو الأميركي للعراق، بداية العمل على إخراج نظام الإبن من هذه الساحة بعد غياب الأب، وفشل المحادثات مع إسرائيل، وإنسحاب إسرائيل من دون إتفاق من جنوب لبنان عام 2000، فخرج عام 2005 بعد جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تاركاً الساحة لإيران عبر ممثلها “حزب الله” مع تفعيل لوظيفته مع إيران، كممر للسلاح إلى “حزب الله” عبر العراق ليكتمل بذلك “الهلال الإيراني”، إضافة إلى وظيفته الأساسية بحراسة حدود إسرائيل عبر الجولان، التي لم يطالها أي تغيير، وهو ما جعل الولايات المتحدة – وبالتالي إسرائيل – تغض الطرف عنه وتمنع سقوطه، بالرغم من الثورة التي قامت بوجهه عام 2011، بسماحها بداية بدخول قوات “حزب الله” والمستشارين الإيرانيين إلى سوريا لدعم نظامه، ومن ثم دخول القوات الروسية عام 2015، حتى كانت عملية “طوفان الأقصى” والحرب على غزة، التي كما سبق وقلنا كانت بداية النهاية للمحور الإيراني، ومن ثم الحرب على لبنان والضربة القاسية لدرة تاج محور الممانعة “حزب الله”، من ضمن خطة نتنياهو وأميركا بتغيير وجه الشرق الأوسط ، فكان إتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وشروطه، كفيلاً بإنهاء وظيفة نظام الأسد لدى إيران، عبر قطع الطريق على سلاح “حزب الله”.

خرج الاسد من لبنان عام 2005 بعد إغتيال الحريري تاركاً الساحة لإيران عبر ممثلها “حزب الله” وغدت سوريا ممراً للسلاح إلى “حزب الله” عبر العراق ليكتمل بذلك “الهلال الإيراني”

فكان التخلي الإيراني عنه سواء طوعاً أو كرهاً من جهة، وإنتفاء وظيفته بحراسة حدود إسرائيل في الجولان الذي باتت تؤمنه فعلياً روسيا، بعد أن غضت الطرف عن الضربات الإسرائيلية العنيفة ضد النظام وحلفائه ما جعل من جيشه جيشاً من ورق ، طمعاً – ربما – وعلى أبواب تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهام منصبه, في تسوية ما للمسألة الأوكرانية, وهو ما يفسر أيضاً التخلي الروسي عن نظام الأسد من جهة أخرى، وهكذا إكتملت عوامل سقوط النظام بإنتفاء وظيفته، سواء لدى أميركا وإسرائيل كما لدى روسيا وإيران، فكان السقوط المدوي، لواحد من أقذر الأنظمة وأكثرها وحشية في التاريخ الإنساني، ليكون سقوطه مؤشراً وإيذاناً بسقوط محور بكامله، عاث في المنطقة العربية خراباً وتدميراً وفساداً، طيلة ال40 سنة الماضية.

السابق
عداد الشهداء يرتفع..انتشال 7 جثامين من الخيام!
التالي
وثائق سرية: الاسد أعدم 94 قيادياً من حماس بتهمة الخيانة!