هل سيتمكن الشعب اللبناني من الاستفادة من التغييرات في عام ٢٠٢٥. لقد شهد العالم خلال العقود الماضية، مجموعة من التغيرات الجذرية، من الحروب الى الكوراث الطبيعية، التي أثرت على سياساته واقتصاده ومجتمعاته. أما سنة 2024، بكل قساوتها على لبنان وغزة، ناهيك عن الزلزال السوري بسقوط الأسد، فلقد أسست لتغيرات جذرية على صعيد المنطقة. ما يجعل عام 2025 مميزًا، بوصفه مرحلة انتقالية توجت هذه التحولات المتراكمة. فإذا أحسنت الحكومات استغلالها، فقد نشهد مستقبلا واعدا، في الشرق وفي لبنان. لكنه أمر غير حتمي. لماذا؟
ما حدث على صعيد التحولات الجيوسياسية: استمر التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب مع بروز قوى مثل الصين وروسيا والهند، وتنامي تأثير المملكة العربية السعودية على المستويين العربي والإسلامي. تصاعدت الصراعات الإقليمية بعد عملية “طوفان الاقصى” التي قلبت الاوضاع، فأبرزت القضية الفلسطينية، وأكسبتها تعاطف الرأي العام العالمي الشاب، مع انها عادت بها الى المربع الأول. وكشفت ضعف المحور الايراني، الذي تبين انه ضخّم قدراته وجهل قدرات العدو.
قد تكون الاتفاقات الإقليمية الحالية تحركات تكتيكية وليست استراتيجية ما يُبقي الشعوب عرضة لدورات من الأزمات دون تحوّل عميق
_ كما تفاقمت أزمة المناخ، وأثّرت الكوارث الطبيعية المتزايدة بشدة، على اقتصادات ومجتمعات عديدة.
_ أما الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، وتقنيات الفضاء، فاستمرت في إعادة تشكيل الواقع.
إقرأ ايضاً: هجوم فلسطيني في الضفة يقتل 3 اسرائيليين..ونتانياهو يتوعد!
هذه التغيرات تحمل معها ملامح تحولات عميقة، لكنها غير معزولة عن مسار التاريخ. فهي تُذكّرنا بأحداث تاريخية مشابهة خلال فترات انتقالية شهدها العالم، أو مناطق معينة، أدت الى تغيرات جذرية أثّرت على الأنظمة السياسية والاجتماعية. وتذكرنا بأخرى غابت فيها هذه التغيرات العميقة رغم وجود الظروف المؤاتية.
محطات تاريخية شبيهة بالتحولات الحالية:
_ نهاية الحرب الباردة 1989)- 1991)، التي انهت فترة من الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لتبدأ مرحلة الأحادية الأميركية.
ترافق ذلك بتفكك أنظمة سياسية (مثل الاتحاد السوفييتي) وسعي شعوب أوروبا الشرقية للتحرر من الأنظمة الشمولية.
وعند مقارنتها بالوضع الحالي، نجد اننا نعيش تحوّلًا نحو عالم متعدد الأقطاب، خاصة مع صعود الصين وروسيا كمنافسين للهيمنة الأميركية.
نحن أمام مفترق طرق شبيه بتحولات كبرى في التاريخ النجاح أو الفشل يعتمد على ما إذا كان هذا “التحول” سيُدار بإرادة وطنية أو يُترك ليصبح مجرد مرحلة أخرى من الصراع على النفوذ
_ في الشرق الأوسط، الاتفاقات بين إيران والسعودية تشبه المصالحات الدولية، التي أُبرمت حينها لإنهاء الصراعات بالوكالة.
_ سايكس-بيكو وما بعدها( 1916-1920)، حيث ساهمت الحرب العالمية الأولى بتغيير خارطة الشرق الأوسط، مع انهيار الإمبراطورية العثمانية وصعود النفوذ الاستعماري الفرنسي والبريطاني.
حاليا لدينا الاتفاقيات التي تعيد تشكيل المنطقة، وقد تكون شبيهة بتلك الفترة، لكنها مدفوعة بمصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين، وليس بقوة استعمارية تقليدية.
_ ثورات الربيع العربي (2011):، التي تحركت ضد الأنظمة الشمولية وفسادها في محاولة لتغيير أنماط الحكم، رغم فشل العديد من الثورات في تحقيق أهدافها. نجد مقابلها اليوم محاولات جديدة للتغيير أو لبلوغ الاستقرار السياسي. ولكن بشكل أكثر براغماتية، من القوى الإقليمية التي تسعى لتخفيف الأزمات بدل إشعالها.
لكن هناك احداث تاريخية لم تؤد الى تغيرات عميقة رغم وجود الظروف المؤاتية:
_ ففي الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى ( 1870-1914)، ورغم التصنيع والتوسع الإمبراطوري خلال هذه الفترة، استمر النظام العالمي القائم على التنافس الإمبريالي، ولم يتحوّل إلى سلام أو نظام جديد إلا بعد الدمار الذي خلفته الحرب.
_ ايضا حروب نابليون (1815 – 1799) التي أعادت تشكيل خارطة أوروبا، لكن النظام الاجتماعي والسياسي في العديد من الدول لم يتغير جذريًا بسبب هيمنة النخب التقليدية.
ما يعني ان لبنان في ظروفه الحالية، ورغم دمار الحرب، قد يفشل في استغلال الظروف المؤاتية، لمعالجة الجذور السياسية والاقتصادية للأزمة، وقد تتفاقم الأمور قبل ظهور تغيير حقيقي.
فالطبقة السياسية الحاكمة لا تزال في حالة انكار للواقع، وتعمل جاهدة للحفاظ على الجمود السياسي والمماطلة، اللذين يحميان مصالحها وامتيازاتها الطائفية ومحاصصاتها، على حساب مصالح الدولة.
لبنان في ظروفه الحالية ورغم دمار الحرب قد يفشل في استغلال الظروف المؤاتية لمعالجة الجذور السياسية والاقتصادية للأزمة وقد تتفاقم الأمور قبل ظهور تغيير حقيقي
فلقد ترسّخت لدى السياسيين قناعة، بأن الجمود والمماطلة، يوفران لهم أماناً أكبر من المغامرة، بتغييرات قد تكون غير متوقعة النتائج.
لذا قد تكون الاتفاقات الإقليمية الحالية تحركات تكتيكية وليست استراتيجية، ما يُبقي الشعوب عرضة لدورات من الأزمات دون تحوّل عميق.
ماذا نستنتج؟
نحن أمام مفترق طرق شبيه بتحولات كبرى في التاريخ. النجاح أو الفشل يعتمد على ما إذا كان هذا “التحول” سيُدار بإرادة وطنية، أو يُترك ليصبح مجرد مرحلة أخرى من الصراع على النفوذ. إن تحقيق تحول حقيقي، في لبنان والمنطقة، يتوقف على قدرة الشعوب، على مواكبة هذا التغيير، وضمان أن تكون مصالحهم جزءًا من الحلول، وليس فقط رهائن لتوافقات بين القوى الكبرى.
كذلك هل سينجح الشعب اللبناني في استعادة حيويته، للتحرك والضغط على السلطة، لفرض ارادته لاستعادة دولة تلتزم بالدستور وبالقوانين؟
*ينشر بالتزامن مع بثه على أثير إذاعة “صوت لبنان”