الثقافة الحُرَّة والهويَّة الخانقة                              

لا أقصد بالثقافة المؤدلجة التي ما زالت تتخبَّط في ماضويتها الفكرية والتراثية، والتي أنتجت مثقفين مؤدلجين بحالة مجتمعية سائدة وراكدة وغارقة بذات المنقولات والأدلجات القومية والدينية، ويبقى المثقف ـ المؤدلج ـ  يعيد انتاجها بتسميات جديدة، وربما أكثرها مهترئة وحبيسة الأوهام والأطر الضيقة، وبقي مؤدلجاً ومعتقداً بأنَّ الكون يتآمر على معتقده وتاريخه وثقافته كقرط حلقة معلَّقة في أُذنه، ولا يستطيع إلاَّ يكون عاكساً لنموذجه الاعتقادي والثقافي، وإلاَّ يُعتبر في خانة المخرِّبين والمغرِّدين خارج سرب مجتمعه.

وإلى يومنا هذا لم يستفق من هذا الوهم الأيديولوجي الديني والقومي، رغم كل المتغيرات والتطورات التي تعصف من حولنا، ورغم أنَّ طول التجارب زيادة في العقل، بقي مدافعاً مستميتاً عن هذه الأيديولوجيات أكثر بكثير دفاعاً عن حقوق الإنسان في وطنه العربي والإسلامي.

تحرير العقل

 ما يعنينا من هذا العنوان، هو المثقَّف الحر الذي يمارس دوره الثقافي والمعرفي، سواء كان رجل دين أو غيره، ومتحرِّراً من كل أدلجة هالكة، ورافضاً للأطر الهوايتية المقيدة للإنفتاح على العالم المتغيِّر والمترامي بلا حدود، لأنه هو المعني باجتراح النقد والاعتراض لا التسليم المطلق على أنه يملك الحقيقة المطلقة، بل ينبغي أن يملك صياغة الحلول التي تتأقلم وتتعايش مع عالم يتسم بالاختلاف والتعدد الفكري والديني والثقافي.

فالمثقف الحر لا تحكمه هوية خانقة، ولا تستبد به روايات تاريخية وتراثية، ولا تؤدلجه عناوين وشعارات تتلاشى مع ركام الزمن، بل هو دائماً يسلك مبدأ التفكير والنقد والتساؤل والمساءلة والاعتراض، ولا يقبل التسليم الأعمى والمطلق، ولا يثنيه عن أداء تخصصه ودوره في تقبل رأي الآخر ونقده، لأنه من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، ومن عرف مواقع الخطأ أمكنه أن ينفذ إلى الصواب، هكذا يتم التنوير ومعالجة التسلط الأيديولوجي وتحرير العقل من الأوهام والخرافات، كما روي عن الإمام علي (ع) ـ كم من عقلٍ أسيرٍ تحت هوى أميرٍ ـ وإذا كان لكل أصحاب حدث ـ قديماً وحديثاً ـ يمنع تداوله ونقده والاعتراض عليه والمحاسبة والمساءلة، فمتى تسرد الحكاية؟!.

فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.

السابق
الكونغرس الأميركي يصادق على فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية
التالي
تحذير جديد من الجيش الإسرائيلي لسكان الجنوب: يحظّر عليكم العودة إلى بيوتكم