يترقب شعب لبنان بكثير من القلق والخوف والامل، يوم التاسع من شهر كانون الثاني المقبل، وهو موعد الجلسة النيابية المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
القلق من ان لا تؤدي الجلسة الى انتخاب رئيس للجمهورية، مما يتيح للسلطة النافذة اليوم بقيادة الرئيس نبيه بري، ان تستمر قابضة على رقاب اللبنانيين ومصائرهم ومستقبل اجيالهم، وهي سلطة غاشمة غريبة، لا تتمتع باية صلاحية، ولا تستند لاية معايير دستورية او سياسية، فرئيس مجلس النواب الذي يفترض ان يدير جلسات البرلمان، ويُفَعِّل دورَه التشريعي والرقابي، يصادر هذا المجلس كإمارة خاصة، ويُعَطِّل جلساته، ويستبيح آراء كتله النيابية، ويتنكر لموجبات البنود الدستورية في المواد ٧٤ وال٧٥، التي تحول مجلس النواب، عند شغور موقع الرئاسة، الى هيئة ناخبة، تلتئم لانتخاب رئيس الجمهورية دون ابطاء او تردد.
الامر الأكثر فداحة في الواقع اللبناني، ان إمارة بري هذه، ليست الا قناعا يُمَوِّه نفوذ “حزب الله” ومن خلفه ايران
لا يكتفي الرئيس بري بترؤس السلطة التشريعية على هواه وطبقا لمصالحه، بل يصادر صلاحيات السلطة التنفيذية، ويتولى دون اي مسوغ قانوني، مهمات التفاوض وعقد المعاهدات وإبرام الاتفاقات، وإستقبال الوفود الخارجية وممثلي الدول الاجنبية وتمثيل لبنان على كل صعيد، ويجعل من الحكومة المستقيلة بمجموعها، والمستنكفة بثلثها، ومن وزراء خارجيتها ودفاعها وداخليتها وشؤونها الإجتماعية وغيرها، خرقا بآلية تمسح اثار سطوته، وتبرر قراراته وتخفي بصمات اصابعه، وغلالات واهية تستر انتهاكاته وتجاوزه حد السلطة، وانتهاك المعيار الدستوري، الذي يقضي بفصل نطاق عمل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية.
لا يكتفي الرئيس بري بترؤس السلطة التشريعية على هواه وطبقا لمصالحه، بل يصادر صلاحيات السلطة التنفيذية، ويتولى دون اي مسوغ قانوني، مهمات التفاوض وعقد المعاهدات وإبرام الاتفاقات
الامر الأكثر فداحة في الواقع اللبناني، ان إمارة بري هذه، ليست الا قناعا يُمَوِّه نفوذ “حزب الله” ومن خلفه ايران، وقد ادى هذا الواقع السياسي الى جرِّ لبنان عِنوَةً، وغَصباً عن الغالبية الساحقة من مواطنيه، الى حرب مدمرة وكارثة انسانية واقتصادية، لم يكن من مبرر لها أو فائدة منها لغزة، وكان يمكن تجنبها.
لقد احدث تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، تعطيلا لنتائج الانتخابات النيابية، وكان أشبه بعقاب جماعي تمارسه المنظومة السياسية الطائفية، ضد شريحة بلغت أعدادها ال ٤٠٠ الف مواطن، اقترعت لصالح قوى التغيير وقوى انتفاضة ١٧ تشرين
لا تقتصر مفاعيل سلطة الأمر الواقع، القائمة على جعل لبنان خاضعا للقرار الايراني في المسائل الاساسية، بل تتمدد ازمة الشغور الرئاسي، لتقيم جدارا وحاجزا صلبا، يمنع تشكيل حكومة جديدة، تعكس التوازن البرلماني الذي نتج عن الانتخابات النيابية، التي جرت سنة 2022، والتي قَلَّصت كتلة “التيار العوني” و”المردة”، وما كان يطلق عليهم تجاوزا “حلفاء سوريا”. وقد اتى إسقاط نظام الأسدين، ليضَعَ إستكمال كنس المخلوقات السياسية الاسدية، من الحكومة والادارة والاجهزة الأمنية، في لبنان كما من سوريا، في مقدمة أولويات العمل السياسي اللبناني.
إقرأ أيضا: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: بين النصر المحظور والتقدم المتاح
لقد احدث تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، تعطيلا لنتائج الانتخابات النيابية، وكان أشبه بعقاب جماعي تمارسه المنظومة السياسية الطائفية، ضد شريحة بلغت أعدادها ال ٤٠٠ الف مواطن، اقترعت لصالح قوى التغيير وقوى انتفاضة ١٧ تشرين، وكان من نتائج هذا الامر افساد معنى ومحتوى الديموقراطية البرلمانية، التي طبعت الحياة السياسية اللبنانية منذ استقلال لبنان.
في ظل بقاء المنظومة واعادة تعويمها، لن يكون للبنان لا سلطة قضائية مستقلة، تحاسب المرتكبين وتستوفي أحكام العدالة والمحاسبة في جرائم المرفا والاغتيالات السياسية
من ترقب القلق الى الشعور بالخوف، الذي يتبدى من احتمال ان يتمكن الرئيس بري من توليف تحالف في ليلة ظلماء، لإيصال رئيس جمهورية، تكون مهمته اعادة تعويم منظومة الفشل والفساد والارتهان الى الخارج، وذلك لاستدامة حضور “زحفطونات” نظام الأسدين، ومنفذي مؤامراته في لبنان، او تعويم “اوليغارشيا” المصارف والإثراء من الجرائم البيئية وتبييض الأموال وغسلها، ومن اجل التمادي في ممارسة نهج الإفلات من العقاب، وتغييب العدالة والمساءلة على الجرائم المتعددة.
ولن يسامح الشعب اللبناني لا نواب المعارضة، ولا نواب التغيير، ولا اي نائب آخر، على حدوث امر كارثي وخرق على هذا النحو، لأن مفاعيل هذا الخرق، ستنعكس سلبيات متشعبة في كل الملفات، وإسقاطا لكل المطالبات بالإصلاحات الإدارية والهيكلية والمالية، وتنشيطا وإستئنافا لكل انواع الفساد، والإثراء غير المشروع والتربح من السلطة، وتوسعا للزبائنية السياسية في الإدارة ومرافق الدولة العامة، وتمكينا لمافيا المصارف من تبييض سجلات ارتكاباتها، وانتهاكاتها لقانون النقد والتسليف، كما ستستمر عزلة لبنان الدولية والعربية، وتتردى علاقته مع الدول والصناديق المانحة، مما يعيق عمليات الإعمار في كل المدن والقرى، التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي.
في ظل بقاء المنظومة واعادة تعويمها، لن يكون للبنان لا سلطة قضائية مستقلة، تحاسب المرتكبين وتستوفي أحكام العدالة والمحاسبة في جرائم المرفا والاغتيالات السياسية، ولن ترسم خطة للتعافي الاقتصادي، ولا لإعادة هيكلة القطاع المصرفي ورد اموال المودعين، فالمنظومة التي لم تأخذ اي خطوة إصلاحية خلال خمس سنوات من عمر الانهيار، لن تأخذ اية خطوة في سنته السادسة او اللاحقة.
إقرأ أيضا: علي الأمين عن المرحلة المقبلة: شعار الحزب سيكون: «وينيه الدولة»؟!
أما ترقب الامل، فيتمثل بانتظار ان يتم انتخاب رئيس جمهورية، حاضره لا يخجل من تاريخه، رئيس نزيه واصلاحي، يستعيد دولة سيدة على حدودها ومعابرها وداخل حدودها أيضا، ويتبنى مع حكومته العتيدة، برنامج اصلاح شامل يطلق مسيرة التعافي الاقتصادي والتصحيح المالي، ويستعيد الانتظام الدستوري لمؤسسات الدولة وسلطاتها، ويحافظ على وظائفها، في مهمتي الدفاع الوطني والمحافظة على الامن والاستقرار، ويتمسك بحقوقها غير القابلة للتصرف، في احتكار العنف وممارسته، ويلتزم بسيادة القانون، كل قانون، ويتشدد بالاحتكام للدستور والسهر على حسن تطبيقه.
تنعقد آمال اللبنانيين، على انتخاب رئيس ينحاز الى قوى التغيير، ويشكل قاطرة لاعادة تكوين السلطة، ويساهم من موقعه في إطلاق ورشة إصلاحات شاملة، تستجيب في السياسة لمبادئ الديموقراطية، وتداول السلطة وحقوق الانسان، وتلتزم في بناء الادارة العامة للدولة و تسيير مرافقها، بشروط الكفاءة والجدارة والخبرة لتنظيم المنافسة، وترسي في مجال إدارة الأموال العامة، قيم النزاهة والشفافية، وتعلي معايير العدالة والانصاف لبناء سلطة قضائية مستقلة.
تنعقد آمال اللبنانيين، على انتخاب رئيس ينحاز الى قوى التغيير، ويشكل قاطرة لاعادة تكوين السلطة، ويساهم من موقعه في إطلاق ورشة إصلاحات شاملة
الرئيس الذي يريده شعب لبنان هو الرئيس، الذي لا يعتبر معركته الرئاسية، خلطة سرية تمزج مكوناتها في عتمة الغرف المغلقة، وفي خطوط العلاقات الدولية، بل هو الرئيس الذي يخرج الى الناس، معلنا برنامجه ورؤيته، لدوره خلال ولايته الرئاسية، ويلتزم امام شعبه بسياسات واضحة واهداف محددة يريد انجازها.