أميركا غير مستعجلة على إنتخاب الرئيس..ولبنان يتخبط سياسياً وإعلامياً!

الفراغ في بعبدا

يلاحظ المفكر أنطونيو غرامشي، إن الأزمة تكمن تحديدًا، في أن القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد.. فلماذا يحتضر القديم، ولماذا لا يولد الجديد بالضرورة، وما المشترك بينهما؟ يحتضر القديم، لأنه لم ينبثق من قلب ثورة معاصرة.. ثورة حقيقية.. وفي ظل هذا الفراغ يظهر قدر هائل من الأعراض المرضية.. يستيقظ المواطن اللبناني كل يوم على إشكالية من هنا وكارثة من هناك.. إلى ان تتحول إشكالية أو كارثة مزمنة، لا تنفع معها الأدوية المشكوك في مصدرها أساسًا، ومدى تأثيرها، وفاعليتها لعلاج أمراضنا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية المستعصية في وجود سلطة فاسدة تاريخيًا.. سلطة فاسدة أنتجت مصطلحات سياسية فاسدة، لم تألفها قوانين فن الممكن في تاريخ فلسفة السياسة، ومفهوم الدولة، والدساتير، والعقود الاجتماعية في تاريخ الدولة الحديثة والحداثة تاريخيًا. يستيقظ المواطن اللبناني في هذه الأيام الوجودية، بإمتياز وجودي على فرضيات انتخاب رئيس جمهورية، بالأسلوب المتعارف عليه لبنانيًا، والذي يخرج من قبعة أرانب الرئيس نبيه برّي، “حاوي” اللعبة السياسية والانتخابية التقليدية تاريخيًا.. والتي أكل عليها الدهر وشرب حتى الثمالة والإدمان والموت السريري البطيء…

يعيش اللبناني في هذه الأيام على نشرات الأخبار وأسرار الالهة وعناوين الصّحف المحلية الصادرة يوميًا.. وميديا ذباب التواصل غير الإجتماعي على كلمة سر من هنا الى كذبة وهمس بالسر من هناك

يستيقظ المواطن اللبناني في هذه الأيام، التي لا تشبه الأيام على كوابيس من هنا وكواليس من هناك، وخصوصًا في متابعة مسرحية أنتخاب رئيس للجمهورية على مسرح الكوميديا السوداء الذي تعودنا وعودونا عليه.. نعم، مسرح الكوميديا السوداء، أو الكوميديا الإلهية العليا القادمة من خلف الكواليس والحدود… الكوميديا السوداء، والتي تمتاز بأنها تدور حول مواضيع تعتبر عمومًا تابوهات أو أمور “محرم الخوض فيها”، بحيث يتم التعاطي مع تلك المواضيع بشكل فكاهي أو ساخر، مع الاحتفاظ بجانب الجدية في الموضوع، مع اولئك الذين يمتلكون السلطة الداخلية والخارجية، وسلطة القرارات العليا وإصدار الاسم والشروط والمواصفات.. الكوميديا السوداء الذي يعتمد كتّاب السيناريو فيها، على أن يجعلوا هناك كوميديا في الموضوع ولكن سوداء، بمعنى أنها تعتمد على شيء يؤلمك ويدفعك للضحك والبكاء في نفس الوقت، هي كوميديا ليست بالسهلة، ولا بد أن يكون المختص بتناولها، شخص أو سلطة أو حزب أو دولة عليا تمتلك القدرة على الاملاءات، وصاحبة القرار غير المستعجل على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، كما قرأها بعض المسؤولين اللبنانيين بشكل مغلوط، في هذه الأيام المغلوطة، التي تتجاوز البلد الصغير المخطوف على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بين “هالك لمالك لقبّاض الأرواح”.

الولايات المتحدة الأميركية ليست على عجل في أعطاء الضوء الأخضر لانتخاب رئيس جمهورية في هذا البلد أو ذاك والذي ليس أساسًا على سلّم أولوياتها

خاطب المحامي من أصول لبنانية مسعد بولس، المستشار الأولَ للرئيس الاميركي ترامب للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط اللبنانيين قائلا: “اللي نطر سنتين بينطر شهرين أو ثلاثة ويعمل على الأمر بشكل متكامل ودقيق بعيدًا عن التسرّع”، وليس المراوغة والتعطيل… نعم ايها السيدات والسادة، الولايات المتحدة الأميركية ليست على عجل في أعطاء الضوء الأخضر، لانتخاب رئيس جمهورية في هذا البلد أو ذاك، والذي ليس أساسًا على سلّم أولوياتها في هذه الأيام العالمية بإمتياز عالمي، على صفيح ساخن عالميًا.. كما أنها وبكل بساطة، لا يهمها ان تعرف أسم الرئيس القادم، والمسميات هنا او هناك بكل واقعية وموضوعية.. ولا احد يعتقد ان لديها الوقت لتفاصيل، وقبعات لبنانية وأرانب في مزرعة فلأن أو علتان… وعلى الآخرين المعنيين من الأطراف اللبنانية، الذين يعتقدون أنهم مسؤولين ومعنيين بين الشك واليقين، تلقي الإشارة أو التلميح في أقل تقدير، لاغتنام الفرصة وإعادة قيامة بلد، أصبح يعيش تحت خط الفقر والعوز والحرمان، يلفظ أنفاسه الأخيرة.. نعم، استفيدوا من فرصة لن تتكرر، بدل الانتظار والكذب على شعوبكم، في داخل السيرك اللبناني الصغير وتضيع الوقت والفرص علينا نحن المواطنين اللبنانيين في لعبة الغميضة والقبعات والأرانب اللبنانية تاريخيًا.. بدل البقاء في سيرك الانتظار اللبناني بين الموت والحياة، كرمى لعيون هذا الصنم الطائفي او ذاك… بدل لعبة القبعات والأرانب الملونة، ولعبة الاسماء المحروقة من هذا الفريق أو من ذاك!

المنطقة تشهد تحولًا جذريًا ذلك أن سقوط النظام السوري الذي ظل لأعوام محورًا لتحالفات وصراعات إقليمية ودولية سيخلط الأوراق بصورة أكبر ويعيد رسم التوازنات داخله

نعم، يعيش اللبناني في هذه الأيام على نشرات الأخبار، وأسرار الالهة وعناوين الصّحف المحلية الصادرة يوميًا.. وميديا ذباب التواصل غير الإجتماعي على كلمة سر من هنا الى كذبة وهمس بالسر من هناك، على سبيل المثال وليس الحصر: كلمة السر الجنبلاطية جوزيف عون في احدى العناوين.. ولمن تفتح ابواب بعبدا في عنوان اخر؟ أو مثل الجولاني أعلن والكل يلتزم: قائد الجيش مرشحاً أوّلَ للرئاسة وكلمة السر الرئاسية من دمشق مجددًا… أو جنبلاط يرشح قائد الجيش.. وفرنجية يتريث للتنسيق مع الثنائي… والمشاورات الرئاسية حامية وحَبْلُ الكذب… قصير!!! واللقاء الديموقراطي يتلقف التحولات الدولية ويرشح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية… وفرنجية: أنا مستمر بترشيحي ولن نشارك في إيصال رئيس لا يملأ الموقع المسيحي الأول… وعناوين مثل: الرئاسة اللبنانية خلال 10 أيام حاسمة… ومشاورات عابرة للحدود… واللقاء الديمقراطي يرشح قائد الجيش… أو ما تبقى من حزب الله يتوجس والثنائية الشيعية تتريث… واخر يقول على الثنائية الشيعية الامتثال إلى الآلية الدستورية… وهناك من يقول شو يعني إذا لم ننتخب يوم الاحد، نحن منتظرين منذ سنتين والشعب اللبناني تعود على الإنتظار، والانتظام في طوابير طويلة…

إقرأ أيضاً: علي الأمين عن المرحلة المقبلة: شعار الحزب سيكون: «وينيه الدولة»؟!

وعنوان مثل: باسيل يعترض… وفرنجية لا زال مرشحًا… واسم قائد الجيش يحلّق في البورصة الرئاسية… وزعيم “المردة”: مستمر بترشحي لرئاسة الجمهورية ومنفتح إذا اتفقنا على اسم… ونائب تغييري يقول إنه لا يمكن انتخاب قائد الجيش في جلسة 9 كانون الثاني المقبل لأنه يحتاج حكمًا إلى تعديل دستوري، ولا يمكن التشريع في جلسة مخصصة للانتخاب، وبالتالي إذا وجد إصرار عليه، فيعني ذلك أن الرئيس نبيه بري سيكون ملزمًا إقفال الجلسة، وتحديد موعد لأخرى تشريعية… واستبعد مصدر نيابي اخر أن يكون إعلان اللقاء الديمقراطي تأييد ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، تعبيرًا عن نضج التفاهمات الداخلية والخارجية حول اسم الرئيس، معتبرًا أن الترشيح يعفي اللقاء الديمقراطي بذكاء من الإجابة، على سؤال القوات اللبنانية له، حول فرص تأييده ترشيح قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، والترشيح يمنح اللقاء مرشحاً كما لدى الآخرين مرشّحين إلى حين التوافق، الذي يرجّح أن يجري يوم الانتخاب، وبعد عدة جولات ويمكن أن يتم التوافق على اسم قائد الجيش، كما يمكن أن يتمّ على سواه.

مجلس النواب 2022
مجلس النواب

وعناوين استهلاكية آخرى مثل: حجر ترشيح عون يحرك ولا يحسم النهايات… وجنبلاط يكسر احلام جعجع… وعنوان اخر: ضبابية نيابية تلف الرئاسة.. وعودة الترابط مع الترتيبات في سوريا… وسلام يسحب إسمه من التداول الحكومي ونحن لم نتفق بعد على انتخاب رئيس.. وقائد الجيش: الطوائف لا تحمي لبنان… رئاسة الحكومة … الرأس قبل الرئيس…. وشيء من قبيل القصر الجمهوري يستعد… وهل يكون 9 كانون الثاني موعدًا للحسم الرئاسي؟ وهناك من يعنون: لانتخاب رئيس في 9 ك… والتوافق بين المطبات…. وبرّي: لا تأجيل لجلسة 9 ك2 ولا بحث مسبق حول الحكومة وكل شيء في الجلسة…ورقما الحظ الرئاسي 86 صوتًا لقائد الجيش و65 للمرشح المنافس يشعلان التنافس الانتخابي… وعنوان اخر يقول: تأييد جنبلاط انتخاب قائد الجيش حرّك المياه الرئاسية الراكدة في لبنان… وغمز أحدهم قائلا: ينظر معنيون إلى الخطوة الجنبلاطية إزاء الترشيح العلني المباشر لقائد الجيش، على أنها تصيب أكثر من عصفور بحجر واحد، لا سيما لجهة الإحراج في ما خصَّ العلاقة مع أصدقاء يرتبط بهم اللقاء الديمقراطي… ويسر احدهم سر من اسرار الهة الإعلام والإعلان يقول: بدأت لائحة أسماء المرشحين لاستحقاق كبير تتقلّص، أكثر فأكثر على الرغم من استمرار ظهور بعضها في الإعلام… وأوضحت شخصيّتان ظهرتا في موقع القرار، إحداهما إقليميًا والثانية اميركيًا، ما عبّرت كل منهما عنه في مسألة لبنانية حساسة.

في هذا السيرك السياسي اللبناني عن سابق إصرار وترصد لن يكون هناك انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يوم الخميس الموافق في 9 كانون الثاني 2024

وانا كاتب هذا المقال (لا اعتقد) بكل تواضع وبساطة، في هذا السيرك السياسي اللبناني عن سابق إصرار وترصد، ان هناك انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يوم الخميس الموافق في 9 كانون الثاني 2024، حيث اختلطت ملفات المنطقة وتعقدت، من بعد سقوط نظام الطاغوت بشار الأسد الاستبدادي في سوريا، ويمكن القول إن المنطقة تشهد تحولًا جذريًا، يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني الإقليمي. ذلك أن سقوط النظام السوري، الذي ظل لأعوام محورًا لتحالفات وصراعات إقليمية ودولية، سيخلط الأوراق بصورة أكبر ويعيد رسم التوازنات داخل المنطقة، مما يجعل خطوط التحالفات والعداوات أكثر تشابكًا الان… وهذا ما يعطي ما تبقى من السلطة الحاكمة في لبنان أوكسجين اصطناعي، للهروب من أهم استحقاق دستوري في البلد المخطوف من الطبقة السياسية الفاسدة. لقد تم في لبنان تأطيرنا نحن المواطنين، واعادتنا بألوان عرقية وإثنية وطائفية من اجل التلقيح الاصطناعي الحديث والتلاقح والتعليب، أو التعبئة في خوابي وقناني وزجاجات ودهاليز وسراديب السلطة الحاكمة.. واطلقوا على تلك الألوان: الرايات والأعلام والهويّات القاتلة… سلطات المد والجزر الديموغوجية واعتبارها ظاهرةً طبيعية. سلطات الشعارات الشعبية والشعوبية المزينة والمزخرفة والمزيفة… سلطات الشفط والنهب والهدر.. والسرقات.. والمحسوبيات.. والبطاقات الانتخابية المزورة.. والمحاصصة.. والمخالفات الدستورية.. بحجة الاجتهادات السياسية والسلم الأهلي وكذبة العيش المشترك… سلطات الشريك المضارب… وتحويل الهزائم الكارثية إلى انتصارات وهمية!

السابق
الإعتداءات الإسرائيلية متواصلة جنوباً..نسف منازل وتوغلات بالجملة!
التالي
بالصور: من صيدا إلى صور..حملة التضامن تصل الى النبطية