«حزب الله»..ماذا عن «اليوم التالي»؟

ياسين شبلي

تواترت التسريبات في اليومين الماضيين، عن تعيين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد نائباً للأمين العام ل”حزب الله” خلفاً للشيخ نعيم قاسم، الذي تولى الأمانة العامة للحزب، بعد إستشهاد الأمين العام السابق السيد حسن نصر الله، وخليفته المفترض السيد هاشم صفي الدين إبان الحرب على لبنان.

هذه التسريبات المدروسة بلا شك – التي نفاها الحزب فيما بعد – تطرح تساؤلات عدة في الساحة السياسية اللبنانية – التي تعرف بأن لا دخان بلا نار – عما يدور في كواليس الحزب من تجاذبات – ربما – وعمن قد يكون وراء هذه التسريبات، وهل هي مجرد توقعات وأمنيات أم هي لجس النبض، سواء على المستوى الداخلي للحزب كما على المستوى السياسي اللبناني.
في الواقع، وقياساً على تجارب الأحزاب الأيديولوجية الحديدية في المنطقة – إذا صح التعبير – كأحزاب البعث والسوري القومي الإجتماعي والشيوعي والأحزاب الناصرية، فإن ما تعرض له “حزب الله”، منذ يوم 17 أيلول تاريخ بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان حتى اليوم، من ضربات عنيفة أفقدته القسم الأكبر من قياداته السياسية والعسكرية، وعلى رأسها الأمين العام السيد حسن نصر الله، بما يمثِّل لبنانياً وإقليمياً.

إتفاقية وقف إطلاق النار التي تنفَّذ من جانب واحد هو الجانب اللبناني الممثَّل بحزب الله والتي هي في الحقيقة – شئنا أم أبينا – أشبه بوثيقة إستسلام

وبالتالي وما تبعها من متغيرات سياسية وميدانية سواء في لبنان، عبر إتفاقية وقف إطلاق النار، التي تنفَّذ من جانب واحد هو الجانب اللبناني الممثَّل بحزب الله، والتي هي في الحقيقة – شئنا أم أبينا – أشبه بوثيقة إستسلام، أو على مستوى المنطقة بكشف هشاشة ما يسمى “محور الممانعة”، خاصة مع السقوط المدوي والمخزي للنظام السوري الذي “إستثمر” فيه المحور الكثير طيلة ال13 سنة الماضية، نقول أن هذه التطورات كفيلة بلا شك، بترك آثارها على بنية الحزب وسياساته وممارساته على المدى المتوسط والبعيد أو ما بات يسمى إعلامياً باليوم التالي، وذلك عبر ظهور ما يمكن أن يكون صراع “أجنحة” داخله كانت ربما موجودة من قبل، لكنها بوجود شخصية محورية وقائدة كشخصية السيد حسن نصر الله، لم تكن قادرة أو لم تكن ترى موجباً للظهور، بعكس الوضع القائم اليوم الذي هو إلى الهشاشة أقرب، سواء على مستوى السياسات أو حتى الشخصيات، وإن بنسب متفاوتة مع الإحترام الشخصي للجميع طبعاً، خاصة وأن الحزب لم يزل في طور التعافي، ومحاولة إستيعاب المتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي في لبنان والمنطقة، خاصة بعد سقوط نظام آل الأسد في سوريا وتداعياته على لبنان والإقليم، وبالأخص على سياسات ومستقبل “محور الممانعة”.

لبنان والطائفة الشيعية بشكل خاص بحاجة لأن يعيد الحزب النظر بالكثير من مفاهيمه السياسية وممارساته حتى ولو كان ذلك على حساب بعض المفاهيم والأفكار المؤدلجة

هذه التطورات إذن “يُفترَض” أن تترك آثارها على الحزب ولو بالحد الأدنى، وذلك بفرض نمط جديد من التفكير والممارسة السياسية، والتعاطي مع الآخر يحتاجه الحزب اليوم أكثر من غيره، سواء داخل الحزب نفسه، أم على المستوى السياسي اللبناني، بحيث يكون هناك مراجعة لكل الحقبة الماضية، التي بدأت قبل 40 عاماً بإيجابياتها وسلبياتها، والتي أوصلت في النهاية للأسف لبنان والطائفة الشيعية، إلى نكبة كبرى لا ينفع الإنكار ولا المكابرة، في التخفيف من آثارها الكبيرة على حاضر ومستقبل الوطن والطائفة لسنين طويلة مقبلة.

من هنا قد تكون هذه التسريبات نتيجة طبيعية، لما يدور داخل الحزب من تجاذبات، وهي أفكار – وإن تم نفيها حالياً – إلا أنها تعتبر غير تقليدية إن لم نقل “ثورية”، بالنسبة لحزب ديني إيديولوجي حديدي ك”حزب الله”، إذ ستكون المرة الأولى التي يتسلم بموجبها سياسي ونائب هذا المنصب في الحزب من غير رجال الدين، الذين هم عادة من يمسكون بقرار الحزب، بحيث يكتفي النواب والوزراء بتنفيذ هذه القرارات، والتي وإن كانت تتخذ بالتشاور معهم، إلا أن طبيعة الحزب تقضي بأن يكون القرار النهائي للهيئات المتعددة، التي يسيطر عليها بشكل عام رجال الدين.

إقرأ أيضاً: ملف التعويضات يتصدر هموم الجنوبيين..وسط مخاوف من التأخير!

كما أن هذه الأفكار – إن كانت فعلاً قد طُرحت – تمثِّل في الواقع وبلا شك، تغييراً ولو بالشكل بالنسبة إلى هيكلية الحزب، لا يزال الوقت مبكراً للحكم على مدى تأثيرها على سياساته وممارسته سواء في علاقته بالداخل اللبناني، أم في علاقته مع “العرَّاب” الإيراني للحزب، ومرجعيته الدينية والسياسية في المنطقة، وموقف هذه المرجعية منها، وقد تكون مقدمة لتغييرات كثيرة مقبلة ومطلوبة، قد تبدأ بخطى بطيئة وثقيلة، نظراً لصعوبة الفصل ما بين الديني والسياسي في عقيدة الحزب، كما بين الوطني والإقليمي، وهي خطوات بحاجة إلى شخصيات إستثنائية، ذات فكر عميق سياسياً ووطنياً، وذات “كاريزما” شعبية ليست موجودة حتى الآن، أقله ضمن الشخصيات الحالية المعروفة.

إن لبنان والطائفة الشيعية بشكل خاص، بحاجة لأن يعيد الحزب النظر بالكثير من مفاهيمه السياسية وممارساته حتى ولو كان ذلك على حساب بعض المفاهيم والأفكار المؤدلجة، التي أثبتت الأحداث أنها غير مفيدة للبنان وللطائفة أيضاً، والتي قد تجد لها مخرجاً في “الإجتهاد الفقهي”، كما فعل مؤخراً المرشد علي خامنئي وفي عز الحرب، عندما تحدث عن الإمام الحسن وتجربته في الصلح مع خصومه، فالمطلوب أن “يتلبنن” الحزب، وأن يخرج من الإطار الديني البحت وكذلك العسكري، إلى الإطار المدني بشكل أقرب ما يكون إلى التجربة التركية، مع حزب “العدالة والتنمية” ورجب طيب أردوغان.

فهل نطمع بخروج شخصية إصلاحية من داخل الحزب يعمل على “لبننته” وتحضيره لملاقاة التطورات المقبلة على مستوى لبنان والمنطقة؟

وقد يقول قائل, وماذا يبقى من الحزب إذا فعل ذلك، ونحن نقول إذا كان الهدف لدى البعض، هو الحزب كتنظيم ومصلحة إيران والمحور، فإن الحزب قد تلقى ضربة قاسية كادت أن تودي به وبلبنان، وسط صمت إيراني وصل حد التجاهل، إن لم يكن التواطؤ، أما إذا كان لبنان وخدمة الناس هي الهدف، فإن لبنان باقٍ، والناس الذين أعطوا الكثير وضحوا بالغالي والنفيس، في سبيل قضية الحزب، هم موجودون ويستحقون أن تتم المراجعة والنقد الذاتي من أجلهم، ومن أجل مستقبل أولادهم في وطنهم الذي أثبتت الأحداث والأيام، بأن لا وطن لهم غيره، فهل نطمع بخروج شخصية إصلاحية من داخل الحزب يعمل على “لبننته”، وتحضيره لملاقاة التطورات المقبلة على مستوى لبنان والمنطقة التي يبدو أنها ستكون مصيرية، وقد تكون بداية مرحلة جديدة للمئة سنة المقبلة؟ الأمر يبدو بالتأكيد صعباً، لكنه ليس بالمستحيل، فالأحداث والتطورات الأخيرة في المنطقة كانت أقرب إلى المستحيل، وما كان أحد ليتصور أن تحدث وبهذه السرعة والسهولة – رغم كلفتها العالية – وها هي قد حصلت، وفي عالم السياسة، هناك دائماً مفاجآت ومتغيرات وتقلبات، دونها الموت أو الغياب عن مسرح الأحداث، وما علينا سوى الإنتظار.

السابق
«الجريمة المستمرة»..الرصاص المتفلت يقتل طفلة في عكار ويجرح 3 في بيروت!
التالي
مخاطر 2025 على لبنان وسوريا وغزة والشرق الأوسط!