![احتفالات سقوط الاسد](https://janoubia.com/wp-content/uploads/2024/12/WhatsApp-Image-2024-12-10-at-4.16.34-PM-2-720x480.jpeg)
جرت العادة في بلادنا، انه ما إن ينتصر الثوَّار، ويشكِّلون حكومة على أساس الحق والعدل والإنصاف، حتى تبدو عليهم معالم الإنحراف، ويبدأ رموز الثورة بالتخلّي عن المبادئ التي ثاروا من أجلها، ودعوا الناس إلى الإطاحة بالنظام السابق، بسبب تنكُّره للعدالة الإنسانية.
انقلاب الثوار
وشأن جميع الثوار، فإنهم سرعان ما ينقلبون الى متسلطين، يستخدمون ضد مخالفيهم أدوات القهر والإرهاب نفسها، التي كان النظام السابق يستخدمها ضدهم، والتاريخ شاهد على بعض الفصائل والأحزاب، ومنها الدينية، الذين خاطروا بتاريخ أجيال على حساب أيديولوجيات فارغة، واقتصرت مشاريعهم على التغيير العسكري الحكومي، من دون أن تحرِّك أي ساكن، في سبيل تغيير الثقافة وزرع الديمقراطية، وهذه نهاية الأحزاب الدينية، والأحزاب القومية التي ـ أيضاً ـ لم تزرع ثقافة النظام الديمقراطي وثقافة النقد الذاتي، بل حتى الممارسات الليبرالية التي تنشط في كثير من بلادنا العربية، التي تقوم على أساس تأويل اجتماعي ثقافي “وصولي”، من أجل الوصول إلى السلطة والحكم، وليس إلى قناعات الشعب، وبالتالي تقوم بالإنقلاب على الدستور، فيصبح الحزب هو الدستور، بوصفه الحزب الديني أو الإسلامي الذي يُطبِّق الشرع.
إقرأ أيضا: الشرق الأوسط الجديد على وقع «ضرب» إيران و«طوق» إسرائيل
كل هذا يعود إلى السبب الأساسي، هو الإستئثار بالسلطة والنفوذ دينياً وسياسياً، والأخطر على الشعوب والمجتمعات، الاستئثار بالسلطة باسم السماء على الأرض.
سنَّة جميع الثورات وشأن جميع الثوار فإنهم سرعان ما ينقلبون من ثوَّار إلى محافظين، فيستخدمون ضد مخالفيهم أدوات القهر والإرهاب نفسها التي كان النظام السابق يستخدمها ضدهم
ومع القليل من التأمل، ندرك حجم الخسارة العظيمة في الأرواح والأموال والطاقات، ما بعد اندلاع الثورة السورية عام (2011م) وتداعيات الأوضاع التي مرَّت على سوريا، ونمو التيارات والفصائل والأحزاب الدينية، فقد برز إسم أحمد حسين الشرع المعروف بكنيته (أبو محمد الجولاني) بعد نشاطه في العراق، وانضمامه في صفوف ما يسمى “تنظيم القاعدة”، فأنشأ “جبهة النصرة” وأصبحت من أقوى الفصائل المعارضة في بلاد الشام.
الثورة السورية تنبذ العنف
وفي عام (2016م)، أعلن الجولاني فك ارتباط “جبهة النصرة” عن “تنظيم القاعدة”، وبعدها دمجها مع فصائل لتشكيل “هيئة تحرير الشام”، وبعد أن شهدت سوريا سقوط النظام “الأسدي” وظهوره ـ أحمد الشرع ـ أبو محمد الجولاني ـ حيث نرى تحولاً بالخطاب الديني، فانتقل الخطاب من “الأصولية إلى البراغماتية”، وانتقل من تبني أيديولوجية جهادية عالمية، إلى التركيز على القضايا المحلية السورية، وهذا ما نراه تحولاً، للتكيف مع المتغيرات السياسية والعملية الميدانية.
إقرأ أيضا: خاص «جنوبية»: إسرائيل «تتمدد» وإيران «تتشدد».. هل «تتجدد» الحرب؟!
وحتى الآن يؤكد هذا التيار الاسلامي، الذي تسلم السلطة في سوريا على هوية الدولة، من دون فرض قهري على الناس، مع الحفاظ على حرية المجتمع في جميع الممارسات التي يريدونها، ويؤكد على أن تداول السلطة، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، هي مسألة متصلة بروح الثورة، التي أتاحت لهم فرصة الوصول إلى السلطة.
يؤكد هذا التيار الاسلامي الذي تسلم السلطة في سوريا على هوية الدولة من دون فرض قهري على الناس، مع الحفاظ على حرية المجتمع في جميع الممارسات التي يريدونها
ربما يكون وعياً تولَّد نتيجة لتجاربهم السابقة، قد فرض على التيارات الأخرى الاسلامية والسياسية، بتشكيلاتها وأطرها المختلفة، ضرورة التداول السلمي للسلطة، وبواسطة الإرادة والإدارة الشعبية، والمتصلة بشكل مباشر بالعملية الديمقراطية، وكما أن مصالح الدول الغربية الأوروبية، يدفع باتجاه نشر مبادئ وقيم الديمقراطية، حفظاً كنسق سياسي غير منتج، بأشكال من الأرهبة الإسلامية أو لصيغ سلطوية من الاستبداد، الذي سيطر لمدة تزيد عن الأربعين سنة في أكثر الدول العربية والإسلامية.
هذا التحول يثير عدة تساؤلات، حول مستقبل “هيئة تحرير الشام” ودورها في المشهد السوري، وما إذا كان هذا التحول والخطاب الإطمئناني للساحة الداخلية، وللجوار وللساحة الخارجية، وهذا التغيير في النهج والسلوك، سيؤدي في المستقبل إلى قبول واسع للثورة السورية العتيدة، على الساحة الأقليمية والدولية.