حسن عباس في سلسلة تساؤلات جوهرية حول الخروقات جنوباً.. هل «الحزب» مسؤول؟

توغل الجيش الاسرائيلي في الجنوب

كتب الناشط حسن عباس على حسابه عبر “فايسبوك”: “تساؤلات على هامش ما يحدث في جنوب لبنان
منذ دخول اتفاق وقف الأعمال العدائية بين الجانبين الإسرائيلي واللبناني حيّز التنفيذ، فجر الـ27 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لم تتوقف إسرائيل عن استكمال تنفيذ الأهداف التي وضعتها لهجومها البري على جنوب لبنان، في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي تفكيك البنية التحتية العسكرية التي أنشأها حزب الله في البلدات والقرى القريبة من حدودها. ولم يكتفِ جيشها باستكمال هذا العمل في المناطق التي دخلها خلال الحرب، بل وسّع دائرة عمله وتقدّم إلى مناطق لم يتمكن خلال الحرب من دخولها، وآخرها المنطقة الواقعة في وادي الحجير، نزولاً من ناحية بلدة القنطرة، في 26 كانون الأول/ ديسمبر.

وبجانب ذلك شنّت طائرات إسرائيل المقاتلة ومسيّراتها مجموعة واسعة من الغارات في مناطق مختلفة من لبنان، بعضها الكثير يقع جنوب نهر الليطاني، وبعضها القليل يقع شماله، وآخرها الغارة التي استهدفت مرتفعات قوسايا، في البقاع، في 27 كانون الأول/ ديسمبر.
يجري ذلك في وقت تسير فيه عملية خروج القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان وتمركز الجيش اللبناني مكانها ببطء شديد، فبعد مرور شهر من توقيع الاتفاق، لم يجرِ ذلك إلا في جزء من القطاع الشرقي، وبالتحديد في قسم من قضاء مرجعيون. وكان قد اتُّفق على بدء التسلم والتسليم في القطاع الشرقي فالأوسط فالغربي.
ما يحدث يثير مجموعة من التساؤلات:

1ـ هل حـzب الله مسؤول عما يجري؟
بموافقته على اتفاق وقف إطلاق النار، وافق حـzب الله على إعلان هزيمته ورغم مكابرة قيادييه وخطبائه الممجوجة على هذا الواقع، إلا أنه لم يقم، أقلّه علناً وحسب ما نعرفه، بأي خطوة لعرقلة تطبيق الاتفاق. هو بالعام مسؤول عن كل ما يجري لأنه هو مَن استجلب الحرب علينا، ولكن حالياً هو غير مسؤول (بمفهوم المسؤولية كما تُفهم في القانون) عمّا يجري في الجنوب. بقبوله باستسلامه، سلّم راية المتابعة للحكومة اللبنانية وللجيش اللبناني، وبموافقة هاتين الجهتين على الاتفاق صارتا الجهتين المسؤولتين عن متابعة تنفيذه.

2ـ هل ما يجري خرق للاتفاق؟
نعم. روح الاتفاق تتحدث عن “تراجع/ انسحاب” القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها واستلام الجيش اللبناني السيطرة مكانها، ما يعني أن على القوات الإسرائيلية أن تتراجع باتجاه الجنوب لا أن تطيل بقاءها حيثما هي ولا أن تتقدّم باتجاه الشمال.
من ناحية ثانية، يتحدث الاتفاق عن “وقف الأعمال العدائية” وعن أن إسرائيل “لن تقوم بأي عمليات عسكرية ضد أهداف لبنانية، وضمنها الأهداف المدنية، العسكرية، أو أي أهداف أخرى للدولة، على الأراضي اللبنانية”. ولكن هذا النص لا يوضح بشكل واضح وجلي إذا كانت المواقع التابعة لحـzب الله هي ضمن هذه “الأهداف اللبنانية” أم لا.

3ـ هل وفى الجانب اللبناني بالتزاماته؟
كلا. وهذه مشكلة قد تؤدي إلى تذرّع إسرائيل بها لتمديد مهلة الـ60 يوماً التي ذكرها الاتفاق لانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان. فالاتفاق ينص على أنه “فور بدء وقف الأعمال العدائية”، على الجيش اللبناني تفكيك كل البنى التحتية التابعة لحـzب الله، ومواقعه العسكرية، “فوق الأرض وتحتها”، ومنشآته التي تُستخدم لإنتاج أسلحة ومواد مرتبطة بها، ومصادرة كل أسلحته، وذلك بدءاً من منطقة جنوب الليطاني. حتى اللحظة، لم نسمع بأن الجيش اللبناني قام بشيء من هذا العمل الكثير. أقلّه، هذا ما نعرفه وربما يكون هنالك عمل لم يعلن عنه الجيش ولكنّي أستبعد ذلك. من ناحية ثانية، ينص الاتفاق على نصب الجيش اللبناني نقاط تفتيش على كل الطرقات والجسور المؤدية إلى منطقة جنوب الليطاني، وهذا أيضاً لم يقم به الجيش.

4ـ لماذا هذا “الشلل” اللبناني؟
بما أن الاتفاق وافق عليه حـzب الله قبل موافقة لبنان الرسمي عليه، وبما أن الحكومة اللبنانية وافقت عليه، وضمنها وزراء تابعين لحـzب الله، يُطرح السؤال: لماذا يتلكأ الجانب اللبناني عن تنفيذ التزاماته حتى اللحظة؟ هل الأمر مرتبط بضعف القدرات التي يستطيع الجيش توفيرها للعمل في الجنوب؟ هكذا ضعف يمكن أن يبرر التأخر والعمل البطيء ولكن لا يمكن أن يبرر عدم الشروع بالعمل المطلوب. هل الأمر مرتبط بتفاهم “تحت الطاولة” على عدم الالتزام بالاتفاق؟ هذا سيكون محاولة تذاكٍ ستفشل لأن جزءاً كبيراً من المواقع التي على الجيش تفكيكها ومصادرة ما فيها تعرفه إسرائيل ويمكنها رصد ما يجري فيه من أعمال. هل الأمر مرتبط بتحذير حـzب الله للجيش من القيام بالعمل المطلوب منه؟ بحال كان الأمر كذلك، ينبغي ألا يبقى داخل الكواليس وأن يخرج إلى العلن لأن هذه قضية وطنية.

5ـ هل آليات المتابعة ناجعة؟
آلية المراقبة الأساسية للاتفاق هي “اللجنة الفنية العسكرية للبنان” (MTC4L)، وهي لجنة ثلاثية تضم لبنان وإسرائيل وقوات اليونيفيل، وانضمت إليها بموجب اتفاق وقف الأعمال العدائية كل من الولايات المتحدة وفرنسا. أمور كثيرة في عمل هذه الآلية ليست موضّحة بعد، وينبغي على الجانب اللبناني أن يضع ثقله لفرض قاعدة أن إسرائيل لا يحق لها أن تقوم بضرب أي هدف لحـzب الله في لبنان، أكان جنوب الليطاني أو شماله، بدون إبلاغ الجيش اللبناني بوجود خرق وإعطائه مهلة معقولة للتعامل معه بنفسه.
لماذا هذا ضروري؟ في رسالة التعهدات الأميركية الجانبية لإسرائيل، والتي كانت سبباً في موافقة الأخيرة على اتفاق وقف الأعمال العدائية، قبلت الولايات المتحدة بأن لإسرائيل “حق العمل في أي وقت” في جنوب لبنان بحال خرق حـzب الله الاتفاق، بالإضافة إلى “حق” العمل في باقي لبنان ضد “خروقات” حـzب الله “بحال كانت القوات المسلحة اللبنانية غير قادرة أو غير راغبة بالتعامل مع الانتهاكات بنفسها”.
بطبيعة الحال، هذا مزعج وفق مقياس السيادة. بدون شك. بس مش أنا لي عملت الحرب ولا أنا لي وافقت عالاتفاق وهذا الموجود لي وافقو عليه الحكومة و حـzب الله، وهلأ سقف طموحنا ندفش صوب أفضل الممكن، بحسب لي وافقو هنّي عليه.

6ـ هل الحل باستراتيجية دفاعية؟
في أحد أول أحاديث قياديي حـzب الله بعد الحرب، كتب النائب محمد رعد في جريدة “الأخبار” مقالاً طرح فيه من جديد “معادلة الشعب والجيش والمقاومة”، معتبراً أنها “الضمانة المثلى” للبنان في مواجهة إسرائيل. وفي خطابه الأخير اعتبر أمين عام حـzب الله نعيم قاسم أن الاتفاق هو “لإيقاف العدوان وليس لإنهاء المقاومة”، معتبراً أن “علاقة المقاومة بالدولة والجيش ووجود السلاح وكل القضايا الأخرى” تحتاج إلى “حوار ونقاش”. ومؤخراً، خرج نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب محمود قماطي ليتحدث عن بناء “استراتيجية دفاعية تدافع عن هذا الوطن، فالجيش وحده لا يستطيع أن يواجه العدو… ولذلك هناك شراكة ضرورية حتمية وطنية لا بُد منها بين المقاومة والجيش لندافع عن وطننا”.
الحديث عن “الاستراتيجية الدفاعية” التي تتضمن دوراً لحـzب الله في الدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل تصاعد مؤخراً، على ضوء الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف الأعمال العدائية، على أساس أن الجيش، كما يبدو، غير قادر على ردع إسرائيل. وهذا صحيح، الجيش غير قادر على أن يردع إسرائيل وأن يفرض عليها الالتزام بالاتفاق، ومنذ البداية يعرف الجميع أن الجيش لن يكون جهازاً قادراً على ردع إسرائيل، ما يتطلب عملاً ديبلوماسياً لتوفير حاضنة لبنانية تضمن سيادة لبنان واحترام حدوده الدولية. ولكن هذا لا يبرر إعادة إقحام حـzب الله في هذا الدور، فأيضاً أثبتت الحرب الأخيرة ليس فقط أن حـzب الله لا يستطيع ردع إسرائيل بل الأسوأ، أثبتت أنه يمكن أن يستجلب الدمار والاحتلال بناء على حسابات لا علاقة لها بمصلحة أبناء جنوب لبنان ولا بمصلحة لبنان بطبيعة الحال.

السابق
ما حقيقة اقتحام وفيق صفا مطار بيروت ليُخرج حفيدة رفعت الأسد ووالدتها
التالي
أسرار الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت 28 كانون الثاني 2024