هكذا تحوَّل «طوفان الأقصى» إلى «الطوفان الأقسى» (1/3): غزة..بداية نهاية المحور الإيراني!

ياسين شبلي

لم يكن أكثر المراقبين في العالم تشاؤماً أو تفاؤلاً أو حتى إطلاعاً، يتصور ربما أن تؤدي عملية “طوفان الأقصى”، التي بدأتها “كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” في غزة في السابع من تشرين الأول ” أكتوبر ” عام 2023، إلى جرف “محور الممانعة” بغالبيته، الذي تساقط كأحجار “الدومينو” بدلاً من “إغراق” إسرائيل، كما كان يمني النفس ربما أصحاب العملية ومخططيها، الذين بالتأكيد، أخطأوا في حساباتهم وقراءتهم للوضع الدولي والإقليمي، كما أساؤوا تقدير ردة فعل حكومة بنيامين نتنياهو العنصرية والمأزومة حينها داخلياً، والتي يمكن القول أنها “أحسنت” – إذا صح التعبير – إستغلال العملية لصالحها كحكومة وصالح مشروعها ككيان، لتغيير وجه الشرق الأوسط، كما كشف لاحقاً رئيسها نتنياهو، وما سعى إليه ولا يزال، على حساب دم الفلسطينيين واللبنانيين وحتى السوريين وأراضيهم، ساعده على ذلك “غباء” وغرور وإستهتار محور الممانعة بمصالح الناس، وخلو شعاراته من أي مضمون جدي وحقيقي، سوى الجعجعة الفارغة التي لا تُنتج طحينا.

الحرب متواصلة في غزة بصورة غير مسبوقة ولا متوقعة في ظل صمت دولي مطبق وتواطؤ أميركي مع إسرائيل فكانت النتيجة نكبة كبرى وإعادة إحتلال غزة بعد 20 عاماً من التحرير

بالطبع لا يمكن لأحد الجزم حتى اليوم إن كانت عملية “طوفان الأقصى” كفكرة وتوقيت وتنفيذ، هي من بنات أفكار رأس المحور إيران، بهدف عرقلة التطبيع السعودي – الإسرائيلي، كما ألمح إلى ذلك بعض المراقبين يومها، أم أنها – أقله بالتوقيت – من تخطيط وتنفيذ يحيى السنوار، الذي يبدو أنه كان مؤمناً بقدرات المحور “الخرافية” ومصدقاً لسردياته، والذي ربما خُيِّل إليه أنه قادر أن يضعه، وعلى رأسه إيران، أمام الأمر الواقع، ليتحمَّل مسؤولياته ويجرَّه إلى معركة أرادها حاسمة، مدفوعاً بضرورة كسر الحصار الذي يعاني منه قطاع غزة على مدى 17 عاماً، وكذلك بضرورة إنهاء معاناة آلاف المعتقلين الفلسطينيين، في سجون العدو الصهيوني، فكانت النتيجة أن “إنقلب” السحر على الساحر، فتُرك وغزة وحيدين في الساحة، إلا من حرب “مساندة وإشغال” إفتعلها “حزب الله” على الحدود الجنوبية للبنان، وبدت وكأنها للحفاظ على ماء وجه المحور، ورفعاً للعتب أكثر منها حرب حقيقية أو مخططاً لها.

النكبات سواء في لبنان أو سوريا والتي يبدو أنها لم تنتهِ بعد وربما الآتي أعظم لتكون غزة بذلك وعن غير قصد قد كتبت بداية النهاية لمحور “الممانعة” الإيراني في المنطقة

بدأت إسرائيل ردها بعملية “السيوف الحديدية”، في الوقت الذي تبرأت فيه إيران من عملية “طوفان الأقصى”، بإعلانها أنها عملية فلسطينية خالصة، مع إعلان دعمها السياسي والإعلامي لها، بإعتبارها عملية مقاومة للإحتلال، وبذلك تكون كمن أمسك العصا من الوسط، عبر إيعازها لأذرعها في المنطقة، بإطلاق عمليات مساندة ضمن حدود معقولة ومرسومة، فكان أكبرها حرب “المساندة والإشغال” على الحدود اللبنانية، التي بدأها “حزب الله” في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2023، من دون أي إعتبار لظروف لبنان الصعبة، على كل الصعد السياسية والإقتصادية، بالإضافة لعمليات إستعراضية قام بها ولا يزال، كل من الحوثي و “المقاومة الإسلامية” الذراع العراقية للمحور، في محاولة منها للقول بدعم المقاومة الفلسطينية من جهة، وبإستدراج عروض كعادتها في المنطقة، على إعتبار أن لها دور المقرِّر أو المؤثر، على أقل تقدير من جهة أخرى.

إقرأ أيضاً: الجنوبيون منهمكون يرفع آثار العدوان.. ويستقبلون جثامين شهدائهم تباعاً

هكذا إذن، إنحصرت المعركة الكبرى والحقيقية والقاسية في غزة وحدها بداية، عبر القصف الجوي العنيف، ومن ثم بدأ الهجوم البري الذي كانت أعلنت حماس أنها “تنتظره وتُعوِّل” عليه، مع أطراف المحور لتكبيد الإسرائيليين خسائر بشرية، تجبرهم على وقف الحرب، إنطلاقاً من إعتقاد، إن لم نقل وهماً قديماً، بأن الإسرائيلي لا يتحمل خسائر بشرية كبيرة، كما أنه لا يخوض حرباً طويلة بحسب عقيدة بن غوريون، ناسين أو متناسين تغير الزمن والأشخاص، كما التكتيكات والمعطيات والتقنيات، خاصة مع نجاح نتنياهو بإستدرار عطف العالم، عبر إستغلال عملية “طوفان الأقصى” وإدعاء المظلومية، عبر حملة إعلامية كاذبة ومكثَّفة، وهو ما أطلق موجة عداء منقطعة النظير، ضد حركة “حماس” والفلسطينيين، ذكرت بالموجة ضد تنظيم “القاعدة” في العام 2001، و”داعش” في العام 2015، ما ترك الشعب الفلسطيني وحيداً أمام آلة القتل الهمجية الإسرائيلية، في ظل تراخٍ واضح من قِبَل إيران، كان يوحي بالضعف على عكس الخطاب الإعلامي والسياسي لها، ولأبواقها في المنطقة.

نجاح نتنياهو بإستدرار عطف العالم عبر إستغلال عملية “طوفان الأقصى” وإدعاء المظلومية عبر حملة إعلامية كاذبة ومكثَّفة وهو ما أطلق موجة عداء منقطعة النظير ضد حركة “حماس” والفلسطينيين

هكذا تواصلت الحرب بصورة غير مسبوقة ولا متوقعة، في ظل صمت دولي مطبق، و”عجز” أميركي أقرب إلى التواطؤ مع إسرائيل، فكانت النتيجة نكبة كبرى حلت على غزة وأهلها، بإعادة إحتلالها بعد 20 عاماً من التحرير، فضلاً عن أنها تكاد تختفي عن الخريطة، وقد تجاوز الضحايا من شهداء وجرحى عتبة ال 150 ألف ضحية – حتى الآن – وفقدان عدد كبير من كوادر غزة العلمية والأكاديمية والطبية، التي لا تعوَّض بسهولة، خلاف الثمن السياسي الذي دفعته وستدفعه “حماس” – ومعها بالطبع الشعب الفلسطيني – بحيث باتت خارج المعادلة أقله في الوقت الحاضر، وتضعضعها التنظيمي بعد الإغتيالات التي طالت قياداتها الميدانية والسياسية، وآخرهم رئيسها يحيى، السنوار بعد رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الذي أغتيل في عقر دار رأس محور الممانعة إيران، الأمر الذي يطرح مخاوف جدية، من أن تحاول تعويض هذه الخسارة بمحاولة الإستيلاء على الضفة الغربية، بالتكافل والتضامن مع حركة “الجهاد الإسلامي” – وهو ما بدأ على ما يبدو في مخيم جنين – على عادة الجيوش المهزومة، التي غالباً ما ترتد على السلطة، فما بالك والسلطة الفلسطينية شبه غائبة أصلاً، نتيجة الحصار الصهيوني والإنقسام الداخلي وفقدان الدعم العربي، ما قد يهدد الضفة الغربية بمصير غزة، عبر وضعها على فوهة بركان، مع ما يعنيه هذا الأمر من إمكانية نهاية حلم الدولة الفلسطينية، أقله في المدى المنظور، إن لم يهدد بتصفية القضية برمتها.

محاولة ايران تحويل الضفة الغربية الى غزة ثانية يوضعها على فوهة بركان مع ما يعنيه هذا الأمر من إمكانية نهاية حلم الدولة الفلسطينية أقله في المدى المنظور إن لم يهدد بتصفية القضية برمتها


هكذا تحولت عملية “طوفان الأقصى” إلى عملية أشبه ما تكون ب “الطوفان الأقسى” على الشعب الفلسطيني وقضيته، نتيجة سوء التقدير والمغامرة الأقرب إلى الإنتحار، التي قد تكون نجحت في كسر هيبة الجيش الإسرائيلي بدايةً، قبل أن يستعيدها بوحشيته الفائقة، إلا أنها كانت المغامرة الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية، بعد النكبة الأولى عام 1948، على الرغم من كم المآسي التي عانى منها، وتجاوزها الشعب الفلسطيني على مدى 76 عاماً من الإحتلال، وكذلك على المنطقة بما شهدته من تداعيات ونكبات، سواء في لبنان أو سوريا، والتي يبدو أنها لم تنتهِ بعد وربما الآتي أعظم، لتكون غزة بذلك وعن غير قصد، قد كتبت بداية النهاية لمحور “الممانعة” الإيراني في المنطقة.

السابق
سقوط نظام الأسد.. استنتاجات فلسطينية
التالي
العيد.. إحتفالية حياة تنبذ ثقافة الموت!