تحتل الأعياد أهمية في حياة الفرد، متجاوزةً بُعدها الزمني، المرتبط بتاريخ أو يوم محدّد، لتطال البعدين النفسي و الاجتماعي، اللذين يؤديان دورهما في تشكيل شخصيته. ويعود السبب في ذلك، إلى إسهامها في نقل قيم المجتمع و العادات و التقاليد، التي يتم استدخالها منذ الطفولة، بحيث تصبح حزءاً من الشخصية. إذ يتعلم الطفل قيم المشاركة و التعاون و الاحترام.. و كل ما يمكن أن يعزز اندماجه في محيطه. ومن هذا المنطلق، يقوى انتماء الفرد في مجتمعه.
من جانب آخر، تعطي الأعياد “معنى” خاص لحياة الفرد، من خلال ما تحويه من رمزية. فعلى سبيل المثال، يرمز الميلاد المجيد إلى العائلة والتشارك في الأوقات الجميلة، و عيد مولد الفرد إلى مرور الوقت والانجازات… كما تعدّ فرصة للتعبير عن الانفعالات الايجاببة كالفرح والرقص و المحبة و الحماس… لكن بالمقابل، توقظ المشاعر المؤلمة والكدرة كالحنين و الشوق والحزن… وسيما تلك المرتبطة بخسارة فرد من الأسرة أو حبيب أو صديق، أو بفترة صعبة كالحرب… بمعنى أوضح، قد يسترجع معه العيد جرحاً عاطفياً أو انفعالياً مشحوناً بالألم. لكن إذا ما قاربنا هذه الحال من زاوية سيكولوجية، من الملاحظ أنها قد تساعد على تعزيز المرونة النفسية. عندما يذكّر عيد أو مناسبة أو حدث ما الفرد بتجربة مؤلمة ، يحاول ضبط حزنه ويعمد إلى السيطرة عليه. وهنا ، يكتسب القدرة على تخطيها مع مرور الوقت، و تقبّلها أكثر، ومن ثم التعامل معها بعقلانية أكبر.
الروتين اليومي الذي يثقل الحياة بالملل و الاحباط فإن التحضير للعيد والاحتفال به يكسرانه و يسمحان للفرد باسترجاع طاقته الإيجابية التي خفتت
و أما بالنسبة إلى الروتين اليومي، الذي يثقل الحياة بالملل و الاحباط، فإن التحضير للعيد والاحتفال به يكسرانه، إن صح التعبير، و يسمحان للفرد باسترجاع طاقته الإيجابية التي خفتت، وإعادة التفكير بنمط معاشه، في محاولة منه لبلوغ نوعية حياة أفضل.
إقرأ أيضاً: هكذا تحوَّل «طوفان الأقصى» إلى «الطوفان الأقسى» (1/3): غزة..بداية نهاية المحور الإيراني!
لكن في المقابل، يتسبب هذا التجهيز بالضغط النفسي، نظراً لما قد يرافقه من عبء اقتصادي، فيطلق الحرمان و الإحباط و الذنب و سوء تقدير الذات، و سيما لدى من يعجز عن تأمين ما يلزم لإسعاد أطفاله.
يرتبط العيد بالحياة و يعد الاحتفال به وسيلة لترجمتها بما يتناسب مع تعزيز ثقافتها التي تبقى هدفاً يسعى إليه الفرد ومعه المجتمع وما نبذ ثقافة الموت إلا خطوة اولى لبلوغها
وقد يظهر عند البعض، ما يمكن تسميته باضطراب ما بعد العيد الذي تتمثل أعراضه في الشعور بفراغ كبير، ناجم عن الرجوع إلى النمط المملّ للحياة، أو في انخفاض الطاقة التي قد تم استنزافها، من جراء التحضير له.
التجهيز للعيد يتسبب بالضغط النفسي نظراً لما قد يرافقه من عبء اقتصادي فيطلق الحرمان و الإحباط و الذنب و سيما لدى من يعجز عن تأمين ما يلزم لإسعاد أطفاله.
بالاضافة إلى بعدها النفسي الذي تم التعرض له بإيجاز، يظهر الدور الاجتماعي المهم للأعياد، بفعل إسهامها في تصليب الروابط الاجتماعية، وصلات القرابة، بالاضافة إلى استعادة ما تم انقطاعه منها. لذلك، فهي تعدّ فرصة لإنقاذ الفرد من عزلة، قد تودي به إلى الاكتئاب.
و فيما يتعلق بالذاكرة التي تشكل جزءاً من الهوية النفسية، فردية كانت أم جماعية، فإنها تعدّ خلاصة لما يختبره الفرد و المجتمع من تجارب و معاشات و أحداث ، بحيث تحتل الأعياد مساحة كبيرة منها. وبذلك، فهي تدخل في السياق التاريخي للمجتمعات.
يرتبط العيد بالحياة، و يعد الاحتفال به وسيلة لترجمتها، بما يتناسب مع تعزيز ثقافتها، التي تبقى هدفاً يسعى إليه الفرد ومعه المجتمع. وما نبذ ثقافة الموت إلا خطوة اولى لبلوغها.