وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: محور الممانعة.. نهاية طبيعية لتكوين مصطنع 

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

لم يكن حدث “طوفان الاقصى” مجرد فصل من فصول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل كان نقطة انطلاق مشروع إقليمي طامح، إلى وضع معادلة جديدة وترسيخ ميزان قوى جديد، يكون مركزه طهران. هذا المشروع يمتد داخل العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى غزة. وقد سبق حدث الطوفان إعلان وحدة الساحات، وإعداد عسكري وتجهيز نوعي ومتقن للقوى المحاربة، وفي مقدمها، الحوثييين، و”حزب الله”، و”حماس”.

كان واضحاً أن تسلح “حزب الله” والحوثيين وحتى “حماس” بسلاح نوعي غير تقليدي، يتجاوز هدف المقاومة ومهامها، بقدر ما كان يخدم فرض واقع إقليمي جديد، يتمثل بانتزاع الملف الفلسطيني من الدائرة العربية، ليصبح بيد المرجعية الإيرانية

كان واضحاً أن تسلح “حزب الله” والحوثيين وحتى “حماس” بسلاح نوعي غير تقليدي، يتجاوز هدف المقاومة ومهامها، بقدر ما كان يخدم فرض واقع إقليمي جديد، يتمثل بانتزاع الملف الفلسطيني من الدائرة العربية، ليصبح بيد المرجعية الإيرانية، واستكمال الهيمنة الكاملة على لبنان، في سياق استعراضات فائض القوة، التي تصاعدت مع حرب الدعم والإسناد، ومزاحمة الوجود الأمريكي في كل من العراق وسوريا والعمل على إنهائه، وتقليص النفوذ التركي وتهديد أمنه بعد الوصول إلى الحدود التركية، وتأمين نفوذ راسخ على امتداد حوض البحر المتوسط، وإحداث تغيرات ديموغرافية في الواقع السوري واليمني، عبر محاولات مكتفة وسخية، بنشر المذهب الإمامي الشيعي وتحجيم التعداد السني، وإبقاء الأمن الخليجي مهدداً بفعل قدرة الحوثيين الباليستية.

طلعات أمبراطورية، تحركها أحلام فارسية قديمة، وجدت في العقيدة الشيعية قالباً أيديولوجياً، وألبستها راهنية سياسية لإسباغ مشروعية على سلطتها، واعتمادها أساساً لبناء الولاءات والتضامنات

 هي جميعها تطلعات أمبراطورية، تحركها أحلام فارسية قديمة، وجدت في العقيدة الشيعية قالباً أيديولوجياً، وألبستها راهنية سياسية لإسباغ مشروعية على سلطتها، واعتمادها أساساً لبناء الولاءات والتضامنات، إضافة إلى إخراج المضمون الشيعي من سياقه الشيعي، واستعماله بصيغة درامية ومأساوية، كقوة تعبئة وتحشيد وأساس كل تضامن ومتحد. هي صياغات ورهانات جاءت منفصمة عن الواقع، وتتعالى على تفاصيله وتتجاهل موانعه الطبيعية والمنطقية. طموحات تسربت إلى المجال العربي، من خلال ثقوبه وثغراته وتناقضاته، لكنها لم تدخل الباب الصحيح، ولم تلتفت إلى الشروط الموضوعية، أو المقدمات التاريخية لتحقق هذه التطلعات والآمال.

إقرأ أيضا: هكذا تخلّت إيران وروسيا عن الأسد: وقائع الساعات الأخيرة قبل سقوط النظام

بل لم يسع أصحاب هذه التطلعات، إلى تأسيس وضع إيجابي، يتفهم الذهنية العربية وتركيبة مجتمعاته الإثنية والدينية، ليكون محل قبول واعتراف طوعي. بل كان الخطاب المذهبي فاقعاً ومستفزاً، ووسيلته كانت باعتماد منطق الغلبة والقهر، وزرع تكوينات أمنية وعسكرية عالية التسلح والتدريب، واعتماد أسلوب الاغتيال والترهيب، إضافة إلى انحيازه إلى النظام السوري، ومشاركته جرائم الإبادة ضد الشعب السوري وتشريده.

كان الخطاب المذهبي فاقعاً ومستفزاً، ووسيلته كانت باعتماد منطق الغلبة والقهر، وزرع تكوينات أمنية وعسكرية عالية التسلح والتدريب، واعتماد أسلوب الاغتيال والترهيب

وقع محور الممانعة في حسابات خاطئة ورهانات وهمية. راهن على ضعف الكيان الصهيوني وإمكانية كسر شوكته، راهن على قدرة المحور الصاروخية بإحداث فارق في المواجهة ضد إسرائيل، راهن على قدرته في ردع إسرائيل، من القضاء على هيكلية “حزب الله” القيادية وقدراته العسكرية، راهن على صلابة النظام السوري واستقراره، وقدرته على البقاء لامد طويل، راهن على التوازنات الدولية، التي تمنع الأمريكي من تقديم أعلى مستويات الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، راهن على عدم استعداد روسيا الاستغناء عن بشار الأسد، راهن على تردد التركي من تغيير التوازنات الحاصلة داخل سوريا، راهن على مونته على النظام العراقي، لدعم النظام السوري ومنعه من السقوط، راهن على التناقضات الدولية وتوظيفها لصالحه في الملف النووي.

رهانات مضللة لم يحقق أصحابها منها شيئاً. سبب ذلك: انفصام أصحاب هذه الرهانات عن الواقع، وجود ثقة نرجسية بالذات، استخفاف ساذج بقدرات الخصم، توقعات سطحية لسير الأحداث ومآلاتها، سوء فهم واستخفاف بالواقع العربي

هي جميعها رهانات مضللة لم يحقق أصحابها منها شيئاً. سبب ذلك: انفصام أصحاب هذه الرهانات عن الواقع، وجود ثقة نرجسية بالذات، استخفاف ساذج بقدرات الخصم، توقعات سطحية لسير الأحداث ومآلاتها، سوء فهم واستخفاف بالواقع العربي، وإعراضه عن الدخول إليه، والتواصل معه من المداخل الطبيعية والمنطقية، مقتصرا في رهانه على زرع بؤر أمنية وتكوينات عسكرية، ذات طبيعة عدوانية داخل هذه المجتمعات. ما جعل هذا المحور مشروعاً غريباً عن نسيج المجتمع العربي، خارج سياقه التاريخي والثقافي، طارىء في وجوده، وآني في بقائه واستمراريته، رغم صخبه الإعلامي والصورة المتضخمة، التي يصر على ترسيخها وتعميمها في الأذهان.

خرج “حزب الله” يترنح عسكريا وسياسياً من حربه ضد إسرائيل، رغم صمود مشرف لعناصره على الحدود، وقَبِل بهدنة مذلة له، ومع ذلك سعى إلى التغطية على مضامينها وبنودها، باحتفالية انتصارات مصطنعة. أما “حماس” فقد تم القضاء شبه الكامل على بناها التنظيمية وقدراتها العسكرية، وتسببت حملتها بإضعاف خطير للقضية الفلسطينية نفسها، وتسببت بتشريد وتدمير كاملين لغزة، وأما إيران فقد تبين هشاشة آلة العسكرية وضعفها، أمام القدرة الإسرائيلية نفسها. 

خرج “حزب الله” يترنح عسكريا وسياسياً من حربه ضد إسرائيل، رغم صمود مشرف لعناصره على الحدود، وقَبِل بهدنة مذلة له، ومع ذلك سعى إلى التغطية على مضامينها وبنودها، باحتفالية انتصارات مصطنعة

  هذا الإخفاق استكمل بسقوط متوقع للنظام السوري، وتقهقر مهين لكل الميليشيات التابعة للنظام الإيراني. سقوط يمكن توقعه، كون استمرار النظام لم يكن مستندا إلى أرضية شعبية ومجتمعية متينة، وإنما بفعل الوجود الإيراني والروسي. سقوط لا يجسد بداية حياة سياسية جديدة في سوريا، وإنما هو لحظة مفصلية تعبر عن نهاية كاملة لخارطة شرق أوسط سابقة، وبداية خارطة جديدة لا وجود فيها للاعب الإيراني، الذي أراد معاندة قانون التاريخ وتحدي الزمن ومغالبة طبيعة الأمور، فإذا بخروجه من التاريخ، يصبح الحدث التاريخي الأهم. 

إقرأ أيضا: علي الأمين: ما يحدث في سوريا سينعكس إيجاباً على المنطقة!

غفل النظام الإيراني او تغافل عن حقيقية أن الدخول إلى المجال العربي يكون من أبوابها المفتوحة، لا من سراديبها وثقوبها وتناقضاتها، وأن العلاقة مع مكونات الواقع العربي، لا تكون بالغلبة والقهر والهيمنة، بالتواصل والحوار والاحترام المتبادل، لا بالاحتقار والإملاء والولاء والطاعة. ما حصل نهاية طبيعية لمشروع مصطنع.   

السابق
بالفيديو: التلفزيون الرسمي السوري يعلن سقوط الأسد!
التالي
بالفيديو: عودة كثيفة للنازحين إلى سوريا عبر الحدود اللبنانية.. وتعميم هام للأمن العام