كتب الصحافي ساطع نورالدين في منشور على حسابه على “فايسبوك”: “هو ليس مجرد نظام دكتاتوري، بغى أكثر من نصف قرن، فجرى استئصاله بعملية جراحية سريعة، ناجحة، طال انتظارها، بل هي سوريا التي تولد من جديد، وتفتح صفحة واعدة من تاريخها، وتاريخ المشرق العربي، متخففة من ذلك الورم الخبيث، الذي كاد يؤدي بالجسد السوري الى التآكل”.
اضاف، “قبل تلك العملية، إختبرت سوريا طوال السنوات ال24 الماضية، شتى أنواع العلاجات الممكنة، من دون جدوى، لأن المريض كان يقاوم، ويقامر، وينكر خطورة مصابه الوراثي، الجيني، مفضلا الاعتماد على الادوية والأساليب التقليدية المتوارثة من سجلات العائلة.. والتي تقضي بتحويل 25 مليون انسان، الى أضحية في مسلخ أو سجن أو منفى، في واحدة من أبشع مظاهر تصفية الديموغرافيا السورية وتفكيكها”.
وتابع، “لم يكن المرض الخبيث وليد الصدفة ولا نتاج العوامل الطبيعية. في البدء كان هناك شك عميق في صحة النظام، الجسدية والعقلية. منذ اللحظة الأولى تم التوافق الضمني على أن بشار لم يكن مؤهلاً للحكم، الذي ناله بصلف لا مثيل له، من الدكتاتور الأول، إثر موت الوريث الأكبر. ولم يترك بشار سوى انطباع واحد عند جميع الذين قابلهم في مرحلة إعداده للسلطة، سواء كانوا سوريين أم عرباً أم أجانب:”هذا الشاب مجنون فعلاً، الخوف على سوريا ومستقبلها، حقيقي أكثر من أي وقت مضى..”.
وتستكمل، “لم يتأخر بشار في إثبات صواب هذه الفكرة. عندما كان التحدي لتوريثه ولشرعية حكمه يشتد في الداخل او الخارج، كان يلجأ على الفور الى كتاب العائلة وفصوله السابقة، لينشر الخوف والترهيب في الداخل السوري، وليوزع الشر والأذى على دول الجوار السوري المباشر، بدءا من لبنان، الى العراق، الى الأردن، الى فلسطين..حتى صارت بلاد الشام بؤرة للعنف والفوضى، تتيح، حسب نظرية الأب الخالدة، فرصاً ذهبية لإستقرار وإستمرار السلطة في دمشق”.
وقال: “لم يخالف الإبن وصايا الأب أبداً، لا مع العدو الإسرائيلي الذي فاوضه وتواطأ معه بإسم “العداء”.. ولا مع إيران، التي كانت أبداً حصن النظام وحضنه الدافىء، ولا مع الجار الشمالي التركي، الذي ظل حتى في مطلع العقد الماضي، ملاذ النظام ومعبره الى الشرعية الدولية.. قبل ان تتخلى طهران أخيراً عن ذلك العبء السوري الثقيل، وقبل ان تتقدم أنقرة لسد الفراغ السوري المتمادي.
هذا كلام سابق لأوانه اليوم، أمام فرحة الشعب السوري بغالبيته الساحقة، بإستئصال الطاغية، الأغبى، في تاريخ العالم الثالث، الذي ظن أنه يستطيع ان يحكم بالبطش والقمع والتحايل على الوقائع السورية التي لا تخطىء، وبالتذاكي، المَرضي الموروث، على المعطيات الخارجية التي لا تغفر.. حتى إستحق ذلك “الاجماع” المحلي والعربي والعالمي، النادر، على التخلص منه، بسرعة فائقة”.
وختم، “هكذا صار بشار من الماضي، بفضل هذا “الاجماع” الذي لم تخرج عليه لا طهران ولا موسكو ولا بقية العواصم العرب التي منحته في العامين الماضيين الفرصة الأخيرة لكي يستحق إعادة التأهيل، فكان جوهر رده، الغبي، أنه لا يعود الى حضن أحد، لكنه يفتح حضن سوريا، لجميع الدول والشعوب التي قاطعت بلده، لكي تعود اليه معتذرة صاغرة، أمام فرضية أنه ليس للنظام الاسدي بديل في دمشق.
لكن السقوط التاريخي لبشار لا يعزى فقط الى مرضه العقلي، الذي أقنعه بأنه يستطيع أن يلعب في ملاعب الكبار ويناورهم، بأدوات وأساليب عفا عليها الزمن: ثمة جوهر سوري حاسم لهذا السقوط. الديموغرافيا السورية، ليست فقط حقيقة علمية، أكاديمية. هي قاعدة راسخة انتجتها العوامل الطبيعية، وطورتها التجارب الطويلة من الصراع مع ذلك النظام العقيم. وهي الآن في طور التشكل من جديد لكي تبلور هوية وطنية واحدة، عنوانها الشعب السوري الموحد، الذي طال عذابه حتى فاق القدرة على الاحتمال، أو الانتظار.. لتلك النهاية السعيدة التي يتطلع إليها منذ أكثر من نصف قرن”.