عن «سيكولوجية» تخوين.. اللبنانيين!

سيلفا بلوط
تتجلى حماية الذات ضد الشعور بالذنب دافعاً أساسياً لفعل التخوين. وهنا، يمكن الحديث عن أوالية دفاعية يلجأ الفرد إليها، ليتجنب ما يمكن أن ينجم عن هذا الشعور من ألم، وندم، و لوم للذات أو حتى تحقيرها. وكأن الاتهام بالخيانة يمكّنه من التهرّب من مسؤوليته عما اقترفه من خطأ جسيم.

تزخر حياة الفرد بالكثير من العلاقات، التي يبنيها من خلال ما يعيشه من تجارب على المستويات كافة، الاجتماعي و المهني والعاطفي وحتى السياسي. كما يختبر خلالها وضعيات متنوعة، كالصراع والانسجام والاستقرار والتوافق… بحيث تحمل معها مشاعر مختلفة و متناقضة.

يعد فعل التخوين من أحد الاسباب الرئيسية، التي تودي بالعلاقة، لأنه يدخلها في “دوامة” خطرة،  مشحونة بالمواقف التي تطلق الشعور بالغضب، أو الكره أو الظلم أو حتى الذنب.

يعد فعل التخوين من أحد الاسباب الرئيسية، التي تودي بالعلاقة، لأنه يدخلها في “دوامة” خطرة،  مشحونة بالمواقف التي تطلق الشعور بالغضب، أو الكره أو الظلم أو حتى الذنب

ويفرض التعرّض لفعل التخوين، تناوله من زاوية سيكولوجية، بحيث تسهم في فهم ما يحويه من دينامية نفسية تبدو معقدة، تؤثر على أطراف العلاقة، مهما كانت طبيعتها أسرية، عاطفية، مهنية، و أيضاً سياسية.

إقرأ أيضا: الحزب عودٌ على عون الأسد.. «حيث لا يجرؤ الآخرون»!

وبدوره يشكّل الواقع السياسي في لبنان، على المستويين الشعبي و النخبوي، نموذجاً “مثالياً” على ظاهرة التخوين، بحيث يتم تراشق الاتهامات بالتقصير والعمالة والتخلي عن الواجب الوطني على سبيل المثال، ليس فقط على وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بل أيضاً على “أرض الواقع”. مما يعكس عدائية مبطّنة و متبادلة، بين السواد الأعظم من اللبنانيين، الذين تحركهم “غرائزهم الطائفية”. وقد يعود السبب في ذلك إلى ما كرّسته الحرب الأهلية، التي أنهكت لبنان على مدى خمسة عشر عاماً، من شحن طائفي، امتدت ذيوله الكارثية حتى هذا الوقت. في المقابل، لم يعمل المسؤولون على إنهاء طائفية النظام السياسي، بل بقيت خطاباتهم السياسية مشحونة بين سطورها بالتجييش المذهبي، حتى وإن اتخذت ظاهرياً “صبغة” الوطنية.

يشكّل الواقع السياسي في لبنان، على المستويين الشعبي و النخبوي، نموذجاً “مثالياً” على ظاهرة التخوين، بحيث يتم تراشق الاتهامات بالتقصير والعمالة والتخلي عن الواجب الوطني

ومن هذا المنطلق، تتبدى مقاربة فعل التخوين من منظور سيكولوجي، ولو بإيجاز، حاجة وأيضاً ضرورة، لأنها تكشف عن الأواليات النفسية التي تحرّكه، فتسهم بذلك في فهمه بشكل أعمق، وتوضيحِ لما يجري في كواليس، إن صح التعبير، العالم الداخلي.

يعد الاتهام بالخيانة، عموماً، دليلاً على وجود جرح نرجسي يصيب تقدير الذات، وهو يعبر عن موقف ذاتي، يسمح للفرد بإسقاط شعوره بالألم والتحقير،  وأيضاً الندم على الآخر. إلا أنه في أحيان كثيرة، قد يكون هذا الاتهام “هوامياً”، أي من دون وجود سبب واقعي لفعل الخيانة. وفي هذه الحال، يمكن الحديث عن حالة مرضية، تعكس عقدة الهجر أو الترك عند صاحبه. لذلك، يعكس فعل التخوين، في كل من الحالتين، صراعاً نفسياً يعتري الفرد، ويتسبب في أزمة تصيب استقراره النفسي.

يعد الاتهام بالخيانة، عموماً، دليلاً على وجود جرح نرجسي يصيب تقدير الذات، وهو يعبر عن موقف ذاتي، يسمح للفرد بإسقاط شعوره بالألم والتحقير،  وأيضاً الندم على الآخر

وتتبدّى أسباب عديدة تقف خلق الاتهام بالخيانة، بحيث يبرز القلق من الشعور بالترك محدداً رئيسياً، وسيما في العلاقات العاطفية والحميمية. و قد يوجد متجذّراً في تجربة أو تجارب سابقة، تعرّض خلالها الفرد إلى الخيانة، فأوقعته ضحية لصدمات نفسية. و من جانب آخر، قد تدفع الحاجة إلى ضبط العلاقة بالفرد، إلى اتهام الآخر بالخيانة، وذلك في سعيه إلى المحافظة عليها باعتبارها تؤمن له الاشباع العاطفي. وفي هذه الحال، يمكن الحديث عن قلب الأدوار. بتعبير أدق، يصبح من يتهم بالخيانة المسيطر على العلاقة، و بالتالي يتحكم بها. 

وبدورها، تتجلى حماية الذات ضد الشعور بالذنب دافعاً أساسياً لفعل التخوين. وهنا، يمكن الحديث عن أوالية دفاعية يلجأ الفرد إليها، ليتجنب ما يمكن أن ينجم عن هذا الشعور من ألم، وندم، و لوم للذات أو حتى تحقيرها. وكأن الاتهام بالخيانة يمكّنه من التهرّب من مسؤوليته عما اقترفه من خطأ جسيم.

تتعدد أسباب الاتهام بالخيانة، إلا أنها تدخل الأفراد في دائرة من الصراع وانقطاع العلاقات، نتيجة تراجع الثقة المتبادلة بين أطرافها

إذاً، تتعدد أسباب الاتهام بالخيانة، إلا أنها تدخل الأفراد في دائرة من الصراع وانقطاع العلاقات، نتيجة تراجع الثقة المتبادلة بين أطرافها.

إقرأ أيضا: المكاري: مجلس الوزراء وافق على خطة انتشار الجيش بجنوب الليطاني

أما على المستوى الوطني، فإن فعل التخوين يعكس رمي المسؤولية بين الأطراف السياسية كافة، التي يحاول كل منها قضم ما تبقى من سيادة لبنان و مؤسساتها. كما يعبر هذا الاتهام عن مواقف سلبية متبادلة لطالما أضعفت لبنان، وألقت به في مستنقع الازمات الاقليمية، التي ما زال يدفع ضريبتها حتى الآن.

السابق
ميقاتي تفقد مركزي الشواكير والقليلة التابعين للجيش: نشيد بتضحيات العسكريين
التالي
المولوي: لبنان ملتزم بوقف إطلاق النار