لا شك ان التطورات المتسارعة في سوريا، ابتداء من الشمال باتجاه حمص ودمشق، تحمل في طياتها الف سؤال وسؤال، ابرزها: هل إتخذ القرار بإزاحة بشار الاسد وانتهاء دور نظامه، أم ان الضغط العسكري على الجبهات المتهالكة، هدفه للوصول الى حلول وسط، قد تنتج حلا للمسألة السورية، والتي طال انتظار تنفيذ الحلول على ساحتها؟
فوفقاً للمعلومات والتي تتنوع مصادرها، وبعضها يكتسب الدقة والمصداقية، فإن قوات المعارضة والتي تتنوع، وهي تقريباً تتركز في فصيلين اساسيين، هما “هيئة تحرير الشام” والتي كانت سابقاّ “جبهة النصرة”، وتوحد معها عدد من مجموعات إسلامية، وغيرت اسمها لتصبح هيئة تحرير الشام بقيادة “الجولاني” والذي اصبح اليوم اسمه احمد الشرع، و”الجيش الوطني الحر” والذي تدرب وتم تنظيمه في تركيا، من فئات عسكرية منشقة اساساً عن الجيش النظامي السوري، وبعض الفصائل التي توحدت معه.
هل إتخذ القرار بإزاحة بشار الاسد وانتهاء دور نظامه أم ان الضغط العسكري على الجبهات المتهالكة هدفه للوصول الى حلول وسط قد تنتج حلا للمسألة السورية؟
والامر لم يقف عند هذه النقطة، بل أن حركة الهجوم ودقة التنظيم والتسليح الجيد، بالاضافة الى الخطط القتالية العالية الدقة، مع سرعة الحركة والاتجاه نحو الاهداف، يشير الى ان الموضوع، لا يقتصر على الطرفين الاساسيين في المعركة، بل تقف خلفه دول، ومن هنا يشار الى تركيا بالاسم على انها رأس الحربة، و على انها صاحبة القرار والعمل بأكثريته، ولكن لا يقتصر الامر عليها لتقوم بهكذا عمل، لولا موافقة وتوجيه امريكي، ودعم لوجستي عملياتي استخباراتي على الارض.
إذن القرار متفق عليه وغير مستبعد، برضى ومباركة عربيتين على الامر ، وذلك لاعتبارات عدة ابرزها، عدم تجاوب النظام السوري مع كل المبادرات العربية تجاهه والانفتاح عليه، والمطلوب منه فقط فك الارتباط مع ملالي ايران، وهذا ما لم يحدث على الاطلاق.
إقرأ ايضاً: المعارضة السورية تُطوّق دمشق والأسد «مختف»..وهدنة الجنوب في «عناية» هوكشتاين!
ومن ناحية ثانية، يرتبط الامر بتفهم روسي وغض طرف عما يجري، والذي اكدته بعض المعلومات عن مصادر قريبة من الكرملين عن ان روسيا، لن تتدخل لانقاذ الاسد ونظامه طالما جيشه يخلي مواقعه سريعاً.
مصادر قريبة من الكرملين: روسيا لن تتدخل لانقاذ الاسد ونظامه طالما جيشه يخلي مواقعه سريعاً
كل هذه الاحداث وعلى تسارعها، تؤكد ان المعارضة المسلحة، والتي من المتوقع ان تدخل حمص قريبا، إذا لم تكن قد سيطرت عليها، مع تسارع التطورات في سيطرة المعارضة في محافظة درعا، على المعبر الذي يربط سوريا مع الاردن، بالاضافة الى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد – الكردية” على معبر البوكمال، وكامل محافظة دير الزور والتي اخلاها جيش النظام بالامس، واليوم اخلى مدينة حمص، واللافت صدور بيان عن العلويين في احياء حمص، تؤكد فك ارتباطهم مع النظام، وهذا مؤشر على قرب نهاية النظام، إذا استمرت المعارضة في الزحف الى دمشق بعد سيطرتها على حمص وريفها، وهنا يأتي دور منطقة القصير الواقعة في ريف حمص الغربي، والتي يحتلها “حزب الله” اللبناني منذ العام ٢٠١٤, ويتخذ منها مقرا عسكرياً وفيها مستودعات وعتاد عسكري وقوات عسكرية، تحميها مرابطة فيها على الدوام.
وهنا السؤال، هل سيبقى حزب الله ام ينسحب؟
وهذا ما يشكل معضلة حقيقية للحزب ولقيادته السياسية والعسكرية، والتي ليست بذات القوة والحنكة التي كانت من ذي قبل، خصوصا مع بروز دور إسرائيلي، تمثل بضربات جوية استهدفت المعابر الحدودية، خصوصاً معبري العريضة وجوسيه وقطعت التنقل بين البلدين، وكأن المقصود ان تقطع الطريق على جماعة “حزب الله” في القصير ومنطقتها، وان تبقي عليهم فيها ليلقوا مصيرهم الحتمي إما القتل او الاستسلام، وهذا ما يشكل ايضا ازمة ومعضلة حقيقية، بعدما تم إقفال الطريق، التي تربط ايران بلبنان عبر العراق وسوريا، مع سيطرة المعارضة العسكرية عليها، وهذا بحد ذاته ازمة حقيقية ل”حزب الله”، بحيث ان شريان حياته انقطع، وهذا يزيد الضغط عليه وسيؤدي الى مقتلة لا محالة على الرغم من ان بعض الامكانيات لا زالت متوفرة لدى الحزب، ولكن في المستقبل الامر غامض، ويكتنفه ضبابية ترخي بثقلها على الحزب وقيادته، خصوصاً مع قرب انهيار النظام السوري وجيشه، عبر الانسحابات المفاجئة من المدن السورية الرئيسية، اولا حلب ومن ثم حماه ودير الزور واليوم حمص، اي ان ذلك يشكل انهياراً لجيشه، ويظهر عدم قدرته على المواجهة، بل في الاساس اتكاله على الروس، واذرع ايران من “حزب الله” اللبناني وجماعات ايرانية والحشد الشعبي العراقي.
انسحاب “حزب الله” من سوريا يشكل معضلة حقيقية للحزب ولقيادته السياسية والعسكرية والمتمثلة بضربات جوية استهدفت المعابر الحدودية خصوصاً معبري العريضة وجوسيه
هذا الامر يتبين ان مشروع قصقصة او تحجيم اذرع ايران، قد اصبح ساري المفعول ومبرمج، وفق اجندة بدأت مع توقيع “حزب الله” على وثيقة “الاستسلام” لوقف الحرب في لبنان، والتي كانت الخطوة الاولى وبالامس واليوم تهاوي النظام في سوريا، وقد يكون غداً او الذي بعده في العراق او اليمن. إن غداً لناظره قريب.