كيف ينعكس اتفاق وقف النار في لبنان على غزة؟

اطفال غزة

سيترك اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في لبنان، تأثيرات وتداعيات مباشرة على الحرب في غزة، لعدة أسباب منهجية وجوهرية في ظل الترابط العضوي بين الجبهتين طوال الوقت، وحتى لو أصبح الوضع الآن مختلفاً، بحيث تم الإقرار بالفصل بينهما، بينما ينتقل وقف إطلاق النار والهدنة من لبنان إلى غزة وليس العكس، كما كان الأمر طوال 11 شهراً حتى نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي. من جهة أخرى، تهيمن روح أو فلسفة الاتفاق في لبنان على المساعي الجارية الآن من أجل التوصل إلى اتفاق مؤقت مماثل لوقف النار على طريق إنهاء الحرب بشكل تام في غزة.

كان الترابط بين جبهتي غزة ولبنان واضحاً وحاضراً طوال الوقت، وتم فتح جبهة الإسناد ولو بوتيرة منخفضة، من لبنان، بحجة الضغط لوقف الحرب في غزة، ورغم أنها لم تؤثر جدياً على مجريات الحرب هناك التي لامست بل تحوّلت فعلاً إلى إبادة جماعية وجرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية، وتهجير قسري وتطهير عرقي، أقلّه في الشمال، كما قال رئيس الأركان وزير الدفاع السابق موشيه يعلون السبت الماضي، وإنجاز إسرائيل الخطط المعدة سلفاً للحرب بمراحلها الثلاث، القصف الجوي والعمليات البرية بعمق القطاع بعد فصله إلى ثلاثة مناطق، الشمال والوسط والجنوب، ومن ثم الانتقال إلى فصل بل فصول أخرى وصولاً إلى ما يمكن تسميته باحتلال مختلف يتضمن مزيجاً من السيطرة الأمنية والعسكرية.

اقرأ أيضاً: إسرائيل «تقبض» على الـ 60 يوماً جنوب الليطاني وترسم خطوطاً حُمراً شماله!

كانت قد سادت ولشهور طويلة، فكرة أن وقف إطلاق النار في غزة سيؤدي حكماً وفوراً إلى وقف مماثل على الجبهة اللبنانية، وهو ما لم يحدث بحيث بتنا اليوم أمام مشهد معاكس بمعنى أن وقف النار المؤقت في لبنان، سينعكس إيجاباً وليس فورياً، وقد يؤدي بالمدى المنظور إلى وقف مماثل في غزة.

بتفصيل أكثر، ومع إعلان إسرائيل عن غزة كجبهة قتال ثانوية في نهاية آب/أغسطس الماضي، بالتزامن مع الانتقال نحو توسيع الحرب فعلياً على جبهة لبنان والتي وضعت إسرائيل لها ثلاث مراحل أيضاً، من هنا بدا الأمر معكوساً، وطرحت فكرة إن التوصل إلى وقف النار في لبنان، يؤسس وينعكس إيجاباً، ويؤدي إلى وقف نار مماثل في غزة.

في السياق نفسه، أي العلاقة بين لبنان وغزة أيضاً، يمكن الحديث عن ورقة وثيقة الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف النار في غزة، بمراحلها الثلاث نهاية أيار/مايو، التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي منتصف حزيران/يونيو، ووافقت عليها حماس أوائل تموز/يوليو، قبل أن يتراجع عنها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نهاية الشهر أيضاً، عبر ما توصف في الإعلام العبري بوثيقة الدم التي أصرّ فيها على البقاء في ممر نتساريم، ومحور فيلادلفيا، ومعبر رفح، والتضييق على عودة النازحين لشمال القطاع عبر الممر، وعليه باتت الوثيقة من الماضي ولم تعد حاضرة الآن على جدول الأعمال.

بعد ذلك وضع بايدن نفسه بالاشتراك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ورقة مماثلة للبنان، اعتمدت فيها قاعدة المرحلية وأعلنها نهاية أيلول/سبتمبر، ووافقت عليها الحكومة اللبنانية وحزب الله قبل أن ينسفها نتنياهو أيضاً مع اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وبالتالي الإعلان رسمياً عن الانتقال إلى مرحلة  ثالثة جديدة، تضمنت الحرب الشاملة بما فيها الاجتياح البري والتي كانت قد بدأت فعلياً مع  تفجيرات أجهزة الاتصال، وقبل ذلك باغتيال المسؤول العسكري للحزب فؤاد شكر، وهو ما لم ينتبه إليه الحزب وقيادته التي كانت مكشوفة أمام إسرائيل وقوتها الغاشمة ما سهل الانتقال بسهولة إلى المرحلة الجديدة.

في تلك المرحلة، زرعت فكرة الفصل بين الجبهات بوثيقة بايدن-ماكرون وتقبل حزب الله والحكومة تحت الضغوط لها، ولم يعد وقف النار في لبنان مرتبطاً بغزة، وإنما باعتباره وفق المنطق الأميركي-الإسرائيلي، خطوة قد تؤدى الى استنساخ اتفاق مماثل في غزة.

في هذه المرحلة، اعتقدت إدارة جو بايدن ووسيطها ومبعوثها عاموس هوكشتين، أن الأمر -وقف النار- أسهل في لبنان عنه في غزة، لعدة أسباب، أهمها، الأسرى لدى فصائل المقاومة واليوم التالي للحرب هناك بدون تواجد حماس بالسلطة مع استمرار حضورها بالمشهد الغزاوي والفلسطيني العام، وتكرس ذلك مع الوصول إلى الاتفاق شمالاً الذي استند أصلاً إلى وثيقة إسرائيلية تبنتها الولايات المتحدة واستندت فلسفتها على التوافق لوقف إطلاق نار مؤقت لمدة شهرين، وبعدها يتم الانتقال للانسحاب الإسرائيلي التام وإنهاء الحرب مع وقف مستدام للنار والأعمال العدائية.

ويتضمن الاتفاق رفض أي وجود لحزب الله عسكرياً جنوب الليطاني، مع انكفائه شمالاً، بينما يقوم الجيش بفرض سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، وعملياً سيعود الحزب إلى العمل السياسي كبقية المنافسين دون عامل أو الاستقواء بالسلاح داخلياً.

هذه الفلسفة المتضمنة وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار نحو الوصول الى الوقف الدائم وانهاء الحرب، وعدم تواجد أي قوة مسلحة غير الجيش-واليونيفيل- بالجنوب، ومنعه من التسلح مستقبلاً، وفرض سلطة الدولة على كامل أراضيها وحدودها ومعابرها ومنافذها، تحضر في المساعي الجارية لوقف مماثل للنار في غزة، مع العمل على تجاوز عقبة الأسرى التي مثّلت دوما فارقاً وعائقاً نوعياً بين الجبهتين. 

والآن تتبدي هذه المعطيات في وساطة متجددة تقودها القاهرة بالتنسيق مع قطر وتركيا والولايات المتحدة، وطبعاً بالتواصل مع حماس وإسرائيل، وتشمل هدنة صغرى ووقف إطلاق نار مؤقت في غزة، يمتد أربعة أو ستة أسابيع، للعمل على إدخال المساعدات والاغاثات الضرورية وصفقة تبادل الأسرى، على أن يتم العمل خلالها الانسحاب الكامل للاحتلال ولو تدريجياً، وإنهاء الحرب تماماً مع تحديد طبيعة وسيناريو اليوم التالي لها.

وحسب الأفكار التي تطرحها القاهرة، والمدعومة من الوسطاء، والتي وافقت عليها تل أبيب مبدئياً، يُفترض أن تتخلى حماس عن السلطة في غزة، مع منع تسليحها مجدداً ولكن مع بقائها في المشهد السياسي والحزبي الفلسطيني، والتنافس في الانتخابات القادمة كي يحسم الجمهور فيها تجاه الطوفان والحرب ودور الحركة المستقبلي.

وفيما يخص معبر رفح وإدارة غزة ككل، ثمة استنساخ أيضاً لما جرى في اتفاق وقف النار في لبنان، فيما يخص المعابر والمنافذ الحدودية لجهة تشكيل لجنة وطنية من شخصيات مستقلة كفؤة ونزيهة تمثل السلطة الفلسطينية مرجعية لها، ويفترض أن تتولى إدارة المعبر وغزة بشكل عام تحت رقابة دولية واستنساخ ما لليونيفيل عربياً ودولياً. ذلك بموازاة اتفاق سياسي تدريجي أيضاً لإنهاء الانقسام، ودمج الضفة وغزة، والمؤسسات تحت قيادة وطنية موحدة مع شقّ مسار لا رجعة عنه نحو الدولة الفلسطينية.

في الأخير، باختصار وتركيز، سيبقى حزب الله في المشهد السياسي في لبنان، لكن لن يكون بالإمكان مواصلة هيمنته على القرار السياسي العام في البلد، وسينافس في الانتخابات القادمة كي يحسم الجمهور موقفه من الحزب كما الحرب ومجرياتها وتداعياتها على حاضر ومستقبل البلد، مع أمر فلسطيني مماثل، ولو بتحديث ما يراعي الخصوصية على أن تتواصل المقاومة المشروعة بكافة أشكالها في غزة، عبر إعادة بنائها وإعمارها، والضفة الغربية باعتبارها ساحة المقاومة الرئيسية، وعموم الأراضي المحتلة عام 1967 التي يفترض تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة ضمنها.

السابق
اخيراً وبعد ٤٠ عاماً في السجون الفرنسية.. جورج عبدالله الى الحرية!
التالي
بعدسة «جنوبية».. بيروت تتزيّن للأعياد على نيّة السلام