الوقوف مع الأحياء أولى من الاستشهاد بأقوال الأموات

السيد حسن الامين

في عالم مليء بالتحولات السريعة والتحديات المعاصرة، يبرز السؤال حول دور الأحياء في حمل شعلة التنوير ومواجهة الظلام. هل يكمن التقدم في الاستشهاد بحكمة الأموات، أم في الوقوف بجانب الأحياء المتنورين بالأصل، الذين يضحون بأنفسهم وأوقاتهم لإحداث تغيير ملموس؟ الإجابة، من منظور فلسفي، تميل إلى الانحياز للأحياء وجهودهم الآنية.

ثنائية الأموات والأحياء: تأمل فلسفي

منذ القدم، شكلت أقوال الحكماء والفلاسفة الأموات مصدراً للإلهام، إذ تحمل في طياتها خلاصة تجاربهم وتأملاتهم. غير أن هذه الأقوال قد تتحول إلى قيد، إذا استخدمت كأدوات للهروب من مواجهة الواقع، أو كذريعة لتجنب المسؤولية. الاستشهاد بالماضي قد يكون أحيانًا وسيلة للاختباء من التحديات التي يتطلبها الحاضر. فالاعتماد على أقوال الأموات، دون تفعيلها في سياق التحديات الراهنة، لا يضيف قيمة حقيقية بل يعزز الركود.

التضحية: معيار التنوير الحقيقي

الفلسفة في جوهرها، تبحث عن المعنى في الفعل والوجود، والتضحية هي ذروة الفعل الإنساني. التضحية للتنوير ليست مجرد شعار، بل تجسيد للحرية والوعي. حين يختار الأحياء مواجهة الظلم أو الجهل أو الظلام، فإنهم يتحملون عبئًا شخصيًا وثقافيًا. هذا الفعل يتطلب شجاعة تفوق شجاعة الاقتباس من الماضي. الأحياء الذين يتحدون الحاضر يمهدون الطريق لمستقبل أكثر إشراقًا، ويضعون أنفسهم في قلب عملية التغيير.

الاعتماد على أقوال الأموات، دون تفعيلها في سياق التحديات الراهنة، لا يضيف قيمة حقيقية بل يعزز الركود

الاستشهاد بأقوال الأموات: الهروب أم الخوف؟

قد يكون الاستشهاد بأقوال الأموات محاولة للهروب من الواقع، خاصة إذا استخدم للتبرير بدلاً من التحفيز. الخوف من التضحية أو من مواجهة المصاعب يجعل الإنسان يلوذ بالماضي، حيث تبدو الحكمة القديمة أكثر أماناً من المبادرة الفعلية. هذا النمط من التفكير يعكس ضعفاً فلسفياً وواقعيا، حيث يتم إخفاء عدم القدرة على التحرك خلف أقنعة الإعجاب بالماضي.

أولوية الأحياء في مشروع التنوير

الفلاسفة الكبار مثل هيجل وسارتر ونيتشه، أكدوا على دور الفرد الحي في صناعة التاريخ. هيجل يرى أن التقدم يتحقق من خلال الجدل الديالكتيكي، أي عبر المواجهة المباشرة بين الأفكار والواقع. سارتر شدد على أن الإنسان مسؤول عن أفعاله في الحاضر، وأن وجوده يتحدد من خلال اختياراته. أما نيتشه فقد حذر من الاستكانة إلى “أصنام” الماضي، ودعا إلى تبني روح “السوبرمان” الذي يصنع قيمه بنفسه.

نيتشه فقد حذر من الاستكانة إلى “أصنام” الماضي، ودعا إلى تبني روح “السوبرمان”

التنوير الحي: دعوة للتفاعل

الوقوف بجانب الأحياء الذين يضحون في سبيل التنوير، هو تجسيد للروح الفلسفية الحقيقية. التنوير ليس مجرد فكرة تُقتبس من كتب التاريخ، بل هو حركة حية تتطلب دعمًا ومشاركة. دعم الأحياء في تضحياتهم هو اعتراف بقيمتهم كفاعلين في الزمن الحالي، وهو في الوقت ذاته تحرر من عبء الاعتماد المفرط على حكمة الماضي.

خاتمة

في عالم تتسارع فيه الأحداث، وتتزايد فيه الحاجة إلى التغيير، لا يكفي أن نستشهد بأقوال الأموات، مهما بلغت حكمتها. الفعل الحقيقي يكمن في الوقوف بجانب الأحياء الحكماء أيضا الذين يبذلون أنفسهم من أجل مستقبل أفضل. الفلسفة ليست هروباً إلى الماضي، بل هي مواجهة للحاضر، ورؤية للمستقبل من خلال شجاعة الحاضر. هكذا، يكون التنوير فعلاً حياً نابضاً، وليس مجرد صدى لحكمة غابرة.

السابق
في سوريا.. استهداف اسرائيلي لمسؤول في «الحزب»!
التالي
وكالة الحوزة العلمية في إيران: إسرائيل استعانت بالجن لمعرفة مواقع أنفاق حماس و«الحزب»!