تغرقنا وسائل الاتصال بسيل من الفيديوهات والأخبار، بحيث اصبح من الصعب تفريق الغث من الثمين، بشكل مبالغ فيه.
من بين ما هو متداول استمرار فيديوهات مستفزة بلسان بعض الشيعة، يستخدمون فيها لغة التهديد المبتذل والاستقواء والغلبة، في وقت تمّحي فيه القرى الحدودية عن الوجود.
هناك من يعيد بث تهديدات تعود لما قبل الأحداث الأخيرة. يستخدمها البعض للأسف، كذريعة لتجييش النفوس وحقنها، عند الجماعات المتعارضة. يشكّل ذلك الأرضية لعنف أهلي أو احتراب، لمن يريد استكمال خراب لبنان.
ويستمر الحزب الله بعنترياته، وكأن شيئاً لم يكن. مستهدفاً كل من يعارض الحرب، بتهمة العمالة والخيانة!!
السؤال البديهي كيف وُظّفت وتوُّظف هذه الاتهامات المتبادلة!!
وظيفتها التضليل، وتشتيت وإضعاف قدرة اللبنانيين على الرؤية بوضوح؛ لتختلط لديهم الأمور، وتضعف الثقة فيما بينهم.
صبّ ذلك فيما مضى، في مصلحة الحزب الساعي إلى السيطرة. وطالما نجح في حرف النقاش العام، عن القضايا الحقيقية التي تؤثر على حياة الناس، وخلق حالة الانقسام التي عشناها، ونعيشها، لتعطيل المحاسبة. لا داعي للإضافة ان ذلك تم بتواطؤ السياسيين.
وتداعيات هذا النهج، مع استمرار الحرب، هي الأخطر على السلم الأهلي في الوقت الحالي. حيث تُزرع بذور الشك في نفوس المواطنين تجاه بعضهم البعض. مما يضعف الروابط الاجتماعية، ويعزز الفروقات الطائفية والسياسية. فيصبح من الصعب الحفاظ على التضامن القائم، كما يصعِّب الوصول إلى حلول توافقية ومشتركة. فتزداد المخاوف من التصادم بين الأطراف المتنازعة.
الوضع يُمهّد الطريق، لمزيد من التدخلات الخارجية ويزيد الأمور تعقيدًا
وهذا الوضع يُمهّد الطريق، لمزيد من التدخلات الخارجية ويزيد الأمور تعقيدًا. كما تُصبح إمكانية استعادة وبناء الدولة، أمرًا بعيد المنال. لأن جوهر الديمقراطية، القدرة على المحاسبة والشفافية. والذي يحصل يقضي على مقومات وجود وطن عمداً، لصالح الاستقطاب والفوضى.
هل سأل الحزب نفسه، اذا كان من مصلحة الشيعة او من مصلحته الاستمرار بخلق مثل هذه الأجواء العدائية، سواء الآن أو على المدى الطويل؟ وهل بدأت البيئة الشيعية القريبة من الحزب، والتي كانت تستند الى فائض قوة الحزب للاستقواء على سائر اللبنانيين، تعود الى بعض التواضع والتعقل، وتعي أخطاءها؟ ألم تلاحظ، انها في محنتها، لم تجد غير اللبنانيين الذين استعدتهم وخونتهم ليحتضنوها؟
فمن الذي استفاد من هذا الوضع، سوى إيران؟ التي سبق أن اعلنت احتلالها للبنان بواسطتهم!!
ألم يحن أوان السؤال كيف الخروج من هذه الدوامة؟
وهل بالامكان تخطي هذا الواقع ومعالجته، في ظل الظروف المتفجرة والمشاكل المتراكمة؟
بعد اولوية تسليم السلاح ووقف الحرب وانتخاب الرئيس، يمكن لبعض الاقتراحات، التي قد تبدو نوعا من الخيال الرومانسي، ان تكون بداية جيدة. فنحن لا نملك سوى ان نحلم بغد أفضل، وبوطن لم ننجح في بنائه حتى الآن.
المعالجة تتطلب إستراتيجية متعددة المستويات وعلى مراحل، وتستهدف تفكيك أدوات التفرقة، وبناء مناخ من الثقة المتبادلة على أسس شفافة وعادلة.
ومن شروط هذا العلاج:
ـ إرادة داخلية جامعة: تتفق فيها القوى السياسية اللبنانية على استراتيجية وطنية، تضع مصلحة البلاد فوق مصالح الأطراف الخارجية. هذا يتطلب رؤية مشتركة لحماية السيادة اللبنانية.
إذا تمكنت الدولة من تحسين الاقتصاد ومعالجة الفقر والبطالة، فقد تخفّ الضغوط على المواطنين
ـ تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية: فيسعى للحصول على دعم دولي، لإبعاد نفسه عن المحاور الإقليمية المتصارعة، والاستفادة من مكانته المحايدة ليكون جسرًا للسلام بدلًا من ساحة للنفوذ.
ـ الاصلاح الاقتصادي والاستقرارالاجتماعي: فالتدهور الاقتصادي يدفع الناس للارتهان للقوى السياسية، التي تملك التمويل والدعم الخارجي. إذا تمكنت الدولة من تحسين الاقتصاد ومعالجة الفقر والبطالة، فقد تخفّ الضغوط على المواطنين، مما يعزز السلام الداخلي.
ـ دعم دولي متوازن: يتطلب تحقيق السلام الداخلي مساعدة من القوى الدولية، خصوصاً الاميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. على هذه القوى دعم لبنان دون تفضيل طرف على آخر، لضمان استقرار شامل ومتماسك.
إذا حدث نوع من التوافق الإقليمي بين إيران والسعودية، برعاية دولية، بخفض التوترات في المنطقة
ـ التسوية الإقليمية: فالحل النهائي ليس بيد اللبنانيين وحدهم؛ فإذا حدث نوع من التوافق الإقليمي بين إيران والسعودية، برعاية دولية، بخفض التوترات في المنطقة، فقد يؤدي ذلك لتقليص التدخلات الخارجية، مما يعطي اللبنانيين مساحة أكبر لتحقيق توافق داخلي.
الأزمة الحالية قد تدفع المزيد من اللبنانيين والسياسيين، لإعادة النظر في الأولويات
بالرغم من أن هذه الشروط قد تبدو بعيدة المنال، إلا أن الأزمة الحالية، قد تدفع المزيد من اللبنانيين والسياسيين، لإعادة النظر في الأولويات والسعي نحو حل أكثر استدامة.
يتطلب ذلك طبقة جديدة من المسؤولين. وهذا رهن بوعي اللبنانيين.