هدنة صغرى أم كبرى.. ماذا عن نهاية الحرب؟

غزة نزوح

طرح الوسطاء على الطاولة فكرة التوصل إلى هدنة صغرى في غزة، وتبادل أسرى محدود وضيّق، على طريق التوصل إلى هدنة أخرى كبرى، وبالتالي نهاية الحرب بشكل تام، بينما رفضت حركة حماس الفكرة صراحة، مصرّة على مطالبها الأربعة المتمثلة بوقف إطلاق نار نهائي، وانسحاب تام وشامل من غزة، وعودة النازحين وإدخال المساعدات والإعمار بموازاة التوصل إلى صفقة تبادل أسرى جدية وعادلة. 

المطالب هذه تبدو صعبة وشبه مستحيلة كون نهاية الحرب مرتبطة مباشرة باليوم التالي في غزة، وتتداخل وتتفاعل فيها عوامل عدة إسرائيلية وعربية ودولية، ناهيك عن غياب الرؤية الفلسطينية الواحدة لسيناريو وطبيعة المشهد ما بعد الحرب في غزة والضفة الغربية، بشكل عام.

اقرأ أيضاً: خطة الجنرالات بين الوهم والحقيقة

إذن، بعد توقف لشهرين أعاد الوسطاء – مصر وقطر والولايات المتحدة – تشغيل محركاتهم عبر طرح فكرة التوصل إلى هدنة صغرى ومحدودة من أيام – يومين حسب المقترح المصري، و28 حسب المقترح القطري، على أن تشهد تبادل أسرى – 4 في مقترح القاهرة و8 في مقترح الدوحة – وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، والذهاب إلى مفاوضات بعد 10 أيام ولمدة أسبوعين، حسب الاقتراح المصري، والأربعة أسابيع نفسها حسب الاقتراح القطري، من أجل التوصل إلى صفقة تبادل شاملة وهدنة دائمة تكفل إنهاء الحرب وانسحاب جيش الاحتلال من غزة.

تكمن الفلسفة – الفكرة هنا في تصور أن الهدنة الصغرى قادرة على كسر الجمود وإعادة الحياة للمساعي والمفاوضات بعد توقفها لشهرين، وبالتالي خلق ظروف مناسبة أكثر من أجل التوصل إلى هدنة دائمة، وإنهاء الحرب مع اقتناع الوسطاء وحتى المؤسسة الأمنية في إسرائيل، بأن الخيار العسكري استنفذ نفسه في غزة، وباتت الأرضية مهيأة للتسوية السياسية.

من جهة أخرى، يعني هذا ضمناً التخلي عن وثيقة الرئيس الأميركي جو بايدن بمراحلها الثلاث التي لم تعد على الطاولة، علماً أن بايدن كان قد طرحها نهاية أيار/مايو الماضي، وتبناها مجلس الأمن الدولي منتصف حزيران/يونيو، ووافقت حماس عليها رسمياً مطلع تموز/يوليو، قبل أن ينقلب عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نهاية الشهر نفسه، عبر ما تعرف إعلامياً في تل أبيب، بوثيقة الدم التي أصرّ فيها على البقاء في محور فيلادلفيا الحدودي وممر نتساريم وسط القطاع، وفرض قيود تعجيزية على عودة النازحين “عبر الممر”، من الجنوب إلى شمال غزة.

وثيقة بايدن تجاوزتها الأحداث ليس فقط لتوقف الوساطة والانتخابات الأميركية، إنما نظراً للعملية العسكرية الإسرائيلية الجارية شمال غزة، واتباع سياسة التهجير القسري، وإضافة مزيد من النازحين من الشمال إلى الوسط والجنوب.

كانت حماس وبعد ترحيب خجول بالفكرة لعدم الرغبة في الاصطدام مع المقاربة والفكرة المصرية المتضمنة هدنة صغرى على طريق الكبرى، قد أعادت طرح شروطها الأربعة المعروفة التي تتمسك بها منذ شهور، والتي تشمل وقف النار والانسحاب وعودة النازحين وإدخال المساعدات لغزة وإعادة الإعمار بموازاة أو مقابل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى جدية.

هنا ثمة خلل منهجي في التفكير، وعجز عن قراءة وتشخيص الواقع الغزاوي والفلسطيني بشكل دقيق واستخلاص العبر المناسب والصحيحة منه

ومبدئياً، لا يمكن اعتبار وجود 101 أسير، نصفهم أو أقل من الأحياء، ورقة قوة لإجبار إسرائيل على وقف الحرب والانسحاب، ناهيك عن تراجع الضغوط الجدية الشعبية والجماهير على نتنياهو ضمن تراجع الاهتمام بقضية الأسرى وغزة بشكل عام، خصوصاً بعد الانتقال شمالاً إلى الجبهة اللبنانية، وجرّ طهران إلى المواجهة المباشرة التي تقول إسرائيل إنها انتظرتها طويلاً مع إيران.

من جهة أخرى، لا تملك حماس فعلياً القوة العسكرية لرفع الكلفة وإطالة الحرب على الاحتلال – الكلفة أساساً هي اقتصادية ودولية وتظهر أثارها على المدى الطويل – وخوض معركة استنزاف بالمعنى الدقيق للكلمة حتى مع استمرار القتال المتفرّق في الشمال، لكن ليست بوتيرة تجبر إسرائيل على وقف الحرب.

والشاهد هنا، أن الهدنة أيّا كانت، ولو ليوم واحد وساعة واحدة، هي لصالح الناس، لتخفيف معاناتهم ووقف آلة الإبادة والقتل ضدهم، مع إدخال المساعدات والإغاثات الإنسانية الضرورية لهم مقابل الإفراج عن عدد قليل من الأسرى لدى حماس من الحالات الإنسانية – نساء ومرضى وجرحى – 4 حسب مقترح القاهرة، و8 حسب الدوحة، وفق معادلة 10 أسرى فلسطينيين مقابل كل منهم، ما يعني بقاء معظم الأسرى – 40 تقريباً – خصوصاً العسكريين منهم بحوزة الحركة من أجل إخراج أصحاب المؤبدات والمحكوميات الطويلة، وفق معادلة مختلفة أكثر من 10 مقابل 1، ربما تصل إلى 30.

وببساطة مقابل الهدنة الصغرى، سيتم الافراج عن أسرى فلسطينيين بالعشرات وإدخال المساعدات وعودة النازحين، ولو جزئياً، إلى الشمال، وبالحد الأدنى وقف التهجير القسري هناك، خصوصاً إثر تقسيمه إلى شمالين، وتكريس هذا الوضع في حملة التلقيح الجارية ضد شلل الأطفال والتي انطلقت المرحلة الثانية  منها في محافظة غزة لا الشمال الذي لا يزال يواجه الإبادة والتهجير قسري.

أما وقف النار الشامل والانسحاب التام، فمرتبط تماماً ومباشرة باليوم التالي في غزة. وهنا ثمة عوامل أخرى تتجاهلها حماس أو لا تريد التعاطي وتمثل سلة متكاملة تشمل توافق فلسطيني ومساندة عربية ودعم دولي.

وبتفصيل أكثر، وفيما يتعلق باليوم التالي، ثمة صعوبة وحتى استحالة بقاء حماس في السلطة بغزة، مع استمرارها في المشهد الغزاوي والفلسطيني كونها حاضرة جدياً ويصعب تجاوزها، ويحتاج الأمر هنا بالضرورة إلى توافق وطني واسع وتشكيل حكومة وحدة من شخصيات مستقلة مصداقة وجديرة، تأخذ على عاتقها إعادة توحيد الضفة وغزة وبناء المؤسسات الوطنية وتعيين لجنة موثوقة من كفاءات نزيهة لإدارة غزة وإعادة إعمارها، تمثل الحكومة مرجعية لها، مع ضمان مشاركة الحركة في الانتخابات بعد عامين أو ثلاثة، حسب مجريات الأمور وإعادة الإعمار في غزة.

هذا لا يعنى أبداً تجاهل ضرورة إصلاح منظمة التحرير كمرجعية وطنية عليا للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، ومواكبة خلق وبناء أفق سياسي جدي ولا رجعة عنه نحو الدولة الفلسطينية المستقلة.

وببساطة، يُفترض أن تتكامل هذه الحزمة كي تمثل أسس وقواعد الرؤية الفلسطينية لليوم التالي للحرب، وطلب الدعم العربي والدولي لها، كي لا يتم فرض أي رؤية مناقضة إسرائيلية أو دولية، وبما يتناقض مع مصالحنا الوطنية والتضحيات الهائلة وغير المسبوقة التي قدمها شعبنا ولا يزال.

السابق
خامنئي عن لبنان: الجهاد مستمر واسرائيل ستُهزم على يد «الحزب»
التالي
بالفيديو: عدوان اسرائيلي يستهدف مستوصفاً لوزير سابق!