حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: وسام إمتنان من نتنياهو لفيلق الممانعة

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يقال ان رش الملح على الجرح، عمل يتصف بقسوة تصل الى حد الوقاحة والشماتة، هذا أمر صحيح، ولذلك يتوجب مراعاة خواطر الضحايا، وكفكفة جراحاتهم والتخفيف من آلامهم، ومساعدتهم على الخروج من إحباطهم و معاناتهم وقلقهم، عبر التعامل معهم بلطافة ولياقة.

ما ينطبق على المدنيين من اهالي الجنوب والضاحية ومنطقة بعلبك الهرمل، لا ينطبق على خيارات “حزب الله:، وخاصة على ماتبقى من قيادته وكوادره وابواقه واعلامييه، فهؤلاء لا ينتمون لمجاميع الضحايا، ولا الى فريق المظلومين الابرياء، الذين يدفعون اثمانا لا قدرة لبشر على تحملها.

قيادة “حزب الله” مسؤولة عن الكارثة وليست ضحية من ضحاياها، فقد صنعت هذه الحرب، ووسعتها واصرت عليها وجرَّت لبنان الى هاويتها، وصمَّت آذانها عن سماع اي صوت وطني، حاول ان ينصحها ويقنعها بعدم جدوى معركة المساندة لغزة، ويُبَيِّن لها خطورة الانجرار الى مأزق وصلنا اليه، ونكبة حلت على شيعة لبنان وبقية شعبه، وان كانت تصح حملة الاحتضان والتضامن الوطني، مع اوسع شريحة من ابناء الطائفة الشيعية، فإنه في الوقت نفسه، لا ينبغي ان يتحول التضامن الوطني، تضامنا مع خيارات “حزب الله” وارتهانه لمصالح ايران، خاصة وان لغة الحزب مازالت تتسم بفوقية مستفزة، وبلهجة تخوينية، تارة تُعَيِّر السلطة، التي تقودها وتديرها الثنائية المذهبية، بعدم القيام بواجباتها تجاه النازحين، او بحماية قيادي يتخفى في البترون، وتارة ترفع راية العتب واللوم، على مواقف العرب ودولهم، وفي كل وقت التزام دقيق بتعليمات ايران ومصالحها وسلامة اراضيها، ولو اقتضى ذلك التفريط بمصالح شيعة لبنان وشعبه ودولته.

لذلك من الضروري ان نُذَكِّرَ الحزبَ بمزاعمه و”بهوراته”، حول تَفَوقِه وإمتلاكِه قوةَ ردعٍ, تُرهِبُ العدو وتمنعه من اي تصعيد او حرب مفتوحة، ومن المفيد ان نساعده لكي يصحو من اوهامه، بان نسترجع معه خبرياته حول العبور الى الجليل، وخبريات قيادات الحرس الثوري بقدرة ايران, على تسوية تل ابيب بالارض، وعلى عزمها، لحظة تلقي الامر من المرشد القائد علي خامنئي، على تدمير كيان العدو بدقائق لا تتعدى السبع دقائق والنصف، و للاسف والعار ان الاحداث قد أثبتت، زيف هذه الادعاءات وتفاهة مضامينها.

ومن الضروري استعادة مشاهد ولغة استعلائه، على كل محاور او ناقد او ناصح، وتذكيره بممارسته عنجهية منفلتة تجاه كل خصم سياسي…
كما سيكون مفيدا له وللبنان، استعراض المعارك التي خاضها ضد اغلبية دول الخليج، او العمليات الأمنية التي طالت دولا عربية عديدة، من دوره في مذبحة الاسد في سوريا، الى المشاركة بفتنة العراق، الى خوض معركة الحوثيين في اليمن، والقيام بقصف مدن المملكة العربية السعودية ومن بينها مكة المكرمة، ودوره في دعم معارضة البحرين، واستعدائه لكل الدول العربية، من مصر الى الامارت والكويت والاردن والمغرب والبحرين، ويستدعي استغراب الرئيس نبيه بري للموقف العربي المتفرج على ما يجري في لبنان، والاكتفاء بدور إغاثي، لا ينتقل الى تحرك سياسي فاعل، يضغط لوقف الكارثة المتفاقمة، يستدعي هذا الاستغراب سؤالا صريحاً لبري و”حزب الله”؛ ماذا سلفتم لكل الدول العربية من جميل، لكي تطالبونهم برده اليكم في لحظات انكشاف اوهامكم الهاذية؟!

و لا بد ايضا من عرض محطات استعلائه، واعتدائه على كل الاطراف السياسية والطوائف اللبنانية، والتي في لحظة الكارثة، تجاوزت كل شعور بالمرارة، وتبنت قيم الشراكة الوطنية والتضامن الانساني …

ولا بد من مساءلته، على استخفافه بخطر العدو الاسرائيلي وتجاهل وحشيته، وعلى اوهامه وإيهامنا بتصوير محور الممانعة صلب ومتماسك، ويمكن ان يسانده ويشاركه القتال وقت الشدة، ويمنع استفراده كما جرى، وعلى تعظيم شأن ايران وتكبير قوتها، وعلى تصويرها خلافا للحقيقة، قوة اقليمية عظمى تخشاها اسرائيل، وتحسب حسابها اميركا، وعلى التسليم بمصداقيتها تجاه قضية فلسطين، انطلاقا من العقيدة وقيم الاسلام، وحتى لو اقتضى ذلك خسارة بالمصالح الايرانية.

إن محاولة الحزب وابواقه السعي لتجنب فتح هذا النقاش، هو اعلى درجات التهرب من المسؤولية، وافدح درجات التنصل من تحمل نتائج الكارثة، التي تسبب بها لابناء الطائفة الشيعية خاصة، وعموم الشعب اللبناني عامة…

إن الاستخفاف بآلام الناس الذين يواجهون الموت والدمار والتهجير والمذلة والتشرد، قد ظهر في موقف الشيخ نعيم قاسم، ومطالبته بوقف اطلاق النار، والباقي تفاصيل نبحثها لاحقا!! فغيفارا “جنابه” لا وقت لديه لمناقشة امن مليون نازح ومصيرهم، واعمار بيوتهم، وتأمين شروط عودتهم الى بيوتهم، والسعي لاعادة تكوين السلطة، واستيلاد دولة لبنانية، تفاوض باسم لبنان، وتعيد انتظام مؤسسات دستورية ترعى المصلحة اللبنانية العليا، وتقدم الضمانات المطلوبة، لتطبيق نزيه وامين للقرار ١٧٠١، وترعى تأهيل وتجهيز وتسليح الجيش اللبناني للانتشار في الجنوب، وضبط المطار والمرفأ وبقية المعابر الحدودية.

وقف اطلاق النار هذا، كان مطلبا اسرائيليا وغربيا واميركيا، خلال عشرة اشهر مضت لماذا لم يقبل به “حزب الله”؟! ورفضه تكرارا مع كل الموفدين الغربيين والمبعوث الاميركي.

الزعم بان اسرائيل كانت تعد عدتها للحرب، سواء كان هناك حرب مساندة ام لم تكن، وان الحزب فتح المعركة لكي لا تباغته اسرائيل اولا!

كان متاحا وقف اطلاق النار، وكان متاحا التطبيق المريح للقرار ١٧٠١ منذ ٢٠٠٦، وكان متاحا ابقاء الوضع في الجنوب والحفاظ على الوضعية التي كانت قائمة في ٦ تشرين ٢٠٢٣، لماذا فتحت حرب مساندة لا فائدة منها لغزة؟ ولماذا لم تقفل هذه الحرب خلال عشرة اشهر بعد اطلاقها وكان ذلك متاحا؟!
واما الزعم بان اسرائيل كانت تعد عدتها للحرب، سواء كان هناك حرب مساندة ام لم تكن، وان الحزب فتح المعركة لكي لا تباغته اسرائيل اولا! حسنا، مضحك مبك هذا الزعم، لان اسرائيل باغتت “حزب الله”، بين ايلول وتشرين بضع عشرات من المرات وستباغته مع كل يوم جديد!

من يرتكب كل هذه الحماقات في الخيارات، لا يحق بعدها ان يقرر مصائر الشيعة وبقية اللبنانيين، ولا ان يقرر مستقبلهم.
ومن يشتري “بايجرات” صنعها “الموساد” لا يصلح لكي يحفظ امن اللبنانيين، طالما انه فشل في حفظ امن كوادره ومنتسبيه؟!

من يعشش الجواسيس في هيكلياته والحلقة الضيقة من قيادته، عليه اولا ان يخجل، وان يمارس تواضعَ وحياءَ مرتكب الخطيئة

ومن ينتسب لفيلق القدس الايراني، وتثبت الوقائع ان “الموساد” الاسرائيلي، يخترق على السواء مكتب قيادة الفيلق، مما مكن العدو من قتل اميني عام الحزب حسن نصرالله وهاشم صفي الدين وقيادة “الرضوان”، ويخترق ايضا عاصمتي دولتي المحور طهران ودمشق، مما مكن العدو من إغتيال اسماعيل هنية رئيس حركة “حماس” في طهران وقيادة فيلق القدس في دمشق، من يعشش الجواسيس في هيكلياته والحلقة الضيقة من قيادته، عليه اولا ان يخجل، وان يمارس تواضعَ وحياءَ مرتكب الخطيئة، لا غرور وصلافة المقتدر، ويمتنع عن التنطح لإعطاء الشهادات بالوطنية، او التجاسر بتهم زائفة لاخصامه بالعمالة او خدمة العدو.

فالعدو الاسرائيلي ومجرم الحرب نتنياهو، اذا كانوا يريدون ممارسة عرفان الجميل والامتنان على نجاحاتهم، فسيختارون منح وسام الامتنان الذهبي، اولا لقيادة “فيلق القدس”، بكل تكويناتها الايرانية والسورية واللبنانية ايضا.

السابق
غارة بصاروخ موجه على سيارة بالقرب من حاجز الجيش في بيت ياحون!
التالي
بعد البترون.. كوماندوز اسرائيلية تختطف سورياً من درعا!