في الوقت الذي كان فيه الأطفال في أوستن، يفرحون بيوم البربارة، كان أطفال لبنان، يعيشون حالة رعب وهلع من القنابل التي كانت تتساقط على وطنهم. بعضهم تحوّل إلى أشلاء، والبعض الآخر، قتل تحت ركام بيوتهم، وفي أحضان أمّهاتهم، وآخرون هربوا إلى العراء، تاركين ألعابهم تحترق على أسرّتهم.
ما ذنب الأطفال في بلادي! ذنبهم أنّهم في وطن تتجاهل حكومته ضرورة محاسبة المجرمين بحقّهم. وأنّ بلدهم يقع في الشّرق الأوسط حيث لا حدود للفوضى والفلتان من العقوبة فيه. فالتّحكّم في ألشّرق الأوسط، أغمض أعين قادة الدّول الحرّة عن الجرّائم بحقهم. التّحكّم في الشّرق الأوسط، حاجة استراتيجيّة تغلب المفاهيم الحقوقيّة والمبادئ الدّوليّة.
بدلا عن محاسبة المجرمين، ساهمت الدّول الحرّة بالتّورية عليهم، رغم أنّ أحكام المعاهدات الدّوليّة في إطار القانون الدولي الإنساني، يمنع الحصانة عن مرتكبي جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
سمحت التّورية عن جرائم هؤلاء، بتحويلهم إلى أبطال يتعلم الأطفال تمجيدهم في دور الحضانة، وفي الأندية الكشفيّة، وفي السّاحات العامّة، وفي بيوت آبائهم وأجدادهم، وفي الأديرة والجوامع. صارت عيون الأطفال تشرق فرحا، وهم ينظرون إلى خداع المجرمين الذين يبيعونهم الأوهام، فيصافحون الأيدي التي يبشّرونهم بقطعها. فإلى متى؟
لا يمكن بناء السّلام في لبنان من دون محاسبة المسؤولين عن مصائبه.
لن يكون لبنان الغدّ كالأمس سيدفع بنا الشّرق الأوسط الجديد إلى عصر العصرنة والحضارة العالميّة ويخرجنا من موروثات القرون الوسطى
لقد عملت الدّول الحرّة على إنشاء المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، لمحاكمة مثل هؤلاء المجرمين، لكنّها تبدو، كأنّها تعامل المجرمين على أساس تمييزيّ وفقا للمناطق. فالشّرق الأوسط خارج هذه المعادلة.
يبدو أنّ الغرب نجح أخيرا بتدجين الثّوّار القوميين العرب، وبدفعهم الى الحظيرة. قريبا، يتمّ تدجين إيران، ودفعها إلى الحظيرة. وقريبا جدّا، ستعود المساءلة. لن يفلت أصحاب الأيدي الملوّثة بالدّماء من المسؤوليّة. سيأتي اليوم الذي تنطلق فيه حركة الإدّعاءات الشّخصيّة، والحقوق العامّة ضدّ كلّ هؤلاء. وعليه، يجب إلغاء قانون العفو، كما تمّ إلغاء إتّفاق القاهرة، فهما وجهان لعملة واحدة، إسمها استرقاق سيادة لبنان واستقلاله، وكرامته الوطنيّة بين الشّعوب. لن يكون لبنان الغدّ كالأمس. سيدفع بنا الشّرق الأوسط الجديد إلى عصر العصرنة، والحضارة العالميّة، ويخرجنا من موروثات القرون الوسطى.
قد تبدو ملاحقة قادة الميليشيات التي شاركت في الحرب أكثر صعوبة بسبب أنّ معظم قادة أوروبّا تعاملوا معهم وأصبحوا بالتّالي مسؤولين عن التّعاون مع مجرمي حرب
لطالما نصحنا جماعات الأحزاب، وأصحاب الأيادي الملوّثة بدماء الحرب الأهليّة، بإتّباع نهج مانديلّا لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقيّة، والخروج من حالة الحرب ( مؤتمر المصارحة والمصالحة). الا انّهم أصرّوا على رفض الإنتقال إلى المصالحة الوطنيّة الحقيقيّة، واستمرّوا طوعا في السّلطة ممّا حوّل ارتكاباتهم من عمليّة إكراه غير طوعي، إلى عمليّة ارتكابات طوعيّة. لم تستفق ضمائرهم، بلّ استساغت ما قاموا به، فاستمرّوا بإدائهم الميليشياوي بصيغة تقاسم المغانم والسلطة. توافقوا في مجلس الوزراء الذي جمعهم. وتوافقوا على التّنازع الظّاهري على ساحات الأرض، لمنع النّاس من الخروج عن ولاءاتها لهم. جرائمهم أصبحت لذلك، مستمرّة، وصارت تخضع لسلطان المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، بلّ ولسلطان المحاكم الخاصّة في الدّول التي تسمح لمحاكمها بملاحقة مثل هذه الجرائم. وعليه، أصبح من الممكن لكلّ الضّحايا منذ بداية الحرب الأهليّة، مراجعة المحاكم الدوليّة لملاحقة الذين دمّروا حياتهم، ونهبوا ثرواتهم، وخانوا وطنهم، وساهموا في نهضة ميليشيا الحزب الإيراني. قانون العفو لا يحميهم من القضاء الدّولي.
يبدو أنّ الغرب نجح أخيرا بتدجين الثّوّار القوميين العرب وبدفعهم الى الحظيرة قريبا يتمّ تدجين إيران ودفعها إلى الحظيرة
قد تبدو ملاحقة قادة الميليشيات التي شاركت في الحرب، أكثر صعوبة، بسبب أنّ معظم قادة أوروبّا، تعاملوا معهم، وأصبحوا بالتّالي، مسؤولين عن التّعاون مع مجرمي حرب. لكنّ الأمل في أن تغلب حرّيّة القضاء في تلك الدّول، كبير. أمّا قادة ميليشيا الحزب الإيراني، والميليشيات التي تدعمه ممّا يسمّى أنصار مقاومة، فحسابهم سيكون عسيرا.
إقرأ أيضاً: وزارة الصحة: 2897 شهيداً و13150 جريحاً منذ بدء العدوان!
ما أعظم جريمة هؤلاء! لم يقاتلوا للدّفاع عن بيئتهم وأهلهم كما فعل قادة الميليشيات في الحرب الأهليّة، بل أغرقوهم في بحور الدّم، ودفعوا بهم تحت مخدّر دينيّ، إلى الإنتحار الجماعي، والقبول، بلّ واستساغة الموت، وتدمير بيوتهم، وإغراق شركائهم في الوطن رغما عنهم، بحالة الفوضى والمديونيّة نتجة أفعالهم. كما أنّهم أضاعوا سيادة وطنهم، وارتهنوا قاداته وكرامته الوطنيّة، وجعلوه ساحة مستباحة لحروب الآخرين على أراضيه، معلنين صراحة ومن دون مواربة، أنّهم يعملون لمصلحة دولة خارجيّة. لا أفهم لماذا لا يبدأ المحامون الأحرار بإقامة الدّعاوى الدّوليّة، ضدّ القادة والمسؤولين الذين يقدّمون له الحماية؟