العلامة الراحل الأمين: الديمقراطية آلية إنتاج السلطة.. ولا تتنافى مع الإسلام

السيد محمد حسن الامين

في نيسان عام 2003 صدر العدد الاول من المجلة الفكرية “الاسلام والديموقراطية”، أجرت فيه مقابلة مع العلامة الراحل المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين.

يقول محاوره الصحافي العراقي محمد الكناني “ان العلامة السيد محمد حسن الأمين، يقطع في حواره الممتع مع “الإسلام والديمقراطية” الشك، الذي ربما ما زال يراود أذهان العديد من الإسلاميين في مسألة الديمقراطية، حين يقول أن هذه الكلمة ذات الجذر اللغوي اليوناني، ليست مذهباً عقائدياً يخالف الإسلام.ومع أنه ليس من المتوقع أن ينهي هذا الكلام سجالاً فكرياً مريراً بين الإسلاميين، حول الديمقراطية وجواز العمل بها إسلامياً، إلا أنه من المؤكد أنه سيكون له أثر كبير في قناعات الكثيرين، لما يحتله الأمين من مكانة فكرية ودينية محترمة، لدى المسلمين في شتى بقاع الأرض.

وكعادته، عادة المفكر الإسلامي المتمرس بالإسلام، والمثقف المتسلح بثقافة العصر، ليأمن معها من اللوابس كما يقول الحديث الشريف، ليقول أن “الديمقراطية بذاتها ليست عقيدة سياسية” كما أنها “لا تشترط صيغة أو عقيدة محددة للدولة أو لنظام الحكم.. إنها باختصار آلية إنتاج السلطة بواسطة الانتخاب الشعبي الحر”.

فيما يلي الجزء الأول من نص الحوار مع العلامة الأمين:

  • كيف تفهم الديمقراطية وهل تعتبرها عقيدة سياسية ومذهباً فكرياً مقابلاً للإسلام؟

الديمقراطية بذاتها ليست عقيدة سياسية وإن كانت تتصل بمعنى العقيدة إذا نظرنا إلى مفهومها لشرعية السلطة، فالديمقراطية لا تتوفر إلا بالاختيار الحر من قبل الشعب أو الأمة لسلطاتها… وما عدا ذلك فإن الديمقراطية لا تشترط صيغة أو عقيدة محددة للدولة أو لنظام الحكم.. إنها باختصار آلية إنتاج السلطة بواسطة الانتخاب الشعبي الحر.

الديمقراطية لا تتوفر إلا بالاختيار الحر من قبل الأمة لسلطاتها وما عدا ذلك فإن الديمقراطية لا تشترط صيغة أو عقيدة محددة للدولة أو لنظام الحكم

وإذن، فالديمقراطية ذات علاقة عضوية بمبدأ الحرية.. وبعبارة أخرى فهي تنزيل لمبدأ الحرية من مجاله الفلسفي الأخلاقي إلى ميدان اجتماعي سياسي قانوني.

بهذا المعنى لا يمكن أن تكون الديمقراطية عقيدة أو مذهباً فكرياً مقابلاً للإسلام، حيث لا يمكن للإسلام – وهو دعوة لتحرير الكائن الإنساني من كل أشكال العبودية والاستلاب – أن يكون نقيضاً لمبدأ الحرية أو مخالفاً لجوهرها.. وليس مبدأ الشورى القرآني سوى تأصيل لما تؤول إليه الديمقراطية وإن كان الاجتماع الإسلامي لم يحقق هذا المبدأ (الشورى) ولم يتحول هذا المبدأ إلى مؤسسات وآليات في الاجتماع الإسلامي لأسباب لا يتسع المجال لبحثها.

إن المسلمين بمعزل عن مبدأ الحرية في اختيار نظامهم السياسي والاجتماعي، كيف بوسعهم أن يفرضوا شكل نظامهم وصورته وفق مستلزمات عقيدتهم؟!

  • الديمقراطية تقول بسيادة الشعب والإسلام يقول بحاكمية الله، كيف يمكن التوفيق بينهما؟

لا يوجد مفارقة بين القول بسيادة الشعب وحاكمية الله، وقصارى ما يمكن تصوره في هذا المجال، أن تأتي نتيجة اختيار الشعب لنظام حكمهم، مخالفة لصور الاجتهاد التي يطرحها مفهوم حاكمية الله.. وفي هذه الحالة فإن المشكلة ليست في الديمقراطية، ولا في الصيغة المطروحة لمفهوم حاكمية الله، ولكنها في قناعات الشعب المختار…. في عدم قدرة المنادين بحاكمية الله، في تحويل هذا المفهوم إلى ثقافة عامة وإرادة شعبية غالبة.. ومتى استطاع هؤلاء أن يحققوا غالبية شعبية لهذا المفهوم، ولصيغة من صيغة، فسوف تكون نتيجة الانتخاب الديمقراطي لصالح هذه الصيغة، وستبدو الديمقراطية وسيلة عادلة وحيادية، ولا تتنافى مع مبدأ حاكمية الله، ما دام هذا المبدأ يمثل إرادة الجماعة المعينة.

  • هل يمكن اعتماد الآليات الديمقراطية في إطار المشروع الحضاري الإسلامي مع اختلاف الأرضية الفكرية لهما؟

من وجهة نظرنا، فإن أبرز أسباب ارتكاس المشروع الحضاري الإسلامي، هو الفشل في اعتماد قواعد للسلطة، تقوم على أساس مبدأ الشورى الإسلامي، أي في تعطيل هذا المبدأ بالرغم من أصالته الإسلامية، في بقاء السلطة في الاجتماع الإسلامي، قائمة على مبدأ القهر والغلبة.

لقد منع الفقهاء من قبل السلاطين من الاشتغال على مبدأ الشورى إلا في الحدود الضيقة التي لا تمس حقوقهم (الإلهية) المدعاة، الأمر الذي كرس هذه الحقوق وكرس معها مفاهيم خاطئة، كمفهوم عدم التمييز بين الأحكام الإلهية أي الشريعة التي هي شأن إلهي، وبين السلطة التي هي شأن بشري، فغلبة الاعتبار على السلطة بأنها شأن إلهي كالشريعة، لقد خسر المسلمون من جراء ذلك، فرصة تاريخية كبرى كانوا مؤهلين لو لم يخسروها، لأن تشهد العصور الإسلامية المبكرة ولادة الديمقراطية على أيدي المسلمين، بدلاً من ولادتها بعد قرون في إرهاصات عصر النهضة الأوروبية.

لا يعني اعتماد مبدأ الديمقراطية في إطار تجديد المشروع الحضاري الإسلامي، انه سوف يأتي على صورة استنساخ لهذا المبدأ ولتطبيقاته في الاجتماع الغربي

ومع ذلك فإن اكتشاف الديمقراطية في سياق حضاري آخر، لا يسوغ للاجتماع الإنساني، النكوص عن اعتمادها والأخذ بموجباتها، فالحكمة وفق أدب الإسلام ضالة المؤمن، يأخذها أينما وجدها.

لكن لا يعني هذا اعتماد مبدأ الديمقراطية في إطار تجديد المشروع الحضاري الإسلامي، انه سوف يأتي على صورة استنساخ لهذا المبدأ ولتطبيقاته في الاجتماع الغربي، فتجارب الغرب نفسه في اعتماد الديمقراطية، لم تكن متماثلة وكانت مختلفة تبعاً لاختلافات الشعوب والدول التي اعتمدتها.

لذلك فهي في مجال الاجتماع الإسلامي، لا بد لها أن تأتي متأثرة بخصائص هذا الاجتماع، وفي تصوري أن صورة الاشتغال على مبدأ الديمقراطية في اجتماعنا الإسلامي، سوف تأخذ شكل العودة إلى مبدأ الشورى بوصفه مبدأ يتسع لاستيعاب مقاصد الديمقراطية، ولا يمنع من النظر في تطورات التجربة الغربية على هذا الصعيد، وخصوصاً في طرائق نقل المبادئ إلى مؤسسات سياسية واجتماعية.

إن آلية انتقال السلطة وحدود ممارستها، والمؤسسات الضامنة لسلامة ممارستها، هي إنجازات غربية لكنها لا تتعارض مع مبدأ الشورى الإسلامي، بل ربما تكشف الإمكانات الواسعة بهذا المبدأ، التي جرى تعطيلها في تجربة الاجتماع الإسلامي تاريخياً وراهناً.

إقرأ أيضا: «مسائل في احوال الجنوب اللبناني»..كتاب يستعيد تاريخ الحركة الثقافية في جبل عامل

السابق
«الدنيا هيك..مش هيك».. صواريخهم تقتل تراثنا الجميل.. منزل الفنان الراحل محمد شامل في حارة حريك!
التالي
جنبلاط: الحرب طويلة.. علينا الاستعداد لتوفير الخدمات للنازح والمقيم