أما وقد وقع المحظور الذي لطالما حذرنا منه، وإنتقدنا السياسات وأساليب العمل، التي كان ينتهجها “حزب الله” بتغطية من شريكه في “الثنائي الشيعي” وشركائه الآخرين في السلطة، والتي كنا نرى بأنها كانت حتماً، ستؤدي إلى ما نحن عليه اليوم من نكبة شيعية ووطنية، بات من الواجب اليوم تسمية الأمور بمسمياتها، ووضع النقاط على حروف الوطن، الذي يكاد يذهب ضحية هذه السياسات، والأساليب الفردية والأحادية القرار، بما فيها من إستكبار وتنمر على أبنائه وأحزابه، ومكوناته السياسية والطائفية الرافضة لهذه السياسات، والتي أودت بهم – خاصة أبناء الطائفة الشيعية – إلى وادٍ سحيق، إبتلع حياتهم وأرزاقهم ومستقبل أولادهم وكرامتهم.
ما نحن عليه اليوم من نكبة شيعية ووطنية، بات من الواجب اليوم تسمية الأمور بمسمياتها، ووضع النقاط على حروف الوطن، الذي يكاد يذهب ضحية هذه السياسات، والأساليب الفردية والأحادية القرار
لن نخضع بعد اليوم للترهيب المعنوي والفكري، عبر التخوين والتكفير الذي كان سائداً قبل الحرب، ولا للشعار – النكتة السائد اليوم بأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، التي لم نستشر بها وندفع ثمنها، فصوت الحقيقة هو الذي يجب أن لا يعلو عليه صوت بعد اليوم، إنطلاقاً من شعار صديقك من صَدَقك لا من صدَّقك، وقول الحقيقة يفرض علينا اليوم القيام بجردة حساب كاملة، ووضعها على الطاولة لممارسات “الثنائي الشيعي” وبخاصة “حزب الله”، ومساءلة كل من إتخذ منهم قراراً خاطئاً – أو من بقي منهم – إنطلاقاً من السياسات الداخلية، التي لم يكن همها مصلحة المواطن اللبناني، بقدر ما كان همها تهيئة الأرضية لحكم البلد، والإمساك بمواقع القرار فيه لتنفيذ أجندة خارجية، سواءً عن حماسٍ مذهبي عند البعض، أو عن قناعة بشعار المقاومة والتحرير من مزارع شبعا حتى القدس عند البعض الآخر، فالأمر سيان والنتيجة واحدة، وذلك قبل أن نرى هذه “المقاومة”، تتمدد إلى سوريا والعراق واليمن، في حروب عبثية حصدت الكثير من أرواح الشباب الشيعي اللبناني والعربي.
قول الحقيقة يفرض علينا اليوم القيام بجردة حساب كاملة، ووضعها على الطاولة لممارسات “الثنائي الشيعي” وبخاصة “حزب الله”، ومساءلة كل من إتخذ منهم قراراً خاطئاً – أو من بقي منهم – إنطلاقاً من السياسات الداخلية، التي لم يكن همها مصلحة المواطن اللبناني، بقدر ما كان همها تهيئة الأرضية لحكم البلد، والإمساك بمواقع القرار فيه
لن نتحدث معكم عن فترة ما قبل التسعينيات، وما إعتراها من حروب وتصفيات، كان هدفها تثبيت الأقدام ولو على حساب الآخرين، بل سنبدأ من عام 2000 عام تحرير الشريط الحدودي، وهنا لا بد من التوضيح بأن إدعاءكم تحرير لبنان بأكمله من العدو الصهيوني، هو محض تضليل، ضحكتم به على الأجيال الجديدة من الشيعة واللبنانيين، لأن هذا الأمر ليس حكراً عليكم وحدكم، فلبنان بإستثناء الشريط الحدودي الذي لُزِّمتم تحريره حصرياً، حررته قوى المقاومة اللبنانية ما قبل التسعينيات، والتي كنتم جزء منها، وكان رأس حربتها يتمثل بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، و”حركة أمل” بدءاً من تحرير بيروت إلى صور مروراً بصيدا والنبطية، ولذلك فالقول بأنكم حررتم لبنان كله، فيه الكثير من المبالغة والكثير من النكران لحق الآخرين في هذا المجال.
إدعاءكم تحرير لبنان بأكمله من العدو الصهيوني، هو محض تضليل، ضحكتم به على الأجيال الجديدة من الشيعة واللبنانيين، لأن هذا الأمر ليس حكراً عليكم وحدكم، فلبنان بإستثناء الشريط الحدودي الذي لُزِّمتم تحريره حصرياً، حررته قوى المقاومة اللبنانية ما قبل التسعينيات، والتي كنتم جزء منها، وكان رأس حربتها يتمثل بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، و”حركة أمل”
نعود لعام 2000 عام تحرير الشريط الحدودي، الذي كان يمكن أن يكون منطلقاً جيداً ومجيداً، لإستكمال بناء الدولة على أساس وثيقة الوفاق الوطني، التي إرتضاها اللبنانيون في الطائف، وذلك عبر إستكمال تطبيق بنودها من الإصلاحات إلى حل الميليشيات بعد إستكمال التحرير، إلى خروج جميع القوات غير اللبنانية من لبنان، إلا أنكم أبيتم وإستكبرتم بدعم من حلفائكم، في كل من سوريا وإيران، التي لم تكن مصالحهم لتتلاقى مع مصلحة لبنان الحر السيد والمستقل، ولو نسبياً عنهم، فكان “أرنب” مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والتي وإن كانت أراضٍ لبنانية، إلا أنها كانت خارج كل الحسابات اللبنانية منذ بداية الحرب اللبنانية، ولم تكن تشكل جزءاً من القرار 425 الذي تحقق بتحرير الشريط الحدودي، لأنها أصلاً تتبع للقرار 242 لعام 1967، كونها كانت تحت السيادة السورية وقت إحتلالها في ذلك العام.
فبدلاً من ذلك وجدناكم ومنذ العام 2000 لغاية 2004، وقد دخلتم في صراعات داخلية مع شريحة واسعة من اللبنانيين، كانت ترى أن الوقت قد حان، كي يعود لبنان دولة طبيعية من دون وصاية خارجية، هذه الصراعات التي إتخذت طابعاً دموياً ضد معارضيكم، بدءاً من 1 تشرين الأول 2004 وصولاً لزلزال 14 شباط 2005.
كذلك بعد جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إتخذتم موقفاً مخالفاً لإرادة غالبية اللبنانيين، حمايةً للنظام السوري الذي إتهمته هذه الغالبية بجريمة الإغتيال، أو على الأقل التستر عليها، قبل أن تتهمكم المحكمة الدولية لاحقاً بإغتياله.
بعد جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إتخذتم موقفاً مخالفاً لإرادة غالبية اللبنانيين، حمايةً للنظام السوري الذي إتهمته هذه الغالبية بجريمة الإغتيال، أو على الأقل التستر عليها، قبل أن تتهمكم المحكمة الدولية لاحقاً بإغتياله
في عام 2006 أدخلتم لبنان في حرب مفاجئة، كلفت الكثير من الضحايا والخسائر، فكانت النتيجة إستجلاب القرار 1701، بعد أن كنا قد تحررنا من قرارات الأمم المتحدة، ومع ذلك أعلنتموها نصراً إلهياً من جهة، ومن جهة أخرى تَلَوتم ما يشبه “فعل الندامة” عبر العبارة الشهيرة “لو كنت أعلم”، ولكن بعد خراب الضاحية.
بعدها هربتم إلى الأمام وخرجتم من الحكومة، وفرضتم “الحُرم المذهبي” على كل شيعي يقبل بالحلول مكانكم فيها، وإعتصمتم في وسط بيروت، ونَعَتُّم الحكومة ب “حكومة فيلتمان” بعد أن كانت حكومة “المقاومة السياسية”، إحتليتم بيروت في 7 أيار 2008، وحاولتم إقتحام الجبل وأطلقتم على يومكم الأسود هذا، أسم “اليوم المجيد” حاملين شعار “السلاح لحماية السلاح”، وهو اليوم الذي وضع الحواجز النفسية بين الشيعة وبقية مكونات الطائفة الإسلامية من سُنة ودروز فضلاً عن المسيحيين، بحيث لم “تتركوا لنا صاحباً” في هذا الوطن.
إحتليتم بيروت في 7 أيار 2008، وحاولتم إقتحام الجبل وأطلقتم على يومكم الأسود هذا، أسم “اليوم المجيد” حاملين شعار “السلاح لحماية السلاح”، وهو اليوم الذي وضع الحواجز النفسية بين الشيعة وبقية مكونات الطائفة الإسلامية من سُنة ودروز
بعدها ورغم إتفاق الدوحة “سيء الذكر”، إنقلبتم على تعهداتكم، ثم إنقلبتم على حكومة سعد الحريري، كل هذا عبر “بلطجة سياسية” وشعبية، عبر فِرَق “الباسيج” بقمصانهم السود التي إستنسختموها من نظام “الولي الفقيه”، قبل أن يتوسع نشاطكم وتدخلون سوريا، لمحاربة ثورتها تحت ذرائع عدة غير مقنعة، وكان آخرها حماية ظهر المقاومة، التي حَلَّت في فكركم وممارساتكم مكان الدولة والبلد، فباتت هي الهدف والوطن والناس هم الوسيلة، فكانت النتيجة آلاف من شباب الشيعة سقطوا في أتونها، والطامة الكبرى كانت في الإنكشاف الأمني والعسكري الذي تعرضتم له، كما الإنكشاف الذي تعرضت له بيئتكم أمام الإرهابيين، الذين وصلوا بتفجيراتهم عدة مرات إلى حارة حريك، كل هذا وأنتم غافلون سكارى ب “إنتصاراتكم”، حتى بلغ بكم الغرور، أن إنقلبتم مرة أخرى على “إعلان بعبدا”، بعد أن وافقتم عليه، ضاربين بذلك مرة أخرى عرض الحائط بمصالح الشعب اللبناني، وقفزتم بعدها صوب اليمن، وأعتبرتم معركتكم هناك، بأنها أشرف المعارك ووضعتموها في مرتبة أعلى من مواجهة الصهاينة، فكان أن قطعتم جسور التواصل والمحبة، التي كان يكنها أهل الخليج العربي للبنان واللبنانيين، ما زاد في إضعاف الدولة اللبنانية وعزلتها عن محيطها الطبيعي، بعدها فرضتم الفراغ في أعلى السلطة اللبنانية لمدة عامين ونصف، حتى نجحتم بفرض مرشحكم للرئاسة الذي كان يحمل معه مفتاح باب جهنم، الذي فتحه على مصراعيه بمعيتكم وحمايتكم أمام الشعب اللبناني، فكان الرد في ثورة 17 تشرين 2019 التي أجهضتموها بالقمع، الذي مارستموه على المواطنين الشرفاء ضرباً وسحلاً وقتلاً، وكان إنفجار المرفأ الذي أوقفتم التحقيق فيه مهددين ب “قبع” القاضي المكلَّف، واضعين البلد على أول طريق الحرب الأهلية، ومن ثم حميتم الفاسدين الذين سرقوا أموالنا في البنوك، ووضعتم البعض منهم على لوائحكم الإنتخابية.
قطعتم جسور التواصل والمحبة، التي كان يكنها أهل الخليج العربي للبنان واللبنانيين، ما زاد في إضعاف الدولة اللبنانية وعزلتها عن محيطها الطبيعي، بعدها فرضتم الفراغ في أعلى السلطة اللبنانية لمدة عامين ونصف
أبرمتم إتفاق الترسيم البحري مع العدو الصهيوني، بشروط مجحفة بحق لبنان واللبنانيين، خلافاً لكل شعاراتكم عن التحرير وعدم الإعتراف بالعدو، كل ذلك بذريعة أنكم “وراء الدولة” في هذا الملف، هذه الدولة التي باتت شماعة تعلِّقون عليها كل “قميص وسخ” لا تريدون لبسه علناً. وعلى طريقة “يا رايح كثر القبايح” عطَّل “وكيلكم” في بعبدا وبدعم كامل منكم، تشكيل حكومة جديدة بعد الإنتخابات، ليعود الفراغ هذه المرة لينهش الدولة بكامل مراكزها، اللهم إلا مركز رئاسة مجلس النواب الذي يخصكم، عبر عرقلتكم إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، بذريعة أنكم تريدون رئيساً لا يطعن المقاومة في ظهرها، في إعادة لسيناريو 2016 وفي تأكيد جديد، بأن المقاومة باتت أكبر من الدولة والوطن في عُرفكم وفكركم.
هذا الفكر الذي دفعكم مرة أخرى، إلى الدخول في مغامرة حرب “الإسناد والمشاغلة” مزوَدين بِكَم هائل من الأوهام للأسف، التي كنتم تضخونها بأذهان مؤيديكم حتى باتوا في غربة عن الواقع، هذه المغامرة التي كان يمكن للمرء أن يتفهمها – ولو بصعوبة – في بداية حرب غزة، إلا أن التطورات هناك، من إستمرار الحرب وتجاهل العالم لعدوانية بنيامين نتنياهو، الذي بدا وكأنه يحتكم على ضوء أخضر عالميا، وليس فقط أميركيا لإستكمال مخططه، هذه التطورات كان يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، حفاظاً على ما تبقى من بلد منكوب أصلاً على كل المستويات، سيما وأنه كانت هناك محاولات للجم التصعيد، عبر إقتراحات قدمها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وتم رفضها بكل الغرور والعنجهية، وهو ما ألمح إليه هوكشتاين في زيارته الأخيرة قبل أسبوع من باب التأنيب.
اليوم وقد وقع المحظور، وسقطت الأقنعة والأوهام عن “مسخرة” وحدة الساحات، ونُكب الشيعة واللبنانيون أيما نكبة ، فماذا أنتم فاعلون، هل ستستمرون في إستكباركم وتعنتكم أم ستتواضعون ولو قليلاً، وترجعون لحضن الوطن الذي لم تجدوا بديلاً عنه وقت النكبة؟
اليوم وقد وقع المحظور، وسقطت الأقنعة والأوهام عن “مسخرة” وحدة الساحات، ونُكب الشيعة واللبنانيون أيما نكبة ، فماذا أنتم فاعلون، هل ستستمرون في إستكباركم وتعنتكم أم ستتواضعون ولو قليلاً، وترجعون لحضن الوطن الذي لم تجدوا بديلاً عنه وقت النكبة؟ نقولها لكم بالفم الملآن من أماكن نزوحنا، وبأنين جرحانا، وحرقة قلوبنا على قتلانا الذين قضوا ظلماً وعدوانا من جهة، وغدراً نتيجة التضليل الذي تعرضوا له من جهة أخرى، نقولها بإسم ماضينا وحاضرنا الذين صادرتموهما، ومستقبلنا الذي بات في حكم المجهول، نقول لكم إعتدلوا أو إعتزلوا، سلموا قراركم وكل ما تملكون للدولة – التي هي دولتكم في الأصل – وكونوا وراءها فعلاً لا تدليساً، وليكن صمود شبابكم في الميدان لحساب لبنان ودولته لتستفيد منه على طاولة المفاوضات، لفرض تطبيق القرار 1701 فقط لا غير من دون زيادة أو نقصان، بدلاً من كل ما يطرحه العدو من مطالب تكسر ظهر لبنان، فالتسليم للدولة ليس إستسلاماً ولا هزيمة، بل هو لقطع الطريق على مخططات العدو وبالتالي – إن حصل – يُعتبر إنتصاراً نسبياً للبنان الوطن والدولة، لأن الواضح أن مخطط العدو هو أن يجعل من غزة نموذجاً يجري تطبيقه على لبنان، وما أقساه من نموذج.
يبقى أن نقول أن عليكم مراجعة تجربتكم، وما جرته من كوارث ومآسٍ على لبنان عامة والمجتمع الشيعي خاصة، وإذا كانت المحاسبة القانونية غير واردة في لبنان، فعلى الأقل عودوا إلى ضمائركم، وتحمَّلوا مسؤوليتكم أمام الله والوطن والناس
يبقى أن نقول أن عليكم مراجعة تجربتكم، وما جرته من كوارث ومآسٍ على لبنان عامة والمجتمع الشيعي خاصة، وإذا كانت المحاسبة القانونية غير واردة في لبنان، فعلى الأقل عودوا إلى ضمائركم، وتحمَّلوا مسؤوليتكم أمام الله والوطن والناس، التي خسر الكثير منها كل ما تملك، عودوا إلى لبنانيتكم وكونوا درعاً وحماية لوطنكم، بدل أن تكونوا ورقة على طاولة المفاوضات يتلاعب بها البعض، أو درعاً له يحميه في صراعه مع الآخرين، والأحداث الأخيرة وتكلفتها عليكم وعلى بيئتكم خير مثال، المطلوب قيادة واعية تستخلص العبر والدروس، وتعيد الحزب إلى لبنان الذي إرتضيناه وطناً نهائياً لكل أبنائه، كفى مكابرة فالناس لم تعد تحتمل أفلا تعقلون، فهل سيأتي هذا اليوم ونرى هذه القيادة، وهل أنتم فاعلون؟
إقرأ أيضا: ميقاتي: توسيع العدوان الإسرائيلي يؤكد رفض مساعي وقف إطلاق النار