بلوط تحذر عبر «جنوبية» من تداعيات الحرب النفسية الجسدية على حياة الأطفال

سيلفا بلوط
تعدّ الحرب شكلاً من العنف المنظم، بحيث يجري تنفيذه عبر استخدام آلات القتل والدمار. ومن الطبيعي أن تتبدى انعكاساتها السلبية على المستويات كافة ، الاقتصادي و الاجتماعي و التربوي و الجسدي و أيضاً النفسي. لقد استباحت الحروب الطفولة على مرّ التاريخ، و انهكت براءتها و انتهكت حقوقها، و شوّهتها بعد أن أقحمتها في النزاعات المسلحة. وتعرّض لبنان و مازال، منذ قرابة الشهر، لعدوان صهيوني إجرامي مستمرّ طال مواطنيه الآمنين، فأوقع بينهم الكثير من الضحايا .

تخطى عدد الأطفال الذين فارقوا الحياة المئة نتيجة الغارات الوحشية، وهذا العدد يستمر في الارتفاع بشكل مخيف وخطير.

ومن هذا المنطلق، تفرض مقاربة هذا العدوان تناول التأثيرات الكارثية التي يمكن أن تنال من حياة الأطفال، الذين يكابدون ويعانون من جرّاء همجيته، وهو ما أضاءت عليه أستاذة علم النفس د. سيلفا بلوط عبر “جنوبية”، محذرة من “أن الأطفال هم الفئة العمرية الأكثر تعرّضاً للأذى الجسدي والنفسي الناجم عن الحرب، ويعود السبب في ذلك إلى الأهمية الحساسة التي تحتلها مرحلة الطفولة في حياة الفرد”.

الطفل هو الأكثر تأثراً لمخاطر الحروب نتيجة ضعف جسده

وعرضت بلوط لأسباب وقوع الطفل، كفريسة سهلة للأزمات والاضطرابات وتداعيات الحرب النفسية عليه وسبل العلاج. وفيما يلي نص الحوار:

 س – بدايةً، لماذا تكتسب الطفولة أهميةً على المستوى النفسي في حياة الفرد؟

ج – تتبدّى أهمية الطفولة في كونها تشكّل الركيزة أو الأرضية الأساسية التي تتأسس عليها، إن صح التعبير، الحياة النفسية للفرد. إذ يترك كلّ ما يختبره الطفل من تجارب، بدءاً بعلاقته مع الأم مروراً بتفاعله مع المحيط الأسري حيث يعيش… بصماته في مراحل حياته لاحقاً. في حال اختبر الطفل طفولة خالية من الأضطرابات، فإن ذلك سيجنبه الوقوع ضحية للأزمات النفسية فيما بعد والعكس صحيح. بمعنى آخر، إذا تعرض الطفل لوضعيات حياتية صعبة، كالحرب على سبيل المثال، فقد يقع فريسة لاضطرابات نفسية ترافقه في مراحل حياته اللاحقة في حال لم يتم معالجتها.

اقرأ أيضاً: واقع الطائفة الشيعية في لبنان: ينخرها الظلم وتريد تحرير العالم!

س – قبل البدء بتناول تأثير الحرب على الحياة النفسية للطفل ، إلى أي درجة يسهم وضعه الجسدي في جعله أكثر عرضةً للأذى والموت؟

 ج – من المعروف أن الطفل هو الأكثر تأثراً لمخاطر الحروب نتيجة ضعف جسده الذي قد يعجز عن مقاومة الجروح الخطيرة وتخطيها، فتؤدي به إلى الموت . كما أن جهازه المناعي الضعيف قد يعرّضه للإصابة بالأمراض والاوبئة. وبدوره يفتك سوء التغذية بأجساد الكثيرين من الاطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات ، فيعرّضهم لخطر الموت.

يقع الطفل فريسة للقلق الحاد والاكتئاب بالإضافة إلى الرهاب والإحباط

س – لماذا يقع الطفل فريسة سهلة للأزمات والاضطرابات على المستوى النفسي؟

ج – من المعروف أن الطفل لا يستطيع أن يفهم ما يختبره من وضعيات صعبة وأيضاً لا يدركه. كما يعجز عن مواجهة الضغط النفسي الذي ينهكه . إن الصدمات الناجمة عن رؤية العنف والدنار والقتل وموت الآخرين وخسارة الأقارب والأهل والتهجير ….كل ذلك يؤثر على نموه النفسي على المدى الطويل . وقد يفقد الطفل، أثناء الحرب، الحماية الأسرية أو الاجتماعية نتيجة خسارة أحد الوالدين أو الوالدين معاً، فيصبح فريسة للاستغلال والابتزاز بأشكاله كافة. وبما أن التعليم يؤثر إيجابياً على النمو الذهني الذي ينسحب على الاستقرار النفسي ، فإن التوقف القسري عن التعلم مع إغلاق المدارس قد يعرضه للأزمات النفسية.

س – ما هي الاضطرابات النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال أثناء الحروب؟

ج – يظهر، بشكل كبير، اضطراب ما بعد الصدمة من خلال الفلاش باك ولكوابيس والخوف المستمر و استعادة الاحداث الصادمة وردود الافعال عند التعرض إلى أي مؤثر يذكر الطفل بالحرب . وقد يقع الطفل فريسة للقلق الحاد والاكتئاب بالإضافة إلى الرهاب والإحباط . ويعود السبب إلى شعوره الدائم بأنه معرّض للخطر. كما تتجلى صعوبات التركيز والتعلم، فيتراجع اداؤه المدرسي . ويمكن أن يصاب الطفل بالعزلة الاجتماعية، ويتجنب الاختلاط بالآخرين والتفاعل الاجتماعي. مما يؤثر سلباً على نموه الاجتماعي.

وأيضاً قد تتبدى العدوانية في سلوكياته نتيجة التعرّض لمشاهد العنف والقتل والدمار ، فيعمد إلى تقليد الأعمال العنفية لكي يحمي نفسه من الشعور بالخطر حتى لو لم يكن له مبررّ. ويمكن أن يفقد الثقة في نفسه و الآخر وأيضاً المستقبل نتيجة عدم الاستقرار وغياب الأمان ، فتضعف مرونته الاجتماعية. ولا يجب أن ننسى الشعور بالذنب والمسؤولية عند خسارته لأحد افراد اسرته نتيجة الحرب.

الطفل قد يعجز في التعبير كلامياً عن انفعالاته فيأتي العلاج باللعب لكي يساعده

س – يشكل التهجير القسري مشكلة خطرة و دقيقة في حياة الطفل، كيف ينعكس على حياته النفسية؟ 

ج – يعد التهجير انسلاخاً عن المحيط الذي يؤمن الحماية والأمان وبالتالي الشعور بالانتماء الذي يعزز توازنه ورفاهيته النفسيين . لذلك هذا التهجير بصدمة في حياة الطفل نتيجة فقدان هذا الشعور بالانتماء وكسر روتين الحياة اليومية الذي يشعره بالأمان. ويسبب له هذا الانتقال القسري إلى مكان جديد وغير آمن (بخلاف منزله) الشعور بالغربة، والتهميش وسيما في ظل انعدام الخدمات الصحية والاجتماعية. بتعبير أدق، تظهر لديه أزمة في تكيفه مع المكان الجديد.

س – ما هي العلاجات المناسبة لمساعدة الطفل على تخطي الاضطرابات والأزمات التي تم ذكرها؟

ج – يتخذ علاج الاطفال مساراً متعدد الابعاد، و قد يكون مساره طويلاً بحسب حدّة الأزمة النفسية التي يعيشها.

 نبدأ بالعلاج السلوكي المعرفي لمعالجة الصدمات واضطرابات القلق ، وهو يساعد في الكشف عن الافكار السلبية والسلوكيات المرتبطة بالصدمات. لذلك فهو يمكّن الطفل من أن يفهم أكثر ردود افعاله وتطوير الحلول لضبط قلقه وكوابيسه واضطراب نومه.

ومن المعروف أن الطفل قد يعجز في التعبير كلامياً عن انفعالاته، فيأتي العلاج باللعب لكي يساعده على هذا التعبير ويمكنه من التعرف أكثر على أحواله . كما يستخدم الطفل اللعب ليخلق من جديد الوضعية الصعبة التي اختبرها، فيعمد إلى حلها. مما يساعده ذلك على استيعابها .
أما فيما يتعلق بالعلاج الأسري، فهو ضروري لأنه قدم الدعم النفسي للأهل والأطفال، على حدّ سواء، ويمكّنهم بتفهم أكثر للصدمات وتطوير حلول لمواجهة المشكلة. وهناك العلاج الجماعي الذي يسمح للطفل بالتواصل مع أطفال آخرين عاشوا وضعية صعبة مشابهة، فيتشارك معهم التعبير عن الانفعالات في محيط آمن. مما يساعد هؤلاء الأطفال على أن الخروج من العزلة وفهم مشاعرهم.

 مما يعزز مرونتهم النفسية . وبدوره يظهر العلاج بالموسيقى والفن ليشكّل دعماً للعلاجات المذكورة.

السابق
الحديقة الخلفية للحزب.. تتهاوى
التالي
مفاوضات وقف الحرب على الجنوب وغزة حاضرة في الدوحة..واسرائيل تُدمّي الاعلام في حاصبيا!