
برحيل استاذنا د. مصطفى حجازي، تفقد الجامعة اللبنانية والتعليم العالي في لبنان، كما في العالم العربي، أحد أبرز أساتذتها ومفكريها واختصاصييها النفسيين. لقد كان رائدا في التأسيس لقسم علم النفس في الجامعة اللبنانية، مع د. نزار الزين الذي نذر نفسه ، هو أيضا ، قبل رحيله لتثبيت دعائم هذا العلم الإنساني الذي أضحى مستقلا وفاعلا في أداء وظيفته الإنسانية والعلمية. لا تفي سطور ماكان يتمتع به د. مصطفى من مزايا شخصية ونبل في سلوكه، فضلا عما أنتجه من كتب وابحاث ومقالات، وإشراف على رسائل جامعية، وما شارك به من ندوات ومحاضرات ومقابلات إعلامية.. منذ أكثر من نصف قرن.
اقرأ أيضاً: نِصفُ قَرنٍ على رحيله.. عبد المُطَّلِب الأمين شاعِرُ الحُرِّيَّة الإنسانيّة… ونَثرُهُ المَجهول!
لم يكن التخلّف في كتابات مصطفى حجازي، في علم النفس، مجرّد حالة ذهنية مضطربة فحسب، و إنما جعل منه سبباً رئيسياً، يقف وراء تخلف المجتمعات الواقعة في قبضة سلطة “هجينة”، إن صح التعبير، بين الدين والسياسة. بمعنى آخر، تمثلت أهمية قراءة فكره في كونها شكّلت ضرورةً، لأي مجتمع يسعى إلى التفلّت من قيود الاستبداد و الرجعية و العصبية.
تجاوزت مؤلفات حجازي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر “سيكولوجية الانسان المقهور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية” و “العصبيات و آفاتها : هدر الأوطان و استلاب الانسان”… الإطار الزمني الحاضر، و استشرفت مستقبل الانسان الذي يكابد في ظلّ نظام سياسي و اجتماعي، و أيضاً “نفسي” يجمع بين الدين و السلطة، ويقمعه في كل مرة يحاول أو يبادر إلى انقاذ نفسه من الجهل .
حرّض مصطفى حجازي على تحالف الدين والسلطة، و شدّد على ضرورة فكّه وحلّه، للانطلاق بالمجتمع نحو التقدم و الديمقراطية و الانسانية. كما تبدّت مطالبته الدائمة بالانتفاضة على الاستبداد، “المطعّم” بالمقدّس الذي يحاصر الشباب، و يودي بهم نحو العصبية و التخلف.
برحيل الاستاذ د. مصطفى حجازي، تفقد الجامعة اللبنانية والتعليم العالي في لبنان، كما في العالم العربي، أحد أبرز أساتذتها ومفكريها واختصاصييها النفسيين
أعطى الاستاذ الجامعي و الباحث الأكاديمي علم النفس “نكهة” خاصة، بحيث ترجمه عملانياً في تواضعه و عطائه الأكاديمي و الفكري.
جسّد فكر مصطفى حجازي نموذجاً مثالياً، للانقلاب على ضعف المجتمعات المتخلفة ، فأيقظ من خلاله الرغبة الكامنة في الانعتاق، من استبداد أجاز لنفسه التحكّم بحياة الفرد و معه المجتمع، بعد أن اتخذ من كل ما يمارسه من قمع “تسليماً” !…
سيبقى مصطفى ححازي حاضراً بين زملائه و طلابه وقرّائه، من خلال بصمته الخاصة، والمحفورة في كل فكر، أبى البقاء رهينة التخلّف والاستبداد والمقدّس.