7 أكتوبر 2024.. ضرورة استخلاص العبر فلسطينياً وعربياً ودوليا

غزة دبابة اسرائيلية طوفان الاقصى

يُفترض أن تمثل الذكرى السنوية لعملة “طوفان الأقصى” وحرب غزة، وعلى أهمية الاحداث والتطورات العاصفة التى عشناها خلال العام الماضي، مناسبة لاستخلاص العبر الضرورية والصحيحة فلسطينياً وعربياً ودولياً -وحتى إسرائيلياً- من أجل تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب، بحيث تكون التضحيات الهائلة التي قدمها الغزيون والفلسطينيون قاعدة للانطلاق نحو المستقبل، وتحقيق الآمال الوطنية المشروعة في السيادة والاستقلال وتقرير المصير.

إذن وعلى أهمية قراءة ما جرى في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، والأحداث والتطورات، أو للدقة النكبة الجديدة التى عاشتها غزة وفلسطين بشكل عام بفعل الحرب الإسرائيلية الوحشية، يبقي الاستخلاص الأهم متمثلاً بحقيقة ان إسرائيل غير قادرة على تصفية القضية أو تجاهل الشعب الفلسطيني. ومع محاولاتها الخبيثة لاختصار القضية بغزة وحركة حماس ويحيى السنوار، ألا ان صراعها الأساس والمركزي -الذى لم يبدأ في 7 أكتوبر- كان ولا يزال مع الشعب الفلسطيني ككل وعناده ونضاله العادل نحو تحقيق آماله وحقوقه الوطنية المشروعة.

اقرأ أيضاً: غزة بين 7 أكتوبر 2023 و2024: عام على طوفان الأقصى.. حكاية 5 ساعات غيّرت التاريخ وبدأت بعدها الإبادة

وكما يقال عن حق فى تل أبيب –حتى لو أريد به باطل لمزيد من العسكرة والعيش على حد السيف- فقد أعاد الطوفان إسرائيل الى أجواء “حرب الاستقلال” عام 1948، حسب التعبير المتداول في الإعلام العبري، وبالتالي ضمناً إعادتنا كفلسطينيين إلى أجواء النكبة الأولى، وهذا يعني ببساطة أن إسرائيل لن تعيش أمناً وسلاماً وطمأنينة أبداًـ والشعب الفلسطينى لن يخضع أو يستسلم رغم ايقاع نكبة جديدةـ وهو ما يمثل أحد الأهداف غير المعلنة  للحرب، كما سمعنا فى زلّة لسان وزير الزراعة ومسؤول جهاز الشاباك السابق   الجنرال آفى ديختر، ما اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى توبيخه، كون الأمر يمثل جريمة حرب، واعتراف رسمي بالإبادة الجماعية في غزة، وهو نفس ما جرى مع وزير الشتات عميحاى إلياهو الذى دعا إلى ضرب غزة بقنبلة نووية، وهو ما فعلته  إسرائيل عملياً، بالمفرق لا بالجملة، عبر مجموع القنابل الغبية والمدمرة التى ألقتها على غزة وأهلها.

بالعموم، وفى استخلاص العبر، لا شك أن المهمة الأساس ملقاة على عاتقنا كفلسطينيين أخلاقياً وتاريخياً وسياسياً وواقعياً، ولا يمكن الطلب من العرب، وبالتبعية من العالم، أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، والاستخلاص لا بد أن ينطلق من قاعدة عدم قدرة إسرائيل على الانتصار وتحويل ذلك إلى قناعة عربية ودولية أيضاً، والخطوة الأولى هنا تتمثل بضرورة إنهاء الانقسام السياسي، وتشكيل مرجعية عليا جديرة بقيادة  الشعب الجبار، وعدم إهدار تضحياته الهائلة. وينبثق عن هذه القيادة حكومة توافق وطني   لإعادة توحيد المؤسسات في الضفة وغزة، وإعادة  الإعمار في القطاع، كما خوض الصراع مع الاحتلال وفق خيار المقاومة، وبأساليب ووسائل متعددة من أجل إقامة  الدولة الفلسطينية كاملة السيادة والاستقلال، وفرض هذا الهدف على جدول الاعمال الإسرائيلي والإقليمى والدولي، خصوصاً مع التقبل الواسع للرواية والسردية الفلسطينية على كل المستويات العالمية -رسمياً وشعبياً وسياسياً وإعلامياً- وهو ما تبدّى بوضوح فى اعتراف دول أوروبية مؤثرة ومركزية بالدولة الفلسطينية، كما رفع مكانتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فيما يخص المقاومة، وحسب التجارب التاريخية، خصوصاً في جنوب أفريقيا وتفكيك نظام الفصل العنصري فيهاـ لا يمكن خوض صراع مارثوني وطويل اعتماداً على الكفاح المسلح فقط، على أهميته بالطبع، وإنما باعتماد أساليب ووسائل متعددة لتقليل الخسارة والكلفة والحفاظ على وحدة وتماسك وقوة المجتمع الفلسطينى في غزة والضفة والأراضى المحتلة عام 1948، مع ضرورة الاستفادة من الطاقات الهائلة لفلسطيني الشتات، علماً أنهم يخوضون صراع أو معركة الرواية والسردية في سياقاتها المختلفة، لعزل ومحاسبة إسرائيل وإجبارها على وقف الحرب والعدوان، باعتبار ذلك خطوة أولى نحو الإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وعلى رأسها حقه في تقرير المصير.

وفيما يخص استخلاص العبر عربياً، فواضح تماماً من خلال دلالات ومجريات العام الماضي، أنه لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال قضية عربية داخلية بامتياز لا يمكن  تجاهلها، وبالتالي ليس بالإمكان الانكباب على ملفات التنمية والنهوض -على أهمية ذلك- بمعزل عن القضية الفلسطينية وتطوراتها وعدم حلها حلاً عادلاً شاملاً ومستداماً، لأن ذلك سيبقي دائماً حجر عثرة أمام الاستقرار والنهوض العربي قطرياً وقومياً.

الاستخلاص العربى الآخر والمهم أيضاً، يتعلق بسيرورة التطبيع مع إسرائيل، والذي من الواضح أيضاً أنه لا يمكن المضي قدماً فيها بمعزل أو بتجاهل القضية الفلسطينية. وفي السياق، فمن الجيد أننا بتنا نسمع أصوات واضحة وعلنية ومواقف عربية قاطعة، باستحالة التطبيع وتطوير العلاقات مع إسرائيل أو الانخراط جدياً فى سيناريوهات وأعباء اليوم التالي في غزة، دون إقامة دولة فلسطينية، وبالحد الأدنى شق مسار راسخ ولا رجعة عنه نحوها.

وفيما يخص استخلاص العبر إقليميا ودولياً، فلا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية أو إزاحتها عن جدول الأعمال الإقليمى والدولي، لصالح قضايا وملفات آخرى، وحرب غزة وتضحياتها وكلفتها الباهظة، أسقطت بالتأكيد مقولات التعايش مع الصراع في فلسطين، أو إدارته تحت مسميات ومصطلحات خبيثة مثل تقليص الصراع والسلام والاقتصادي، وهي مصطلحات إسرائيلية أساساً.

دولياً أيضاً لا بد من الاقتناع بفشل الأساليب والآليات السابقة لمعالجة القضية، تحديداً الرعاية الأميركية الحصرية، وبلورة سيرورة جديدة لذلك مع أنياب حادة وقوية، بما في ذلك عقد  مؤتمر دولي للسلام، مع قرارات عادلة وجادة وملزمة للاحتلال.

في الآخير وباختصار وتركيز، وكما اتضح جلياً من حرب غزة وتداعياتها، فلا يمكن للمنطقة والعالم العيش بأمان وسلام، طالما لم  يتم توفير ذلك للشعب الفلسطيني.

السابق
بيان مشترك للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة ورئيس بعثة اليونيفيل حول التطورات على الحدود الجنوبية
التالي
الجيش استنكر حملات تجنٍّ وافتراءات..الأولوية لحماية المؤسسة ووقف العدوان