منذ بدء الاجتياح الاسرائيلي الجوّي والبري السابع للبنان في 23 أيلول 2024، والمفاجآت الميدانيّة والعسكريّة حاضرة بشكل متتالٍ، وعصيّة على التفسير وربطها بالجانب السياسي، فمنذ اغتيال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، ونائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق إلى جانب ثلّة من قياديين الحزب، والتساؤلات العسكريّة والميدانيّة: “حزب الله” عسكريًّا إلى أين، وكيف ستنعكس الاغتيالات على الجانبين الاسرائيلي والجانب العسكري للحزب وهل ستتمكن اسرائيل من التوغّل برًّا في لبنان بدعم دوليّ؟
الكاتب والباحث في الشؤون العسكريّة رياض قهوجي خص ” جنوبيّة” بقراءة “بانوراميّة” للمشهد العسكري والميداني، على الجانبين الاسرائيلي واللبناني.
رأى قهوجي أنّ “حزب الله خسر جزءًا كبيرًا من قدراته العسكريّة، نتيجة الاختراقات الأمنيّة التي شهدناها، فضلًا عن التفوّق العسكري والجوّي الاسرائيلي الكبير، وفقدان الحزب لقيادات الصفّ الأوّل والثاني خلال هذه السنة، أثّرت أيضًا عليه وأفقدته توازنه”.
قهوجي:”حزب الله خسر جزءًا كبيرًا من قدراته العسكريّة نتيجة الاختراقات الأمنيّة التي شهدناها فضلًا عن التفوّق العسكري والجوّي الاسرائيلي الكبير وفقدان الحزب لقيادات الصفّ الأوّل والثاني خلال هذه السنة
وأشار إلى أنّ “نجاح اسرائيل باستهداف مخازن أسلحة وذخيرة، واختراق أجهزة البيجر والووكي –توكي يضاف إلى العوامل السابقة، التي أدّت إلى افقاد الحزب جزءًا مهمًّا من قدراته، لكنّ الحزب، لا يزال يملك مقاتلين في الميدان مجهزين بشكل لامركزي، كلّ مجموعة لها نفق محدّد وآليات وتوجهيات مستقلّة وهي من تقوم اليوم بالتصدّي للقوّات الاسرائيلية، التي تتقدّم على محاور قرب الحدود اللبنانيّة حاليًّا”.
في المقابل أكد قهوجي أنّ “اسرائيل تدرك مدى خبرة المقاتلين والعناصر لدى “حزب الله” وقدرتهم العسكريّة، ومحصّنين بمواقع دفاعيّة عظيمة، وبالتالي سيخسر الاسرائيليّون العديد من ضبّاطهم وجنودهم في عمليّات تقدّمهم البريّة”. و وأردف”: لهذا الاسرائيليّ يلجأ إلى استراتيجيّة الأرض المحروقة، وأسلوب حربي يقوم على التقدّم الخاطف والسريع، يؤدي إلى افراغ سكّاني للمناطق المستهدفة، وتدمير المستشفيات ومنع طواقم الاسعاف والاغاثة وتقطيع أوصالها، ما يسهّل انهاك الخصم، فالحزب يعتمد على بيئته الحاضنة من المدنيّين، التي تؤمن لعناصره، حاجاتهم الغذائيّة واللوجستيّة لتسهيل تحرّكاتهم.
اسرائيل تريد أخذ وقتها لعدة اسابيع كما قال غالنت للتدمير الممنهج والقتل المتدرج والقضم المستمر للأراضي دون أن يعرّفنا إلى هدفه العسكريّ المرجوّ
فيما يتعلّق بالتكتيك العسكري، وصف قهوجي نيّة اسرائيل ب” التقدّم ببطء إلى الداخل اللبناني”، ووفقًا لوزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت، العمليّة ستأخذ أسابيع من الوقت، فاسرائيل تريد أخذ كلّ الوقت للتدمير الممنهج والقتل المتدرج، والقضم المستمر للأراضي، دون أن يعرّفنا إلى هدفه العسكريّ المرجوّ، فالبعض يتحدّث عن توغل إلى عمق 10 كلم، والآخر يتحدّث عن شمال الليطاني وعمقه، وبعض الجهات الاسرائيليّة تتحدث عن نيّة اسرائيل بالوصول إلى جميع الأنفاق، ممّا يشمل البقاع اللبناني، كلّ هذه السرديّات، هي محض احتمالات، لا نعلم أيّها أصحّ ولا حجم العمليّة البريّة المزمع تنفيذها”.
أمّا عن إندلاع حرب اقليميّة شاملة، إستبعد قهوجي هذا الاحتمال، و”سيكون هناك ضربات متبادلة بين اسرائيل وإيران، ما يضعه تحت عنوان ” قصف استنزافي متبادل”، فإيران ترى أنّ جبهتها المتقدّمة هي “حزب الله” في لبنان، ومن هنا يحضرنا خطاب المرشد الإيراني علي خامنئي أول من أمس خلال صلاة الجمعة، أنّ الحزب سيستمر في مساندة جبهة غزّة، إلى جانب حلفائه في محور الممانعة”.
إقرأ ايضاً: صاروخان بالستيان لـ«الحزب» يثيران الهلع الإسرئيلي من حيفا حتى الخضيرة!
وعرض قهوجي ل”حال الجبهات الأخرى وواقع “وحدة الساحات” وقسّمها إلى قسمين، الجبهة المباشرة متمثلة ب”حزب الله” وغير المباشرة متمثلة بالحوثي والفصائل العراقيّة، بينما النظام السوري اختار أن يكون خارج المعركة، ما جعل جبهة الجولان شبه مغيّبة، وتحوّلها إلى هدف اسرائيلي سهل، والسؤال الأكبر، هل سيسمح النظام السوري لميليشيات العراق، بالدخول إلى أراضيه؟ فالحوثي أوصل حوالي عشر صواريخ ومسيّرات إلى عمق اسرائيل ولا تأثير لدعمه، فهو يهزّ الأمن الداخلي الاسرائيلي، ولا ينعش الجبهات المساندة الأخرى”.
وبالعودة إلى نقطة الاغتيالات، وجد قهوجي أن “المجتمع الدولي يرى اغتيال اسرائيل للقيادات، هو حقّ في الدفاع عن النفس، رغم انتهاكها للقوانين الدوليّة والانسانيّة، عبر استهداف المنشآت المدنيّة والمستشفيات، الاغتيالات ساعدت اسرائيل في تنفيذ سياسة” قطع الرأس”، وهي استراتجيّة عسكريّة تضرب القاعدة الهرميّة للخصم، وتفقده التوازن الميداني، وهو ما تمّ تنفيذه بنجاح كبير ضدّ “حماس”، ومن ثم بنجاح أكبر داخل لبنان، ويعود ذلك إلى الاختراق الأمني الواضح”.
قهوجي: المجتمع الدولي يرى اغتيال اسرائيل للقيادات هو حقّ في الدفاع عن النفس رغم انتهاكها للقوانين الدوليّة والانسانيّة عبر استهداف المنشآت المدنيّة والمستشفيات
ولفت الى ان “اسرائيل اليوم لا تزال في أولى مراحل عمليّتها البريّة، ونشهد مقاومة شرسة من مقاتلي الحزب، الذين استعدوا بشكل جيّد لها، رغم تفاوت ميزان القوّة على الأرض، فاسرائيل تستطيع كلّ يومين تقريبًا استبدال مقاتلين والاتيان بمقاتلين جدد، بينما الحزب لا يمتلك سوى استثمار نفس مقاتليه على الأرض، فضلًا عن صعوبة تنقلهم واستلامهم للذخائر من الجبهة الخلفيّة”.
وخلص قهوجي الى أن “اسرائيل ستعمل على انهاك مقاتلي الحزب وتجويعهم لمنعهم من التقدم، وهذا ما سيترجم في الأيّام المقبلة، على شكل نتائج عسكريّة أكثر وضوحًا”.