يواجه «حزب الله» تحديات متزايدة، في الحفاظ على قاعدته الشعبية، خاصة في ظل استمرار مواجهاته العسكرية مع إسرائيل، والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الناجمة عنها.
وعلى مدار الأشهر الأخيرة، تصاعدت الهجمات المتبادلة بين «حزب الله» وإسرائيل، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق في جنوب لبنان وتشريد أكثر من 100,000 شخص من بلداته وقراه.
هذه الحرب المستمرة دفعت العديد من اللبنانيين، بمن فيهم بعض أنصار «حزب الله»، إلى البحث عن طرق للهروب من الأوضاع الصعبة، لتكون الهجرة من لبنان هي الحل الأمثل بالنسبة لكثيرين، ممن فقدوا الأمل بعودة الحياة في لبنان إلى طبيعتها.
ينقسم الذين يغادرون لبنان إلى ثلاثة أصناف، الصنف الأول من المغادرين، هم الذين يغادرون البلاد لفترة قصيرة ولا يخططون للاستقرار في الخارج، الصنف الثاني، هم الذين يغادرون بهدف الاستقرار لفترة طويلة، ويتوجهون عموماً إلى بعض دول أوروبا والخليج العربي، بحسب قدرتهم على الحصول على تأشيرات دخول هذه الدول، ويرتبط الأمر أيضاً بوجود أقارب لهم فيها.
الصنف الثالث، من الهجرة هو الهجرة غير الشرعية، وبطبيعة الحال فإن الوجهة المتاحة هي سوريا، وتسيطر على طرق التهريب بين البلدين مجموعات تابعة لـ «حزب الله»، ويتم تسهيل عبور البعض بمقابل مالي، بينما يتم نقل عائلات أخرى مجاناً بهدف إسكانهم في بعض المناطق السورية، التي يمتلك فيها الحزب نفوذاً واسعاً فيها، مثل مناطق جنوب دمشق، ومنطقة حريتان في ريف حلب الشمالي، وتفيد تقارير بأن الناس يدفعون رشاوى تصل إلى 5000 دولار أمريكي، للعبور من لبنان إلى سوريا والفرار من الحرب.
ويتخذ لبنانيون تركيا وليبيا، كمحطتين للهجرة غير الشرعية، باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، حيث يغامرون بمخاطر رحلات التهريب عبر البحر، أملاً بالوصول إلى حياة جديدة، بعيداً عن الحرب والوضع الاقتصادي الكارثي.
وقال محمد شمس الدين الباحث في «الدولية للمعلومات» (وهي شركة متخصصة في الدراسات والأبحاث والإحصاءات) في تصريحات صحفية: «هجرة اللبنانيين ولاسيما الشباب منهم، تعود إلى مرحلة قديمة في الزمن، لكنها ازدادت في السنوات الأربع الأخيرة نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي حلت بلبنان».
وأشار إلى أنه «في العام الماضي وصل عدد الذين هاجروا إلى 182 ألفاً، من بينهم 130 الفاً من الفئة الشبابية التي يتراوح عمرها بين 25 و35 سنة، وكان أعلى رقم يسجل في تاريخ الهجرة اللبنانية، وكانت الأزمة الاقتصادية هي السبب».
«يتخذ لبنانيون تركيا وليبيا، كمحطتين للهجرة غير الشرعية، باتجاه دول الاتحاد الأوروبي»
وأوضح شمس الدين، أنه لا يمكن له أن يقدر اليوم العدد الذي هاجر نتيجة الحرب «بل يجب الانتظار حتى أكتوبر ونوفمبر لإعطاء أرقام دقيقة، لكن الأكيد أن الرقم أعلى من السنة الماضية، ويمكن أن يتجاوز عدد الذين هاجروا هذه السنة، الـ 200 ألف ليصل إلى 250 ألف شخص».
ومع استمرار النزاع وتصاعد التوترات، تتزايد الضغوط على حزب الله، الذي يواجه الآن صعوبة أكبر في إقناع قاعدته الشعبية، بأن استراتيجيته الحالية تخدم مصالحهم. ومع ذلك، يبدو أن الحزب لا يزال مصرًا على مواصلة التصعيد، حتى مع تزايد الأصوات داخل لبنان، التي تشكك في جدوى هذه الحرب المستمرة.