فادي شامية: مفاجأة «جبهة الشمال»: حجم الاختراق

فادي شامية


كتب د.فادي شامية على حسابه عبر “فايسبوك”، “ليس سراً القول؛ إن “حزب الله” -ومن خلفه إيران- لم يكن يريد الانجرار إلى حرب مع “إسرائيل” في هذا التوقيت بالذات. هو كان “مضطراً” لفتح الجبهة إسناداً لغزة في الثامن من أكتوبر، رغم أنه لم يكن يعلم بـ”طوفان الأقصى” قبل حصوله. كيف له ألا يفتح الجبهة وهو الذي نظّر لـ “وحدة ساحات المحور”؟ حلفاؤه طالبوه بأكثر من ذلك، لكنه قام بـ “أضعف الإيمان”، محاذرا الوقوع في “حرب شاملة”. بدأ باستهداف أعمدة التجسس فيما أسماها “حرب الإعماء”، وظل على هذا المنوال أسابيع عديدة، لكن الحرب طالت والمجازر تكررت، فوسّع دائرة استهدافاته إلى المستوطنات شمال فلسطين المحتلة، لتنشأ بعد ذلك أزمة “سكان الشمال” الذين انتظروا طويلا واتهموا حكومتهم كثيرا إلى أن صارت عودتهم هدفا لحرب “إسرائيل” على لبنان. طوال هذه الفترة حاذر “حزب الله” القيام بضربات أبعد من الشريط الحدودي الذي يستهدفه، كما لم يستعمل أياً من صواريخه الدقيقة، رغم أنه رفع تدريجيا من مستوى ضرباته مستعملا صواريخ أقوى ومسيّرات أكثر”.

اضاف، “بعد حادثة مجدل شمس في 28/7؛ توعد نتنياهو الحزب بالانتقام لأهالي البلدة الدروز، وفي 30/7 قتلت “إسرائيل” قائد أركان “حزب الله” فؤاد شكر. توعد الحزب بالرد، وانتظر قرار إيران-التي استُهدفت أيضا باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بعد يوم واحد من اغتيال شكر-، مقترحاً رداً يشمل مختلف جبهات “المحور”، بما في ذلك اليمن التي ضربت “إسرائيل” ميناء الحديدة فيها (20/7)، لكن إيران آثرت عدم الرد – وما زالت على قرارها إلى اليوم- فنفذ الحزب “عملية الأربعين” في 25/8، لكن هذه العملية لم تكن مؤثرة؛ لم تقتل أحداً، ولم تدمر هدفاً محل اعتبار، الأمر الذي جرّأ نتنياهو أكثر، فاتخذ سلسلة قرارات ألحقت كوارث غير مسبوقة بـ “حزب الله”؛ مجزرة أجهزة النداء البايجر في17/9، ثم مجزرة اللاسلكي في18/9، ثم مجزرة مجلس قيادة فرقة الرضوان في20/9، وفي الضربات الثلاثة كان الهدف عسكريا في الصميم، وقد أُصيب مدنيون بجريرته”.

وتابع، “بعد هذه الضربات الثلاث، والتي وقعت كلها في أسبوع واحد، لم يعد يملك “حزب الله” رفاهية تأخير الانتقام، ولا المحافظة على قواعد الاشتباك، ولا “عقلنة” ردوده. رفعُ مستوى صورته الذهنية أمام الصديق والعدو باتت تمتلك إلحاحية عالية لديه. رده الأول باستهداف حيفا (22/9) ليس إلا بداية؛ لم تزل غير مقنعة لجمهوره؛ الذي لم يفهم على الأرجح حجم الضغوط الميدانية على الحزب، والضرر البالغ الذي أصابه جراء الضربات الإسرائيلية عليه، خصوصاً أن الحزب – وإن كان قد أقر بشخص أمينه العام- “أننا تلقينا ضربة كبيرة وقاسية” (19/9) إلا أنه ما زال يعتمد سياسة “الانتقاء الإعلامي” بحيث ينقل لجمهوره أصوات معارضين أو مزايدين صهاينة، أو ينقل مواد مبتسرة؛ ليظهّر من خلالها “إنجازات” الحزب ويرفع معنوياته، والتركيز على استهداف المدنين لا العسكريين، ووضع أهداف متوقعة لضربات العدو ثم الإعلان عن إحباطها”.

ولفت الى ان “واقع الحال أن حجم الضرر الذي أصاب منظومة الحزب الأمنية والعسكرية كبير جدا. لا يجدي نفعا أمام العاقلين أن يضع متحدث باسم الحزب – من عنده- أهدافا للعدو؛ “قتل خمسة آلاف” من حملة البايجر، و”شل المقاومة”، و”تحريض حاضنتها عليها”، و”دفعها لفك الترابط مع غزة”، ثم يعلن “الانتصار” لعدم تحقق ذلك كله! ومثل ذلك يقال في استهداف حَمَلة اللاسلكي أو استهداف قيادة فرقة الرضوان؛ التي لم ينج منها أحد”.

وقال: “ثمة اختراق غير مسبوق في جسم “حزب الله”؛ يستند على ركيزتين تكنولوجية وبشرية. في التكنولوجيا كان الأمر واضحاً منذ اليوم الأول؛ أكثر من 400 من قيادات الحزب قتلتها التكنولوجيا التي لاحقتهم إلى بيوتهم، مركباتهم.. وجبهاتهم. انفجار البايجر بنحو 2800 من حامليه بلحظة واحدة (كان لافتا أن من بينهم السفير الإيراني في بيروت الذي أصيبت يده وعينه ونقل إلى العلاج في طهران)، وفي اليوم التالي انفجار اللاسلكي بنحو 500 آخرين من عناصر الأمن والعسكر في الحزب؛ رسم مشهداً هوليودياً عن التفوق التكنولوجي، الذي أقر به الحزب بلسان أمينه العام: “نعرف أن عدونا لديه تفوق تكنولوجي ولم نقل غير ذلك في يوم من الأيام” (19/9).

الركيزة الأخرى التي لا تقل “إثارة”؛ الخرق البشري:
1- أظهرت الاستهدافات امتلاك “إسرائيل” معلومات كاملة عن الهيكلية القيادية لدى الحزب؛ أسماء وعناوين وتحركات، بمن في ذلك شديدو الاختفاء الذين تبحث عنهم المخابرات الأمريكية منذ عقود (فؤاد شكر-إبراهيم عقيل). نتيجة لذلك تمكنت “إسرائيل” من قتل أغلب أعضاء المجلس الجهادي (شكر، وعقيل، وأبو حسن سمير، وجواد الطويل، ومحمد نعمة قائد وحدة عزيز، وسامي طالب قائد وحدة نصر) إضافة إلى 15 قائدا عسكريا هم كامل قادة قوة الرضوان (النخبة) لدى “حزب الله”، فضلاً عن المئات ممن لهم صلة قيادية بالعمل العسكري ممن حيّدتهم المسيرات والطائرات من قبل.

2- وفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي؛ فإن إبراهيم عقيل كان يحمل البايجر وقد خرج من المستشفى لعقد اجتماع مع قادة فرقة الرضوان وبحث خطة الدخول إلى شمال فلسطين المحتلة. تحديد لحظة الاجتماع وما دار فيه – إن صحت- فلا يمكن أن تعتمد إلا على خرق بشري رفيع المستوى، سيما أن الاجتماع كان تحت الأرض بطبقات، وقد احتاج ضربه؛ إزاحة مبنى كاملا ثم توجيه صواريخ خارقة للتحصينات إليه. بمعنى آخر؛ المعلومة كانت أكيدة لدى العدو؛ الذي أعلن اغتيال عقيل قبل أن يعرف أحد هوية المستهدَف، فضلا عن إعلان الإعلام العبري أسماء المجلس العسكري المستهدفين قبل نعيهم من الحزب، ولاحقا كشف اسم القائد البديل لفرقة الرضوان الذي عينه الحزب على نحو سري كما هي العادة. كان هذا كله قبل أن يعلن أمين عام الحزب الحيطة والحذر في التحدث عن الرد الذي “سنحتفظ به لأنفسنا وفي ‏أضيق دائرة حتّى في أنفسنا” (19/9).

3- أظهر تفجير أجهزة البايجر، أن اختراق الحزب عمره سنوات، وأن هذه الأجهزة التي لجأ إليها الحزب خشية الاختراق، لم تكن إلا متفجرات مخترقة، ومن تمكن من تفخيخها وتفجيرها؛ تمكن بالضرورة من اختراقها وكشف ما تحمله من رسائل مشفرة، والأمر نفسه ينطبق على أجهزة اللاسلكي، فضلا عن شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب، التي يُطلق عليها “سلاح الإشارة” -منذ أن وقعت أحداث 7 أيار الأهلية-، والتي شك الحزب باختراقها منذ الأيام الأولى لفتحه الجبهة. ومن نافل القول إن هذا كله لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود العامل البشري الذي يخترق صفوف الحزب.

4- عشية ما أطلق عليه الحزب “عملية الأربعين” بدا واضحاً أن “إسرائيل” كانت تملك معلومات عن رد واسع النطاق من جانب “حزب الله”، فنفذت “هجوما استباقيا”، دمر آلاف الصواريخ والمسيّرات التي كان مقررًا إطلاقها على إسرائيل”، وفقا للقناة 12 الإسرائيلية، وهو ما أقر به السيد نصر الله حينها “أنه نعم هو قبل نصف ساعة من توقيت عمليتنا بدأ –العدو-بالغارات في الجنوب”. الأمر نفسه تكرر عشية الهجوم على حيفا صباح الأحد 22/9 إذ شنت الطائرات الإسرائيلية أكثر من مئتي غارة على مناطق واسعة في الجنوب، بناء على تقدير الجيش الإسرائيلي أن “حزب الله” سينفذ ضربات انتقامية تطال حيفا، وهو ما حدث بالفعل”.

وختم، “يقال إن الحزب والأجهزة الأمنية اللبنانية أوقفت العشرات بشبهة التعامل مع العدو الإسرائيلي. لا يبدو الأمر مستغربا، فحجم الخرق كبير جدا، وهو بالتأكيد يؤثر على تحركات الحزب والثقة المتبادلة عن قياداته وعناصره، ويجعل خطواته بطيئة ومضطربة، وثمة أولوية في تخطي هذا الواقع ليكون الحزب أقدر على مواجهة ترسانة عسكرية هائلة، مدعومة بتكنولوجية فائقة التطور، وبغير بذلك ستتوالى الضربات على الحزب بغير قدرة على رد مكافئ”.

السابق
إيران تنفض يدها من العدوان الاسرائيلي على لبنان: حلفاؤنا لا يتلقون الأوامر منا!
التالي
جنبلاط يكشف عن مخطط خطير: لبنان تعرض للـ«تخدير».. ونعم أخشى سيناريو غزة