حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لماذا جُرَّ لبنان الى حرب ارادها «الكلب» نتنياهو

حارث سليمان

في قلب الأحداث الجسام والأخطار اللئام، المحدقة بالأوطان والانام، تتأجج المشاعر والعواطف، وتختلط الآراء وتتضارب المواقف، عند ذلك يشعر كل مواطن بانتهاك أمانه، ويتشكك من كان متيقنا من إيمانه…

يسود غضب عميم ونقمة تنطلق من القلب والصميم، غضب تنفلت منه تارة الشماتة، حيث يحتفل كارهٌ آخَرَهُ بمصابه، رادا له قبيحا قابَلَهُ به، ومذكرا إياه بشماتته به، بمناسبة مُصابٍ له مضى زمانه…

وتارة اخرى يتبدى الغضب حزنا عميقا مقرونا بالشعور بالخسارة والمهانة، وانهيار المعنويات، وفقدان الثقة، غضبٌ قد يُفاقِمُه الخوفُ الذي قد يتحولُ الى ذُعرِ الجماعة، وإسقاطِ يقينيات إستقرارها و إهتزاز بديهياتها…

يتقدم التضامن الوطني ليظهر دون استدعاء او تصنع

ومع الغضب والحزن والخوف والشماتة، يتقدم التضامن الوطني ليظهر دون استدعاء او تصنع، مئات بل آلاف من المبادرين الى المساعدة، يتبرعون بدمائهم للجرحى، او يقومون باسعاف الجرحى، مؤسسات ومستشفيات تتجاوز الانقسامات السياسية والنكايات الفئوية وتذهب للقيام بالإغاثة الإنسانية والمساعدة الطبية الطارئة، تكفكف الجراح وترمم العيون الراعفة، وهو مرة جديدة مظهر جدي للعافية المتبقية في لبنان، في ناسه ونخبه، وليس في طبقته السياسية بمختلف أطيافها، حيث تبدى منها النفاق الخبيث، ليحتل صدر المشهد ويملأ الساحات والمشاهد، على شاشات التلفزة والإعلام.

وحيث لا قدرة للعامة من إكتشاف طريق عملي وعقلاني، للخروج من العواطف المتضاربة والمخاوف المأزومة، تزدهر الخرافة والاساطير ويصبح المعين على النجاة، آتيا من غيب منتظر! ومن قدرة اسطورية موجودة في عالم افتراضي موهوم… لا علاج لواقع مأزوم الا باستدعاء النجدة عبر الدعاء، فالدعاء كفيل بالنجاة وتغيير الواقع وتهدئة النفوس المتهالكة.

لا علاج لواقع مأزوم الا باستدعاء النجدة عبر الدعاء

والدعاء ليس الا إحلالا للوهم مكان الحقيقة، ومداواة الوجدان بديلا لإجتياز المأزق وتغيير الواقع.
سأل احد الجنود نابليون بونابرت سيدي أليس الله معنا وينصرنا؟ اجابه الله ينصر من يمتلك مدفعا اطول واقوى.

ابراهيم عقيل تلك الشخصية الجهادية الصادقة، التي نذرت نفسها منذ ٤٥ سنة لقضية نضالية وعقائدية، فعاش في الخفاء والظل، طيلة عمره، ومارس بفعالية وكفاءة دوره ومهماته بتفرد وذكاء واقتدار، وسواء وافقته على خياراته السياسية،
او على لوحة الاهداف و كل المعارك التي قادها وانخرط فيها، ام لم توافقه، فلا بد لك من ان تغضب لاستشهاده، وتحزن لنجاح اسرائيل في الوصول اليه وقتله، فخسارته فادحة ولا تعوض، وهو قيادي لم يمارس لا جاها على الناس ولا سلطة على المجتمع، ولا إستعلاءً في الاعلام، ولا استعمل موقعه ليرتب مكسبا لقريب او منصبا لاخ، ولذلك هو موضع مهابة واحترام، لكن ابراهيم عقيل لم تقتله الشماتة، ولم يلاق حتفه، بسبب من حملوا خيارات سياسية لا تتوافق مع خياراته، بل قتلته الخيانة، قتله خرق امني في حلقته الضيقة مَكَّنت اسرائيل من معرفة موعد اجتماع قوة الرضوان، ومن تحديد الخارطة الدقيقة للمباني المحيطة بالملجأ، ومن استبيان وجود نفق تحت الارض وطابقين سفليين فوقه…

الشماتة كريهة وغير انسانية، لكن الجاسوسية مدمرة وحقيرة، ولا يقوم بها الا الأنذال وصغار النفوس، الشماتة تثير الحنق والغيظ، لكن الخيانة تجعلك هدفا متاحا لغدر عدوك ووحشيته فيقتلك… والاجدى ل”حزب الله” و لبنان باجهزته الامنية، الاهتمام بتنظيف البيت الداخلي من الجواسيس واصحاب الحقارة، من التلهي بالشامتين او الناقدين من موقع الحرص او موقع المخاصمة…

لايعول في الحرب على العواطف الا قليلا، ما يعول عليه هو الامكانيات والسلاح والقدرة على القيادة والقتال، وقد ظهر حتى الآن حقائق مريرة لا بد من الاعتراف بها تمهيدا لتجاوزها والاعداد لمواجهتها :

الحقيقة الاولى، ان الحرب الحالية لا تشبه حرب تموز سنة ٢٠٠٦، واذا كان “حزب الله” قد استدرج اسرائيل سابقا في حرب تموز، لان يستعمل تفوقه الجوي لضرب منشآت مدنية لبنانية، لم تطال عناصر الحزب ومواقعه، فإن إسرائيل نجحت في استعمال مسيراته وتفوقه في مجال تقنيات التعقب والاتصالات والذكاء الاصطناعي، للقيام بقتل انتقائي للقيادات والكوادر العسكرية ل”حزب الله” ومحور الممانعة، فاق عددها حتى الآن ٣٠٠ شخصية قيادية في لبنان وفلسطين وسوريا وإيران.

لايعول في الحرب على العواطف الا قليلا، ما يعول عليه هو الامكانيات والسلاح والقدرة على القيادة والقتال

الحقيقة الثانية، ان الفشل الاستخباري الاسرائيلي الذي ظهر في حرب غزة بعد “طوفان الأقصى”، في مواجهة “حركة حماس”، تحول نجاحا باهرا في مواجهة “حزب الله”، بحيث ظهر أن إسرائيل قادرة على استهداف خمسة الاف عضو في “حزب الله” دفعة واحدة، كما انها متمكنة من قراءة بنية “حزب الله” العسكرية والتنظيمية، ومعرفة مواقع قياداته وتجهيزاته ومخازنه، والقيام بضربها بالتوقيت الحرج والمكان الموجع…

الحقيقة الثالثة، ان حجم الخرق الامني لكامل محور المقاومة من بيروت حتى طهران، هو خرق كبير وخطير، وهو ما مَكَّنَ العدو الاسرائيلي من تنفيذ ومتابعة عمليات موجعة، نتيجة معلومات متواصلة وفورية تتدفق في الزمن الحقيقي.

حجم الخرق الامني لكامل محور المقاومة من بيروت حتى طهران، هو خرق كبير

الحقيقة الرابعة، ان وحدة الساحات كانت التزاما من “حزب الله” لا يلزم احدا من أطراف المحور بما في ذلك طهران وسوريا، وان معركة اسناد غزة، لم تكن دون جدوى لغزة فحسب، بل كانت بابا لتوريط لبنان بحرب لا تنتهي، بعد ان ربط السيد حسن نصرالله نهايتها، بنهاية حرب غزة، والتي لا احد قادر على اختتامها الا بنيامين نتنياهو، وبذلك اصبحت المعركة مفتوحة الى أمد يقرره نتنياهو نفسه.

الحقيقة الخامسة، ان الضربات التي تلقاها “حزب الله” يستطيع تجاوزها، وان الخسائر التي لحقت به يستطيع ان يعوضها، وأنه قادر على استعادة كفاءته في المواجهة في الجانب القتالي والعسكري. ومازال قادرا على التصدي لاي اجتياح بري، سواءً جرى ذلك بقوات مشاة خاصة او ارتال مدرعة…

ورغم ان اجراء مراجعات أمنية و مخابراتية، اصبحت مستحقة التنفيذ لتطهير بنية الحزب بمختلف مستوياته، فان الاهم من ذلك هو الجانب السياسي والاستراتيجي، وبناءً لذلك، فالمطلوب اليوم اعادة تقييم خيارات “حزب الله” السياسية، والنزول من موقع الاستعلاء والتفرد بمصير لبنان وشعبه، وتبني سلوك التضامن الوطني المتبادل والمتكافئ، والشراكة مع بقية الاطراف السياسية في رسم مستقبل لبنان ومصائر شعبه، والمطلوب أكثر من ذلك ان يتوقف عن تحميل شيعة لبنان واهل الجنوب ما لا طاقة لهم على حملانه، فقد ادى لبنان قسطه لفلسطين، وادى شيعة لبنان مساهمة في خدمة القضية، فاقت كل مساهمات العرب والمسلمين تناسبا مع اعدادهم…

وكما وقف “حزب الله” وراء الدولة، يوم جرى بيع كاريش والقبول بالترسيم البحري، يستطيع اليوم الوقوف وراء الدولة للالتزام بالقرار الاممي ١٧٠١ بكافة مندرجاته…

محور الممانعه حين افتقدته غزة، تنصل منها، وحين احتاجه “حزب الله” لم يلب نداءه

أما على الصعيد الاقليمي، فقد ظهر ان محور الممانعه حين افتقدته غزة، تنصل منها، وحين احتاجه “حزب الله” لم يلب نداءه، ولا سارع الى نجدته… وقد آن الاوان لاعلان وفاة المحور معنى ومبنى.

بعد اعلان الرئيس الايراني مسعود بزشكيان عن الاخوة الاميركية الايرانية، وبعد طال انتظار الرد الايراني على اغتيال اسماعيل هنية، وبعد اعلان حسين سلامي قائد فيلق القدس، من ان “الكلب” نتنياهو لن يجر ايران الى حرب يريدها، يتبدى سؤال مرير: لماذا استطاع “الكلب” نتياهو جر لبنان الى حرب ارادها.

من الصعب ان يعود “حزب الله” الى لبنانيته ولعل ذلك هو اقسى مآزقه.

السابق
بالفيديو: اسرائيل تقصف البقاع.. و«الحزب» يدكّ تل أبيب!
التالي
بالفيديو: العدوان الاسرائيلي يطال قرطبا وكسروان!