حصل ما حصل أيام الثّلاثاء والأربعاء الماضيين. كانت هجمة إسرائيليّة غير مسبوقة على أهل المقاومة فيه. إستمعنا إلى ردود فعل النّاس والسّياسيّين. شارك اللّبنانيّون بشكل عام، بالتّعبير عن حزنهم لما حصل لهذا العدد الكبير من أهالينا، في بيئة ما يسمّى المقاومة. نحن وصفناها بالجريمة. ونشارك صديقنا فؤاد بكر، للمستشار القانونيّ في المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، خلاصته في تحليله القانوني القيّم، بأنّ هذا العمل جريمة حرب، وإنتهاك للقانون الدّولي الإنساني. لكنّنا، كنّا جازمين، عندما توقّعنا في مقالتنا السّابقة، أن الضّحايا لن يحصلوا على العدالة، مقارنين بين هذه الجريمة وجريمة المرفأ لعام 2020، التي ظلّت دون حساب.
إقرأ ايضاً: المربية والزميلة رندة بزي..تغلبت على الحياة وقهرها المرض!
إنتظر الجميع كلمة سماحة السّيّد حسن نصرالله، وتوّقعوا أن يبشّرهم بفتح مخازنه، لإطلاق الصّواريخ والإنتقام لألوف الضّحايا من أهله. لم يحصل. بلّ، كان سماحته واضحا في خطابه. فقد كرّر أنّه لا يريد الحرب. وهذا أمر توقّعناه منذ 8 تشرين الأوّل 2024. كلّ الذين يتابعون الأحداث، يدركون أنّ إيران وحزبها في لبنان، والنّظام الأميركي الدّيمقراطي، لا يريدون الحرب. وحدهم نتنياهو واليمين الإسرائيلي هم من يدفعون إلى الحرب، ولهم مصلحة أكيدة بها. هم يحظون بدعم المرشّح الجمهوريّ ترامب، ومعظم أركان السّلطة التّشريعيّة الأميركيّة.
إنتظر الجميع كلمة نصرالله وتوّقعوا أن يبشّرهم بفتح مخازنه لإطلاق الصّواريخ والإنتقام لألوف الضّحايا من أهله لم يحصل. بلّ كرّر أنّه لا يريد الحرب
إنطلاقا ممّا سبق، نرى أن توقيت تحوّل نتنياهو واليمين الإسرائيلي إلى لبنان، وتصعيد العمليّات فيه، ليس عفويّا، ولا نتيجة عواطف جامحة، بلّ نتيجة قراءة دقيقة للواقعين الإقليميّ والدّولي. أمامنا أسابيع قليلة قبل الإنتخابات الأميركيّة. نتنياهو يرى التّصعيد في لبنان فرصة له، ويعلم أنّ خيارات إيران للمواجهة، محدودة. فمن جهة، يساهم تحوّل نتنياهو إلى لبنان، في تخفيف ضغوط البيت الأبيض عليه، بالنّسبة للحالة في غزّة، هو يترك تلك الحالة مفتوحة، دون الإلتزام بقرار وقف الحرب، لكن على نار خفيفة. أيّ أنّ جرح غزّة سيقى مفتوحا ونازفا.
كانت حرب نتنياهو ضدّ حزب إيران، وإيران نفسها، معركة محميّة كلّيّا من أميركا. لن يجد نتنياهو صوتا أميركيّا ضاغطا في واشنطن، يعارض جدّيّا نشاطه في لبنان. هو يقاتل عدوّا موصوفا بالإرهاب في أميركا، كما أنّ هذا العدو، هو الذي بادر الى إشعال الجبهة في ٨ تشرين الأوّل. لكنّ توقيت حرب نتنياهو في لبنان، جاءت الآن فقط. فنتنياهو، يملك عدّة فرص، منها:
1- أن تقوم حرب شاملة تنجرّ إليها ايران، ممّا يفسح بتدويل الحرب، وجرّ الولايات المتّحدة إليها. قد تتعرض إسرائيل لضربات موجعة جدّا، لكنّها ستكون أيضا، فرصة سانحة لتدمير إيران، وإسقاط نظام الملالي، بما يليه من سقوط أحزابه في الدّول العربيّة، وكذلك لضرب البرنامج النّووي الإيراني من جذوره.
2- أن تمتنع إيران عن الإنجرار إلى الحرب، فيقوم بتصعيد هجماته متجاوزا كلّ الخطوط الحمر، ويمارس كلّ العمليّات العدوانيّة دون قلق للنّيل من قيادات الحزب وبيئته.
3- التّوصل إلى اتّفاق يحقّق أهدافه المعلنة بعودة آمنة للمستوطنين في شمال إسرائيل.
من الواضح أنّ إيران، لن تنجرّ الى هذه الحرب، أقلّه حاليّا. فهي تنتظر نتيجة الإنتخابات الرّئاسيّة في أميركا. وتسعى بقوّة إلى مساعدة الدّيمقراطيّين لتحقيق الإنتصار على الجمهوريّين. وقد خرجت مؤخّرا عدّة قراءات في الولايات المتّحدة عن محاولات إغتيال ترامب، تشير بإصبع اتّهام لإيران، بشأنها.
كانت حرب نتنياهو ضدّ حزب إيران، وإيران نفسها معركة محميّة كلّيّا من أميركا لن يجد نتنياهو صوتا أميركيّا ضاغطا في واشنطن يعارض جدّيّا نشاطه في لبنان
إيران، تملك إذا، بعض الأسابيع الإضافيّة قبل أن تتّخذ القرار الحاسم. باعتقادنا أنّها لن تعير اهتماما لما يسقط من ضحايا في حزبها، وبيئته في لبنان. ستجد دائما الفتوى الدّينيّة المدعومة ماليّا، لمنع خروج هذه البيئة عن طوعها. ففي حال فوز الدّيموقراطيّين في هذه الإنتخابات، فإنّ إيران، ستبدأ بالرّدّ وربّما تساهم في حرب شاملة، تعلم مسبقا أنّ أميركا ستعمل على احتوائها، من خلال واسطة تحقّق لإسرائيل ما تريده في شمالها، لكن مقابل تحقيق الكثير من شروطها في إطار صناعة الشّرق الأوسط الجديد، ولاسيّما إقامة الدّولة العلويّة في سوريّا، وإنتخاب رئيس لبنانيّ، يرضى عنه حزبها، ويساهم في إعادة النّظر بالدّستور لتحقيق إقامة المثالثة في البلاد، أو الفدرلة.
أمّا إذا نجح ترامب فخياره هو الدّفع قبل تسلّمه سلطاته في كانون الثّاني العام المقبل إلى حرب في لبنان يقوم بها حزبها فيه دون تدخّل مباشر منها، مدعوما بجماعات اليمنيّين
أمّا إذا نجح ترامب، فخياره هو الدّفع قبل تسلّمه سلطاته في كانون الثّاني العام المقبل، إلى حرب في لبنان، يقوم بها حزبها فيه دون تدخّل مباشر منها، مدعوما بجماعات اليمنيّين، والباكستانيّين وغيرهم. تعلم إيران، أنّ هذه الحرب لن تنهي إسرائيل، وستترك لبنان مدمّرا بكامله. ستسعى إلى أن تنتهي هذه الحرب بإعادة انتشار المقاومة، في البقاع الشّمالي ولو دون سلاحهم، وتسليم الجنوب إلى نبيه برّي والدّولة. لكن، ما همّ لبنان وشعبه من الدّمار والقتل، فكلّ هذا فداء للوليّ الفقيه ونظامه.