على هامش إجتماعات الشّويفات.. كتاب مفتوح الى تيمور جنبلاط

السفير هشام حمدان

سعادة النّائب الأستاذ تيمور جنبلاط

رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي

تحية طيبة وبعد…

ما زالت ترسخ في عقلي صورتك، عندما التقيتك وأعضاء المركز اللّبناني لتعزيز العلاقات مع أميركا اللّاتينيّة. وجدنا لديك اهتماما بالغا بما نقوم به فناديت على مساعدك الوزير السّابق وائل أبو فاعور ليستمع إلينا. عكس ذلك تطلّعك الى العصرنة والحداثة، من باب العولمة التي تمسك زمام العلاقات الدّوليّة حاليّا.

تمنينا لك النّجاح في عملك من أجل رفعة مجتمعنا، فكان ردّ فعلك حزين إذ أشرت إلى الذين يقفون على بابك ينتظرون طلب خدمة، وكأنك تقول كيف سنتقدّم ونحن في مثل هذه الحالة؟

أنا من الرعيل الذي عاش جزءا من شبابه الى جانب جدّك الشّهيد كمال جنبلاط. حكايتي مع جدّك، وما عشته معه من مفاهيم وقيم، جعلتني بعيدا عن والدك. هذا لا يعني أنّني أحمل كراهيّة وحقدا له كما يعتقد البعض

مهمّتك صعبة جدّا، خاصّة وأنك لا تعمل باستقلاليّة، وبالرّوح التي تملؤك. أنت إبن هذا العصر. عقلك يعمل وفقا لمفاهيم هذه المرحلة من نظام العلاقات الدّوليّة، لكنّك ملزم أن تكمل مهمة حملها والدك، في أقسى الظروف التاريخية سواء للبنان او للمنطقة بأسرها.

أنا من الرعيل الذي عاش جزءا من شبابه الى جانب جدّك الشّهيد كمال جنبلاط. حكايتي مع جدّك، وما عشته معه من مفاهيم وقيم، جعلتني بعيدا عن والدك. هذا لا يعني أنّني أحمل كراهيّة وحقدا له كما يعتقد البعض. أنا أتفهّم المرحلة التي عاشها. سعيت بإخلاص، الى ممارسة حرّيّة الرّأي بروح ديمقراطيّة كما تعلّمتها في مدرسة جدّك، للتّعبير عن رفضي لبعض مواقفه، لكن بهدف الإصلاح لا التّدمير، ولا الإنتقام أو الإضرار به لا سمح الله.

أنا أرفض مثلا أن أناديك أو أنادي والدك، ب”البيك”. كلمة “البيك” لها دلالة إقطاعيّة تعود الى القرون الماضية عندما كنّا نخضع للسّلطنة العثمانيّة. أفضّل ان أناديك بأستاذ، لأنّ لقب الأستاذ لقب حضاري يرتبط بزماننا الحالي

أعرف ما وصله من وشوشات بشأني. وربما يصلك وشوشات مماثلة. لكن، ليس كلّ من يصدّق كلامك صديق لك. أصحاب المصالح والغايات أكثر بكثير جدّا من الأصدقاء. والصّديق من يصدقك القول، لا من يصدّقك، ويصفّق لك في كلّ ما تقوله.

إقرأ أيضا: اليوم العالمي للدّيمقراطيّة: أميركا..«أنتِ الخصم والحكم»!

أنا أرفض مثلا أن أناديك أو أنادي والدك، ب”البيك”. كلمة “البيك” لها دلالة إقطاعيّة تعود الى القرون الماضية عندما كنّا نخضع للسّلطنة العثمانيّة. أفضّل ان أناديك بأستاذ، لأنّ لقب الأستاذ لقب حضاري يرتبط بزماننا الحالي.

جدّك أسّس الحزب التّقدّمي الإشتراكي. أراد الإنعتاق من مرحلة الإستعمار والتّخلّف الإقطاعي، إلى مرحلة النّهضة التي أطلقتها نهاية الحرب العالميّة الثّانية، وقبلها مرحلة ما بعد مبادىء الرّئيس ويلسون وحقّ تقرير المصير.

جدّك رافق عظماء في أزمانهم كجمال عبد النّاصر، وتيتو، ونهرو”. شارك في صناعة حركة عدم الإنحياز، ودافع بشراسة عن حقّ الشّعوب بالتّحرّر والسّيادة، والإستقلال، وتقرير المصير. جدّك ساهم بتحقيق الفلسطينيين لحقّهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، ممّا جعله يدفع حياته ثمنا باهظا للمبادىء التي آمن بها، بيد زعيم رفع شعار العروبة والتّصدّي والصّمود. فجاء والدك بعده إلى السياسة والعمل الوطني في أقسى وأصعب مراحل التّاريخ الوطني، وخضع لهيمنة احتلال واقعي سوري، على القرارات الوطنيّة، والقوميّة. لم يكن يملك والدك قدرة التّقرير بحرّيّة.

يؤسفني أنّك تنطلق في العمل الوطني في هذه المرحلة الضّبابيّة من تاريخنا في لبنان والمنطقة. فهي مرحلة مخاض لأحداث لم تشارك في صنعها، وبداية غد ليس واضحا تماما، ويفترض أن تنظر إليه بدقّة كبيرة

ولبنان ما زال حتّى هذا التّاريخ، يخضع للقوى الخارجيّة التي تأسر القرارات الوطنيّة فيه.

يؤسفني أنّك تنطلق في العمل الوطني في هذه المرحلة الضّبابيّة من تاريخنا في لبنان والمنطقة. فهي مرحلة مخاض لأحداث لم تشارك في صنعها، وبداية غد ليس واضحا تماما، ويفترض أن تنظر إليه بدقّة كبيرة.

أناشدك في هذه الرّسالة، الحذر من توريط الدّروز في الأحداث السّياسيّة الجارية في المنطقة

أنا أضع نفسي وخبرتي في تصرفك. لكنّي أرجو أن تسمع من مخلصين عن تاريخي. فلن أكون إلّا صريحا وواضحا، إذ لا أغراض لي، ولا أهداف مستترة. هدفي الوحيد يبقى وسيبقى، تحقيق حقنا كمواطنين بالعيش بكرامة في وطننا، وبحرّيّة من أيّ تدخّل خارجي، وأن نملك سيادتنا كاملة غير مجتزأة.

أناشدك في هذه الرّسالة، الحذر من توريط الدّروز في الأحداث السّياسيّة الجارية في المنطقة.

نحن نؤيّد وبكلّ قوّة، كلّ ما يمنع فتنة بيننا وبين أهلنا من أيّ مكوّن لبناني آخر. نحن لا ننظر إلى اللّبناني الأخر ك”مكوّن”، بل كمواطن له كلّ الحقوق والواجبات التي لنا وعلينا. الوطن هو هويّتنا، لا الطّائفة، ولا المنطقة

نحن نؤيّد وبكلّ قوّة، كلّ ما يمنع فتنة بيننا وبين أهلنا من أيّ مكوّن لبناني آخر. نحن لا ننظر إلى اللّبناني الأخر ك”مكوّن”، بل كمواطن له كلّ الحقوق والواجبات التي لنا وعلينا. الوطن هو هويّتنا، لا الطّائفة، ولا المنطقة.

وإذ ندرك وندعم الإهتمامات الحاليّة لدرء فتنة مع أهلنا من الشّيعة في لبنان، وفتحنا بيوتنا بكلّ محبة وإخلاص لعائلات غالية جاءتنا خلال الأشهر الماضية، إلّا أنّنا لا نخفي قلقنا من ربط مشروع درء الفتنة، بالتّحالف مع ما يسمّى “مقاومة”، وتأييد ما تقوم به في جنوب لبنان. هذا توريط مخيف للدّروز في شأن سياسيّ إقليميّ كبير جدا. بل وهو أيضا عامل، يمكن أن يؤدّي إلى فتنة بين الدّروز أنفسهم، إذ أنّ واقع دروز لبنان، يختلف عن واقعهم في الجولان، والسّويداء، وفي إسرائيل.

إرتبطت الأحداث الإقليميّة والوطنيّة منذ عام 2011، بدفع طائفي مرير. لكنّ للغد شأن آخر. شرحنا رأينا بهذا الصّدد مرارا. لا نطلب سوى وقف الحرب على الأرض اللّبنانيّة. هذا هو الطريق الأكيد الوحيد لدرء الفتن ومنع التّشرذم، وسفك الدّماء، والمحافظة على الوحدة الوطنيّة.

نناشدكم عدم جرّ الدّروز إلى واقع سياسي إقليمي خطير. الحياد عن هذه الحالة في الجنوب والإلتزام بالدّستور والقانون الدّولي بشأن لبنان، لا ينتقص من عروبة الدروز ووطنيتهم. بل هو حاجة، وحاجة مصيريّة في غد مجهول قاتم نعرف مسبقا أنّه يحمل قرارات مصيريّة حاسمة لأبناء هذه المنطقة.

إقرأ أيضا: بالفيديو: لحظة وصول سفير إيران إلى المستشفى يملؤه الدمّ.. هل فقد إحدى عينيه؟

السابق
ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين يدين المجزرة البشعة ويدعو لتطبيق القرار ١٧٠١
التالي
بالفيديو: لحظة وصول سفير إيران إلى المستشفى يملؤه الدمّ.. هل فقد إحدى عينيه؟