كيف يستفيد «حزب الله» من التجربة السويسرية!

منى فياض

في زمن الكراهية المتبادلة، ونزعات الهيمنة أوالانفصال؛ من المفيد استعادة محاضرة كان قد ألقاها السفير السويسري في بيروت في العام 2010، ليلفت نظرنا ان سويسرا لم تكن دائماً، ما هي عليه الآن، كل شيء فيه كاملاً، ويعمل ك”الساعة السويسرية”.

الأوروبيون يعتبرونها، لفترة طويلة، كقوة عسكرية أساسية، مهابة، وكشعب وحشي

ذكّرنا السفير بأن بلاده، التي تعد نموذجاً للسلم والحياد حالياً، عانت طويلا من العنف. وكان الأوروبيون يعتبرونها، لفترة طويلة، كقوة عسكرية أساسية، مهابة، وكشعب وحشي، يميل إلى الهجوم.

كانت تلك البقعة الصغيرة مرغوبة، لأنها المعبر لاجتياز جبال الألب. والشعب السويسري الجبلي والمتصلب، لا يحب الخضوع للسيطرة. فتحول إلى انتهاج النظام العسكري، وصاروا نوعا من اسبرطة العصر الحديث.

بعد هزيمتهم على يد فرنسوا الاول، بسبب استعماله سلاح المدفعية الجديد، أيقنوا، ضرورة ان ينتهج البلد الصغير الحياد.

آخر الحروب الأهلية في سويسرا، كانت منتصف القرن التاسع عشر، حين انقسمت سويسرا بين ليبراليين ومحافظين، كالاوروبيين. قرر الليبراليون حينها أن يفرضوا طرائقهم بالقوة، وتحركوا تحت قيادة الجنرال القوي هنري ديفور، لكن أمر اليوم الذي وجّهه، عشية الحرب الى جنوده، كان خطاباً جديدا تمام الجدة في التاريخ العسكري:

«أيها الجنود، علينا أن نخرج من هذه المعركة منتصرين، إنما أيضا من دون أن تقع عليكم أي ملامة. أضع بين أيديكم حماية الأطفال، النساء، العجزة وخدام الدين. من يصيب أو يؤذي أحداً لا حماية له، سيكون غير مستحق لعَلَمِه، ولا جنديا سويسرياً. عليكم أن تعاملوا أعداءكم، عندما يلقون سلاحهم على أنهم أصدقاء لكم، وعليكم ألا تنسوا ذلك عندما تنتهي الحرب. لأنهم سيكونون مواطنين إسوة بكم. إن عاملتموهم جيدا، فسويسرا لها مستقبل، وإن دفعتم بهم إلى الحائط، فسويسرا ستقسم».

قيل عن تلك الحرب، إنها حرب متمدنة، لأنها انتهت بمئتي قتيل

قيل عن تلك الحرب، إنها حرب متمدنة، لأنها انتهت بمئتي قتيل. المنتصرون كانوا سياسيين حاذقين، لأنهم عند انتهائها قالوا: «اسمعوا، لقد ربحنا، نحن في موقع قوة، انه وقت التنازلات». وبدل أن يفرضوا النظام السياسي الذي كانوا يقاتلون من أجله قبل الحرب، فرضوا تسوية بين ما أرادوه، وبين ما كان الطرف الآخر يقاتل من أجله.

ومنذ ذلك الوقت، ولدت سويسرا الحديثة، والتي هي كناية عن نظام سياسي ونظام عسكري، حيث لا يمكنك أن تدعي أنك تملك الحقيقة كاملة. وتدرك أن كل شخص، كل مجتمع، لديه جزء من الحق، وعلى الجميع الاتفاق فيما بينهم، مع كل ما يقتضيه ذلك من تنازلات. هذه هي الطريقة الوحيدة للتعايش بين المجتمعات الصغيرة، المتعددة.
منذ ذلك الوقت، بدأت عملية ضم لميليشيات المقاطعات والميليشيات المحلية، إلى الجيش الوطني. التدريب والتجهيز مركزيان، ومع ذلك، لايزال يوجد مجموعات عسكرية إقليمية حتى الآن؛ خاضعة للولايات وليس للجيش المركزي.

كيف نستفيد من الدرس السويسري؟ عندما يضع “حزب الله” سلاحه تحت أمرة الجيش اللبناني، وليس تحت أمرة الدولة الايرانية، سيتحول حينها الى حزب سياسي ويتم التفاهم معه وتقدّم التنازلات الضرورية من جميع الأطراف.

الدرس الثاني: هو أن الدفاع ليس شأن بعض الجنود المحترفين، اوما يسمونه مقاومة في لبنان. الدفاع شأن الجميع. الجيش اللبناني وحده يتحمّل مسؤولية الدفاع عن لبنان، ويخاطر من أجله.

ودرس آخر تعطينا إياه سويسرا: إذا كان لديك بلد فيه جنسيات ومجتمعات وطوائف ولغات متعددة، يمكن للخدمة العسكرية العامة أن تكون أداة قوية لجمع الشمل. فعيش التجارب الحياتية معا أمر مهم.

سويسرا تمكنت من البقاء رغم الخلافات، والقواسم المشتركة القليلة، لإدراكهم أن هناك شيئا مشتركا فيما بينهم، حتى وإن اختلفوا ثقافياً أو لم يحبوا بعضهم. لكن لديهم قناعة انهم سيخسرون اكثر بكثير عندما ينقسمون. وهذا كافياً للدفاع عن سويسرا.

ونحن علينا الدفاع عن لبنان الذي نريده ان يعود لبنان التعددية والعيش المشترك، قابلين باختلافنا عن بعض.

السابق
تصعيد اسرائيلي.. قائد المنطقة الشمالية يدعو لإحتلال منطقة أمنية بلبنان
التالي
الهجمات الروسية تشكل تحديات جديدة للأمن الغذائي العالمي