فوجئت خلال الأسبوع الماضي بإنتشار أسئلة على صفحة فايسبوك، بهدف تحريك الرّأي العامّ نحو توجّهات معيّنة.
يبدو أنّ ناشر هذه الأسئلة أو مموّلها هي منظّمة “إيباك”. فتلك الأسئلة تهدف إلى تدعيم الحجج الإسرائيليّة في حربها التّدميريّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، ولبنان. كانت لي ردود محرجة لأصحابها، فلم أعد أراها على صفحتي.
فهل أميركا ما زالت حلما كما كانت؟ كانت أميركا وما زالت، ألحلم الذي يدغدغ مشاعر كلّ إنسان حرّ، لا سيّما في دول العالم الثّالث
توقفت أمام أسئلة عن الدّستور الأميركي، والعلم الأميركي. فهل أميركا ما زالت حلما كما كانت؟ كانت أميركا وما زالت، ألحلم الذي يدغدغ مشاعر كلّ إنسان حرّ، لا سيّما في دول العالم الثّالث. هناك حاجة للتّمييز بين السّياسات الأميركيّة في العالم، والمفاهيم التي يقيمها الدّستور الأميركي، سواء بما يتعلّق بالمبادئ التي يجب أن تقوم عليها السّياسات الخارجيّة أو الدّاخليّة.
نعم، هناك تباعد كبير بين تلك المبادئ والسّياسات الخارجيّة للولايات المتّحدة. أمّا في الدّاخل، لا يمكن تجاهل عظمة تلك المبادئ، وكيف أوصلت الولايات المتّحدة إلى هذا الموقع القيادي في العالم.
هناك حاجة للتّمييز بين السّياسات الأميركيّة في العالم، والمفاهيم التي يقيمها الدّستور الأميركي، سواء بما يتعلّق بالمبادئ التي يجب أن تقوم عليها السّياسات الخارجيّة أو الدّاخليّة
إنّ أعظم ما أرساه دستور الولايات المتّحدة، إتّصل بالحرّيّات العامّة. فالمواطن المقيم في أميركا، سواء كان أميركيّا أو لم يكن، نعم بحرّيّة لم ينعم بها أيّ مواطن آخر في العالم، بما في ذلك في أوروبّا، حتّى نهاية الحرب العالميّة الثّانية. أرست قواعد ويلسون مبادئ التّحرّر من الإستعمار بعد الحرب العالميّة الأولى، وأكملت مبادئ روزفلت، وترومان، نظام العلاقات الدّوليّة من خلال ميثاق الأمم المتّحدة، بعد الحرب العالميّة الثّانية.
في اليوم العالمي للدّيمقراطيّة، كتب وزير خارجيّة أميركا، السّيّد بلينكن:”إنّنا نحتفل بالدّيمقراطيّة باعتبارها الأداة ألأكثر قوّة لإطلاق العنان للإمكانيات البشريّة، وتحقيق النّتائج للنّاس في كلّ مكان”. وأكّد على التزام بلاده حماية وتسريع التّجديد الدّيمقراطي في جميع أنحاء العالم، والإستمرار بدعم الإنتخابات الحرّة والنّزيهة، ومحاربة الفساد، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز الحوكمة الشّاملة.
كتبت كمواطن لبناني مقيم في أميركا، رسالة إلى وزير الخارجيّة، وسألته فيما إذا كان يرى النّظام الإنتخابي في لبنان، يعكس فعلا نموذجا ديمقراطيّا، كما تفهم أميركا الدّيمقراطيّة؟ فأيّة ديمقراطيّة في نظام يأسر خيارات المواطن في إطار مذهبي وطائفي؟
كتبت كمواطن لبناني مقيم في أميركا، رسالة إلى وزير الخارجيّة ردّا على تعليقه، وسألته فيما إذا كان يرى النّظام الإنتخابي في لبنان، يعكس فعلا نموذجا ديمقراطيّا، كما تفهم أميركا الدّيمقراطيّة؟ فأيّة ديمقراطيّة في نظام يأسر خيارات المواطن في إطار مذهبي وطائفي؟ أين هي الدّيمقراطيّة، في بلد لا تحكمه الدّولة، بلّ الميليشيات المسلّحة الحزبيّة، والدّينيّة؟ أين هي الدّيمقراطيّة في بلد نهبت أحزابه وسلطات بلده مدّخرات شعبه؟ أين هي الدّيمقراطيّة، والإنسان اللّبناني يموت ضحيّة حروب جارية على أرضه بين قوى خارجيّة لمسائل لا صلة قانونيّة له بها؟ دمّر مرفأ بيروت، ولم يسمح للقضاء بتحقيق العدالة. أين هي أميركا التي ستدعم الإنتخابات الحرّة والنّزيهة، وتحارب الفساد، وتحمي حقوق الإنسان في واقع لبنان المزري؟
أنا واثق تماما، أنّ وزير الخارجيّة، لا يملك قرار أميركا في العالم. فالدّولة العميقة أقوى من الدّولة الظّاهرة. والذي يحكم الدّولة العميقة، هي أجهزة المخابرات.
نشر يحي أبو زكريّا على مدوّنته ما قاله ضابط المخابرات الأميركي السّابق، أندري تولي، من قسم التّخطيط في المخابرات الأميركيّة، أنّهم “كانوا ينتقون الأوسخ، ويجعلونه حاكما في العالم العربي والإسلامي، لأنّ الحاكم المتّسخ لن يصنع حضارة، ولن يصنع دولة مطلقا، ولن يصنع شعبا عظيما”.
أميركا: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.
إقرأ أيضا: السباق إلى البيت الأبيض.. تقدم طفيف لهاريس وتنافس على استقطاب الشباب والناخبين السود!