جدار نتنياهو-سموتريتش مع الأردن

نتنياهو في كريات شمونة

كان لافتاً في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء الماضي، الحدود الشرقية لفلسطين المحتلة مع الأردن، اصطحابه بشكل غير معتاد، وزير المالية ونائب وزير الدفاع لشؤون الاستيطان بتسلئيل سموترتيش.

تحدث نتنياهو خلال الزيارة، عن ضرورة إقامة جدار أمني مع الأردن، لمنع تهريب السلاح بالتعاون مع “الجيران” في الشرق، فيما بدا هروباً من مواجهة أصل وجذر القضية الفلسطينية والاحتلال وممارساته وجرائمه في غزة والضفة الغربية وفلسطين بشكل عام.

اقرأ أيضاً: عملية الضفة… جنين الهدف المركزي

جاءت الزيارة اللافتة شكلاً ومضموناً، على بعد أيام قليلة من عملية “جسر الكرامة” التي نفذها الشهيد ماهر الجازي على جسر الملك حسين، وأسفرت عن مقتل ثلاثة موظفين إسرائيليين، وحاول نتنياهو استغلالها على طريقته الانتهازية إلى أبعد مدى، باتهام ما وصفه بـ”محيط الشر المعادي”، الذي تدعمه وتموّله إيران، بالمسؤولية عن العملية، كما الأجواء المعادية لإسرائيل، في تجاهل موصوف لحرب غزة والعمليات الأخيرة شمال الضفة الغربية، ونقل نموذج غزة التدميري إليها على مرأى ومسمع من الأردن وأهله.

بداية ومنهجياً، يعتبر زئيف جابوتنسكي، المرشد الروحي والفكري والسياسي لحزب “ليكود”، الذى أسسه تلميذه مناحيم بيغن، ويُعتبر والد نتنياهو المؤرخ  بن صهيون نتنياهو كذلك أحد تلامذته. وجابوتنسكي هو صاحب نظرية الجدار الفولاذي الحديدي مع المحيط العربي المعادي، علماً أن هذا الجدار حسب النظرية ليس مادياً بالمعنى المباشر للكلمة، وإنما معنوي ونفسي، بمعنى أن تقيم إسرائيل جدار هائل من القوة والجبروت والردع يصطدم به المحيط المعادي العربي إلى أن تتملكهم الهزيمة النفسية، ويقتنعوا باستحالة تحديها أو الانتصار عليها، ومن ثم الاقتناع والإقرار بوجودها صراحة أو ضمناً.

المفارقة أنه وبعد إقامة الجدار الحديدي ولكن من قبل حزب “العمل” بزعامة ديفيد بن غوريون، أحد خصوم جابوتنسكي التاريخيين، باشر تلامذة هذا الأخير في حزب الليكود، إقامة الجدار أو الجدر للدقة بالمعنى المادي والفعلي، بعد المعنوي والنفسي.

بدأ الأمر مع إقامة الجدار الفاصل في الضفة الغربية -اقتطع ثلثها تقريباً- على يد أرئيل شارون، بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، والذي قالت محكمة العدل الدولية في فتواها الشهيرة عام 2004، إنه غير شرعي، ومُقام على أراضٍ فلسطينية محتلة، وطالبت بإزالته والتعويض على المتضررين منه، لكن جرى التفريط بالقرار وعدم ملاحقته قضائياً وسياسياً، بينما مثّل قبول السلطة بفكرة تبادل الأراضي  مع إسرائيل نسفاً للأساس القانوني والسياسي للفتوى.

جدار شارون كان تعبيراً عن ذهنية فكّ الارتباط والانفصال الأحادي عن الفلسطينيين، مع القناعة بالعجز عن إخضاعهم سلماً أو حرباً للتصورات والرؤى الإسرائيلية المجحفة وغير العادلة، كما مثل إعلاناً شبه رسمي عن وفاة عملية التسوية التي انطلقت قبل ذلك بعقد تقريباً.

من جهته، بدا نتنياهو متمسكاً بجدار شارون، لكنه لم يشأ الانفصال تماماً عن الضفة عوضاً عن التفكير بضمّها وشرعنة الاستيطان فيها، بما في ذلك البؤر العشوائية وغير القانونية حتى وفق القانون الإسرائيلي نفسه.

بعد الضفة ذهب نتنياهو إلى إقامة جدار أمني على الحدود المصرية، في صحراء النقب، لمواجهة تدفق اللاجئين الأفارقة والمخدرات، وبدرجة أقل السلاح، معتبراً أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يتم الوصول إليها سيراً على الأقدام من العالم الثالث، وهو توصيف عنصري بامتياز.

في ذلك الوقت قبل 10 سنوات تقريباً، طُرحت أيضاً فكرة الجدار الأمني مع الأردن، ولكنها بدت محرجة وانعزالية فعلاً ومتناقضة شكلاً ومضموناً مع أفكار التطبيع والعلاقات مع الدول العربية، كما مع ترويج إسرائيل لنفسها كالدولة الأقوى في المنطقة.

من جهة أخرى، بدت الفكرة تشكيكاً بسيادة وقدرات الأردن على حفظ أمنه وحدوده، ولذلك تمّ التغاضي عنها، إضافة الى البعد الاقتصادي كون الجدار يكلّف مليارات الدولارات خاصة أن الحدود طويلة نسبياً (355 كم)، كذلك لعبت فترة الهدوء التي سادت في الضفة الغربية آنذاك دوراً، مع ترقب مآلات الثورات العربية على القضية الفلسطينية.

توترت العلاقات مع الأردن في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد عودة نتنياهو إلى السلطة قبل عامين، وتشكيله الحكومة الأكثر تطرّفاً في تاريخ الدولة العبرية، وفق التعبير الحرفي للرئيس الأميركي جو بايدن، وتوجس عمّان من سياسة نتنياهو تجاه المفاوضات وعملية التسوية، وسعيه لتحويل المؤقت إلى دائم تحت عناوين مختلفة، من قبيل إدارة الصراع أو تقليصه والحفاظ على الواقع الراهن المناسب لتل أبيب، حيث الحكم الذاتي المحدود لسلطة بلا سلطة في الضفة الغربية، وحصار غزة وإشغالها بنفسها، والحفاظ على الانقسام والانفصال عن الضفة وباقي فلسطين، وإلقاء تبعتها قدر الإمكان أقله اقتصادياً واجتماعياً على مصر.

في هذه المرحلة، جرت استعادة فكرة الأردن كوطن بديل عن فلسطين من قبل الهوامش  الأكثر تطرفاً، ما يعني إحياء دعوات التهجير القسري “الترانسفير”، وقتل عملية التسوية والمفاوضات، وفكرة حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة.

ومع تمكن الهامشيين الأكثر تطرفاً وتحالفهم مع نتنياهو وتموضعهم على متن الساحة السياسية والحزبية، شهدنا حتى عودة فكرة ضم الأردن نفسه مع شعار للنهر (الأردن) ضفتان، الأولى لنا والثانية أيضاً، وهو شعار عصابات “الأرغون” المسلحة التي تحولت سياسياً إلى الليكود فيما بعد. 

بعد طوفان الأقصى والحرب، توترت العلاقات أكثر مع الأردن بعدما اتضح أن مساعي أحلام أو أوهام التهجير، لا تقتصر على غزة تجاه مصر، وإنما تتمدد إلى الضفة تجاه الأردن، خصوصاً بعد عملية شمال الضفة الأخيرة التي بدت استنساخاً مصغّراً لحرب غزة وجرائمها، وهو ما اعتبره وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي بمثابة إعلان حرب، ليس أقل من ذلك.

هذا كله معطوفاً على تدنيس واقتحامات المستوطنين للمقدسات الإسلامية في انتهاك واضح للوصاية الأردنية،  وعدم ممانعة تل أبيب في زعزعة استقرار الأردن نفسه.

وعليه كانت عملية الجسر تعبيراً عن الغضب والاحتقان في الشارع الأردني والعربي، تجاه الجرائم والممارسات الإسرائيلية في الضفة، وغزة، بينما تحاشي نتنياهو متعمداً استيعاب خلفياتها ودلالاتها واستخلاص العبر الملائمة منها، وهرب نحو اتهام إيران ومحورها المزعوم بالتحريض ونشر الكراهية.

ثم قام بتضخيم قصة تهريب السلاح عبر الحدود الأردنية، ما يمثل أيضاً هروباً من الحقيقة، كون السلاح يصل إلى الضفة من الداخل المحتل عام 1948، وعبر عدة طرق ووسائل، بما في ذلك سرقته من مستودعات جيش الاحتلال وبيعه في الضفة. 

في سياق الهروب الموصوف، شهدنا استنساخ رواية أو فرية محور فلادلفيا باتجاه الأردن، وابتزاز عمان بعد القاهرة، رغم سيل التقارير المجدافية لفرية نتنياهو عن تهريب السلاح سواء إلى غزة أو الضفة.

ثم وصلت حالة الانكار إلى حد احياء فكرة الجدار الأمني العازل والعنصري والاستعلائي مع الأردن، في نقضٍ لمزاعم التطبيع، والانفتاح، لصالح الانغلاق والانزواء، رغم التباهي بالقوة الغاشمة وتدمير غزة ومعظم مخيمات شمال الضفة – نور شمس وطولكرم وجنين والفارعة.

وفيما يخص الشق المتعلق بسموتريتش نفسه، والذي كان قد ظهر متحدثاً في باريس قبل شهور وخلفه خريطة الأرغون وشعار الضفتان لنا، فقد كان اصطحاب نتنياهو له لافتاً جداً وغير معتاد ومستفزاً بحد ذاته، وجسّد مرة جديدة مقولة هنري كيسنجر الشهيرة عن إسرائيل التي لا تمتلك سياسة خارجية بل داخلية فقط.

في العموم، بدا المشهد برمته معبراً عن الانفصام وحالة الانكار ورفض التوقف والمراجعة واستخلاص العبر والهروب نحو الحلول الأمنية، التي تفاقم أزمات الدولة العبرية البنيوية ولا تحلها.

السابق
الأسد يصدر مرسوما بتكليف وزير سابق بتشكيل حكومة جديدة.. من هو؟
التالي
قضية تسجيل الطلاب السوريين في المدارس تتفاعل.. تُهدد السلم الأهلي وترمي إلى التوطين!