منذ بدأت الحرب بين اسرائيل و”حزب الله”، في ٨ تشرين الأول (اكتوبر) قبل نحو عام، كان جليّا للجميع ان البلد، امام حرب ذات نمط مختلف، عن الحروب التي خيضت بين اسرائيل و”حزب الله”، او سواء مع لبنان وعلى امتداد عقود.
هذه الحرب التي اتسمت بكلفة قليلة نسبياً لاسرائيل، من خلال اعتمادها على ارضية تكنولوجية متطورة، وتحكم في الجو، وتنفيذ ضربات مركزة، من استهداف مواقع ومراكز عسكرية، وعمليات اغتيال لكوادر وقيادات عسكرية، فضلا عن عناصر تابعة للحزب، وعمليات محدودة طالت فلسطينيين من عناصر وكوادر، وآخرين من احزاب لبنانية قريبة من الحزب.
هذا النمط من الحرب الجديدة، يترافق مع تهديدات مستمرة من قبل اسرائيل، بشنّ حرب شاملة على لبنان، حتى ليبدو ان التهديد في ظل تكراره المديد، ليس الاّ وظيفة تستخدمها اسرائيل، لاستمرار الحرب الجارية، والتي تبدو كعملية تصفية مفصلية لقدرات الحزب العسكرية والبشرية واللوجستية، من دون اي ادانة او اعتراض دولي، على العدوان الاسرائيلي، واضعاف تحكم القيادة في الميدان، من خلال تظهير القدرة على خرق الاتصالات، واستخدامها في تنفيذ العمليات العسكرية على اكثر من مستوى.
التصعيد الاسرائيلي ضد “حزب الله”، كان مؤشره الابرز اغتيال المسؤول العسكري فؤاد شكر، وهو في جانب منه اختبار لردّ فعل الحزب، او محاولة استدراج رد ايراني، لاسيما بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي في “حماس” اسماعيل هنية في طهران.
التصعيد الاسرائيلي ضد “حزب الله”، كان مؤشره الابرز اغتيال المسؤول العسكري فؤاد شكر
عدم الردّ الايراني وردّ الحزب الذي بدا مقبولا من اسرائيل، أعطى محفزا لاسرائيل لتنفيذ عمليات اشدّ ضد الحزب، خصوصا ان مصادر موثوقة لـ”جنوبية” اكدت ان “الحزب منع “حركة حماس” القيام باي عملية رد على اغتيال هنيّة من لبنان، حتى ولو على مستوى اطلاق دفعة من الصواريخ باسم الحركة من جنوب لبنان، وما يؤكد ذلك ان “حماس” او “كتائب عزالدين القسام”، لم تقم بأي عملية من الاراضي اللبنانية، بخلاف ما كان يجري بين الحين والآخر قبل اغتيال هنية.
مصادر متابعة من موقع مسؤول، تستبعد عبر “جنوبية”، “الحرب التقليدية، اي تلك المتصلة بخطة اجتياح بري
اذا كان الجيش الاسرائيلي، رغم تهديدات قياداته المستمرة بشن حرب على لبنان، يُفهم منها اجتياح بري مثلا، فان مصادر متابعة من موقع مسؤول، تستبعد عبر “جنوبية”، “الحرب التقليدية، اي تلك المتصلة بخطة اجتياح بري، وترجح ان اسرائيل سوف تستكمل اسلوبها الحالي في الحرب، ولكن هذه المرة بتوجيه ضربات عسكرية نوعية وتدميرية، تطال من خلالها مواقع ومراكز ومخازن وقواعد تابعة للحزب، في مناطق مأهولة وغير مأهولة، بمعنى ان اسرائيل لن تكون مهتمة بتحييد المدنيين، ولكن تقدم هذا العدوان على ان سقوط المدنيين فيه، ليس الاّ اضرار جانبية، وأنّ سبب ذلك هو وجود هذه المواقع الامنية او العسكرية في مناطق مدنية.
ومع تراجع استراتيجية “وحدة الساحات” واهتمام كل ساحة بساحتها، الذي عزّزه الموقف الايراني الهادىء نسبياً تجاه اغتيال هنية، وانهماك الميليشيات العراقية، بما يتم ترتيبه عراقيا مع الجانب الأميركي، بشأن وجوده في العراق، مترافقا مع استحضار امجاد الحرب في ذكراها السنوية هذه الايام مع “داعش”، باعتبارها ملحمة التعاون الاميركي_العراقي وحتى الايراني في هزيمة “داعش”، الى جانب انكفاء سوريا عن مناصرة غزّة بفتح جبهة الجولان.
اكد اكثر من مصدر فلسطيني ل”جنوبية”، ان “المقاتلين الفلسطينيين المتواجدين في المواقع الامامية على الحدود مع فلسطين، يلمسون ان وجودهم غير فاعل
كل ذلك، الذي خلق نوع من تفكك الساحات، كان له انعكاسه على دور الفلسطينيين في لبنان في حرب المساندة ايضا، حيث اكد اكثر من مصدر فلسطيني ل”جنوبية”، ان “المقاتلين الفلسطينيين المتواجدين في المواقع الامامية على الحدود مع فلسطين، يلمسون ان وجودهم غير فاعل، ولا يقومون بما كانوا يتوقعون، وهم يرون فلسطين امام اعينهم”.
وإذ لفت المصدر عينه، الى ان “عددا منهم سقطوا شهداء”، أشار الى “ان اعدادا لا بأس فيه هم من فلسطينيي سوريا، اي من خارج مخيمات لبنان”، متوقفاً عند “استقطاب المقاتلين الفلسطينيين، الذي بات يأخذ اشكالا تعويضية عن الحرب المباشرة، كأن يقوم “حزب الله” بدعوة نحو الف فلسطيني من لبنان، للمشاركة في اربعينية الامام الحسين في العراق قبل اسابيع، وقد انتقلوا عبر مطار دمشق، رغم ان هذه الرحلة التي نظمها وموّلها الحزب، لم تعط النتائج المتوخاة، خصوصا في ظل المبالغات الاحتفائية في هذه المناسبة، وما تثيره من حساسيات، في مناسبة لها طابع مذهبي، ومظاهر مذهبية مستفزة احياناً لأبناء المذهب نفسه، فكيف لسواهم.
يبقى ان الحرب هي واقع فعلي على الأرض، ومفتوحة على شتى الاحتمالات، واذا كان المحور الذي تقوده ايران يقاتل في بعض الجبهات، فان ايقاع المواجهة لمن بقي في المحور، بات يمشي على ايقاع حماية الجمهورية الاسلامية في ايران، وهي مهمة يقع عاتقها على كاهل “حزب الله”، الذي يبدو ان جلّ ما يريده اليوم، هو الالتزام بشروط عدم توسع الحرب المطلوب اميركياً، فيما اسرائيل ورئيس حكومتها تحديدا، لا يزال يراهن على حرب على ايران ومشروعها النووي مباشرة، يقف فيها خلف واشنطن.