عملية الضفة… جنين الهدف المركزي

الجيش الاسرائيلي الضفة الغربية

استغرقت العملية العسكرية الإسرائيلية شمال الضفة الغربية، التي أنهاها الاحتلال أمس، 11 يوماً في جنين، بينما لم تستغرق سوى 24 ساعة في مخيم الفارعة، بطوباس، و36 ساعة في طولكرم ومخيماتها، قبل أن تستأنف خلال الأيام الثلاثة الماضية، وبشكل نسبي ومحدود في المدينتين.

عدد كبير من الشهداء

الحقائق والمعطيات السابقة يمكن تلمسها كذلك مع الانتباه إلى عدد الشهداء الكبير في جنين (21)، أي أكثر من نصف شهداء العملية كلها البالغ 39، مقابل 8 شهداء في الفارعة، و7 شهداء في طولكرم، و3 في مدينة الخليل، جنوب الضفة، التي دخلت بقوة على الخط المقاوم هذا الأسبوع، ولكن مع حذر إسرائيلي من القيام بعملية واسعة فيها، أقله حتى حسم موضوع شمال الضفة.

اقرأ أيضاً: عملية الضفة.. نتنياهو ماضٍ بمشروعه ويتمدد

بداية، لم يكن مفاجئاً هذا الترتيب الزمني والعملياتي للعملية. فقد استغرق الأمر 24 ساعة في مخيم الفارعة بطوباس، وبدت العملية هناك أقرب إلى التوغلات والاجتياحات التقليدية والمعتادة خلال الشهور الأخيرة، في مدن ومخيمات وبلدات الضفة بشكل عام، لاستهداف خلايا المقاومة، علماً أننا نتحدث عن عدد محدود جداً من المقاومين، لا يتجاوز العشرات.

بدت العملية كذلك تجسيداً واضحاً ومباشراً لمصطلح جزّ العشب الإسرائيلي المتداول، ما يعني أن العودة إليها -طوباس والفارعة- مرة أخرى لن تكون مفاجئة أبداً، خصوصاً مع إدخال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مصطلح جديد الأربعاء، عبر حديثه عن جزّ الجذور وعدم الاكتفاء بالعشب فقط، مع التذكير الضروري بعنصرية ودموية المصطلح الذي يمثل بالتأكيد إعداماً خارج المحكمة، ناهيك عن عدم شرعية وقانونية الاحتلال نفسه وأهليته لمحاكمة المواطنين الفلسطينيين.

في السياق نفسه، يمكن وضع العملية في طولكرم، أقلّه من حيث الوقت، حيث استغرقت مرحلتها الأولى 36 ساعة، مع إرتقاء 5 شهداء في المرحلة الأولى بمخيم نور شمس، بمن فيهم قائد المقاومة هناك محمد جابر (أبو شجاع)، مع رفاقه في قيادة كتيبة نور شمس.

من هذه الزاوية، بدت العملية مشابهة لما جرى في طوباس، لجهة التوغل أو الاجتياح المحدود، والهادف أساساً للقضاء على خلية مقاومة معينة ثم الانسحاب.

وبناءً عليه، جاءت العودة إلى طولكرم مساء الاثنين الماضي، بعد أربعة أيام تقريباً من التوغل الأول، ولكن إلى المدينة ومخيمها هذه المرة، بموازاة حصار مخيم نور شمس، حيث بدت شبيهة أيضاً بمرحلتها الأولى. بينما كان حجم الدمار واسعاً وكبيراً في البنية التحتية المتواضعة أساساً، كوننا نتحدث عن مخيمات صغيرة محدودة جداً وأقل من نصف كلم مربع، وآلاف معدودة من السكان.

جنين عاصمة المقاومة

بالعموم، ومنذ اللحظة الأولى، بدت مدينة جنين ومخيمها عنواناً وهدفاً مركزياً للعملية العسكرية الإسرائيلية كلها في شمال الضفة، بعدما باتت عاصمة وملهمة المقاومة في المنطقة والضفة بشكل عام.

وبنظرة إلى الوراء، تبدو العملية كلها في طولكرم وطوباس والفارعة، بمثابة استهداف واستنزاف للمقاومين فيها، لمنعهم من الضرب خلف خطوط وطرق إمداد الاحتلال، ونجدة رفاقهم في كتيبة جنين، باعتبارها الهدف الرئيس للعملية.

أوقعت عملية جنين عشرات الشهداء، بينما بدت الأجواء والمشاهد هناك، لجهة عزل وحصار الحارات والأحياء عن بعضها البعض، وإجبار أهلها على النزوح، مماثلة لتلك التي عشناها في حرب غزة، خلال الشهور الـ11 الماضية.

وجرى الاستفراد بداية، بشرق مخيم جنين والحارات الأكثر تأثيراً التي تتمركز فيها خلايا المقاومة بشكل أكبر، وإجبار الأهالي على النزوح، حيث بدا شرق المخيم شبيه بشرق خانيونس وجباليا والشجاعية ورفح، في تجسيد لمعادلة الوزير وعضو كابينت الحرب السابق بيني غانتس الدامجة للضفة وغزة، في عنوان أو منظور عسكري عملياتي واحد.

كذلك شهدنا في جنين، حصار الاحتلال للمستشفيات، ومنع إدخال الماء والغذاء والدواء إليها، كما الحارات والأحياء المحاصرة، حيث بدت جنين ومخيمها فعلاً “غزة صغرى”، حسب تعبير المسؤولين هناك. واستهدفت العملية مئات المقاتلين والمقاومين، وتحديداً الشهيد وسام خازم ورفاقه في قيادة المقاومة. لكن الاجتياح بدا هذه المرة مختلفاً عن نظيره في 2002، وأكثر قسوة وشراسة وإجراماً وتدميراً، رغم أنه استمر أنذاك مدة زمنية أطول وأسقط عدداً أكبر من الشهداء.

وهذه المرة كانت الطائرات والمسيرات حاسمة جداً للمراقبة للاستطلاع والقصف حيث مثلت أداة القتل الرئيسية، طبعاً مع الدبابات والجرافات البرية التي اجتاحت المخيم. على الرغم من ذلك، بدت ملحوظة وظاهرة للعيان الروح المعنوية العالية للمقاومين والقتال حتى الرمق الأخير، كما رأينا عبر أبو شجاع وخازم ورفاقهم، في تذكير بمشهد السطح الشهير في مخيم جباليا، الذي يكاد يختصر الجولة والمعركة والحرب برمتها في غزة والضفة أيضاً.

الخليل

في الأسبوع الأخير، شهدنا دخول غير مفاجىء إلى الخليل، معقل حماس وأكبر محافظات الضفة وأكثرها سكاناً، على خط المقاومة، في عمليات نوعية بدت تجسيداً لتحذيرات الاحتلال السابقة، الذي يبدو رغم ذلك حذراً جداً من فتح جبهة جنوب الضفة بعد الشمال.

قد تشهد المدينة عملية جديدة تستغرق أيام قليلة ولكن من الصعب تصور عملية واسعة وممتدة في المحافظة الأكبر بالضفة. وعلى الأغلب ستكون توغلات ضمن معادلة جزّ العشب والجذور سيئة الصيت.

ثمة استلاب إسرائيلي لمقولة “ما لم يتحقق بالقوة فسيتحقق بالمزيد منها”، مع تجاهل لجذر القضية التمثل بالاحتلال الاستيطان حيث كانت الضفة تغلي حتى ما قبل حرب غزة.

وفي ما يخص العامل الإيراني الهامشي في مستجدات الضفة، فالمقاومة لم ولن تتوقف، والحضور الإيراني كان ولا يزال هامشياً وصغيراً في القضية الفلسطينية، وتضخمه إسرائيل لشيطنة المقاومة واستغلال الممارسات الانتهازية الإيرانية للفت الانتباه عن الاحتلال نفسه.

خلال الأيام الماضية، اعتبر الاحتلال، الضفة الغربية، جبهة قتال ثانية لا ثانوية، كما تم التعاطي معها منذ شهور وسنوات، وتحديداً بعد هجوم “طوفان الأقصى” والحرب على غزة في تشرين أول/أكتوبر 2023.

من هذه الزاوية أيضاً يجب النظر إلى خريطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمره الصحافي الدعائي والمسرحي الاثنين الماضي، واعتبار الظروف ملائمة للحسم النهائي بالضفة في ظل الانشغال الإقليمي والدولي بغزة والتطورات فيها.

في الأخير، لا بد من التذكير كما دائماً بعجز قيادة السلطة الهرمة المنفصلة عن الواقع، كما الفصائل المسلحة رغم نواياها الطيبة عن حماية الناس، ومنع التدمير الهائل للمدن والبلدات والمخيمات، في الضفة الغربية، دون خسائر ملحوظة، ورفع الكلفة في صفوف جيش الاحتلال، أمام التفوّق الهائل استخبارتياً وعسكرياً وتكنولوجياً مع استخدام أسلحة متطورة جداً، ودمج تقنية الذكاء الصناعي بها ما يفسر الاغتيالات الدقيقة والناجحة -وعلى الطريقة اللبنانية- خلال العملية الجارية.

من جهة أخرى، ومرة جديدة، نجد أنفسنا أمام تأكيد لصوابية خيار المقاومة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة، والتي قد تكون أكثر جدوى، وأقل كلفة، كما رأينا في هبّة الشيخ جراح وبيتا وبرقة وكفرقدوم وبلعين ونعلين والنبي موسى. 

الخلاصات والاستنتاجات الفكرية – السياسية تشمل كذلك ضرورة إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي، وتشكيل قيادة مصداقة جديرة بتمثيل الشعب العنيد الذي لا يكلّ ولا يلين، ولا يستسلم أمام البطش والاختلال الهائل في موازين القوى لصالح الاحتلال بعد عجز وفشل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن نجدته أو إيقاف جرائم الحرب والإبادة بحقه.

السابق
الرأي العام الإسرائيلي 160%.. ولا صوت يعلو فوق صوت جيشه!
التالي
«حماس»: محمد الضيف بخير ولا زال على رأس عمله!