
هذا كتابٌ تَحذيريّ
كتابٌ تَحذِيريّ ، هو الكتاب الصّادر ، حديثاً ، عن ” شركة المطبوعات ” في بيروت تحت عنوان ” هذا يُغيِّر كلّ شيء( ألمواجهة بين الرّأسماليّة والمُناخ ) ” ، في طبعة أولى 2024 وهو كتاب جديد للصحافية والكاتبة الكندية نعومي كلاين . ولقد ترجمه إلى العربيّة محمد عثمان خليفة .
تحذيرٌ عِلميّ
وتحذيرُ كلاين ، في مؤَلَّفها هذا، هو تحذير له دعائمه ودعاماته القائمة على حقائق عِلميّة متعلقة بالتّغيُّر المُناخي أو الاحتباس الحراريّ المضطّرد ازدياداً ، منذ حصوله، وباستمرارٍ متواصل . إذ تُحذّر الكاتبة – استناداً إلى منطقية معطَياتِ هذه الحقائق – مِن وقوع كارثةٍ مُناخيّة سوف تتحقّق، فعلاً، هذا إذا ما لم يتمّ تَدَارُكها بالأفعال المطلوبة (الضّرورية – الحتمية والمُلِحّة) قبل فوات الأوان.
ويقول “هذا يغيّر كلّ شيءٍ” إنّ أسباب التّغيّر المُناخي أو الإحتباس الحراري، هي وليدة المواجهة التي فرضتها الرأسمالية العالمية في ما بينها وبين المُناخ . وهنا تكمن الدلالة العميقة للعنوان الفرعي لهذا الكتاب،ألذي يُفصِح عن أنّ ” الدول والشركات (الرأسمالية)هي المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض “. ( ص 126 )هذا أوّلاً،وبشكلٍ أساسيّ، بفعل استخراجها للوقود الأحفوري الذي سبَّبت انبعاثاتُه التّغيُّرَ المُناخي أو الإحتباس الحراري. وثانياً لأنّ هذه الرأسمالية العالمية الجشعة عمدت وبإصرارٍ عنيد أيضاً – وبالرغم من مطالبة المناهِضِين لأعمالها هذه وعلى ما يؤكِّد هذا الكتاب أيضاً وبما يحتويه من شهاداتٍ كثيرة ودامغة في هذا النطاق- إلى الإستثمار في هذا الوقود الأحفوري استثماراً كثّف من زيادة الإحتباس الحراري، زيادةً تتفاقمُ استمراريتُها،وبالتالي يَقوَى أذاها الواضح ، والملموسة نتائجه الضّارّة يوماً بعد يوم؛ وفوق ذلك ،عمدت هذه الرأسمالية إلى إنكارها العنيد والتام والمطلَق لأيّ وجودٍ للإحتباس الحراري ( حتىّ لا تخسر الأرباح الطائلة التي تجنيها من استثماراتها الأحفوريّة)، وهذا هو المقصود في هذا الكتاب، بالمواجهة بين الرأسمالة والمُناخ .
ألتَّغَيُّر المُناخي أصبح يُشكّل أزمة وجودية للبشرية جمعاء بوكس: يدور هذا الكتاب حول التَّغيُّرات الرّاديكالية للمعالجة المُناخية على الجوانب : الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية
لذلك فإنّ تحذير هذا الكتاب نلخّصه بما مفاده : لِتلافي أو لِتفادي كارثيّة الإحتباس الحراري أو التّغيّر المناخي، علينا إصلاح أنفسنا، ذلك لأنّ هذا التّغيّر أو هذا الإحتباس إذا لم يُعالَج بالمستوى الجِدّي والمطلوب وبشكل سريعٍ،في الوقت نفسه ، فسيستفحل بطبيعة الحال، واستفحاله هو، في النتيجة سيمحو حياتنا، لامحالة.على ما يَجزُمُ هذا الكتاب .
جَرَس إنذارٍ ضخمٌ
وهذا الكتاب هو من كُتُب الإقتصاد البيئيّ ، وهو يحتوي على مقدّمة ومتنه مؤلّف من ثلاثة أجزاء تضمّ 13 فصلاً وخاتمة.
وفي هذا الكتاب، تطرح نعومي كلاين، التي تُعَدّ من أبرز الرموز الفكرية لحركة مناهضة العولمة النيوليبرالية، مجموعة من الأسئلة مفادها : ” هل نحن على الدرب الصحيح؟ هل نقوم بما هو صوابٌ لأنفسنا ولمستقبلنا؟ وهل هذا هو أفضل ما نستطيع فعله فيما يتعلق بالمناخ؟ “، ومن ثمّ تعمد إلى تقديم إجاباتٍ محورها العدالة الإجتماعية والبيئية، كونها ترى أنّ الحلّ لا يتعلّق بإصلاح العالم بل منوطٌ ب ” إصلاح أنفسنا “. وهذا ، لأنّ تغيُّر المُناخ ليس مجرّد ملفٍّ شائك ينبغي لنا أن نخصّص له من الوقت ما نخصّصه لملفاتٍ مثل الضرائب والرعاية الصّحيّة ، بل هو جَرَسُ إنذار ضخمٌ يدعونا لإصلاح نظامٍ إقتصاديّ يخذلنا بالفعل من نواحٍ كثيرة .
ومنطلق حجّة كلاين هو أنّ الحدّ من الانبعاثات المسبِّبة للإحتباس الحراري سبيلنا إلى جَسر فجوة التفاوت الإجتماعي والبيئي والإقتصادي، وجَبر نُظُم ديموقراطياتنا المتداعية، وبَثّ الحياة في اقتصاداتٍ تُحتضَر. تُقرِّع كلاين التّهافت الأيديولوجي لِمُنكِري تَغيُّر المُناخ، وأوهام المتخصِّصين، وتنتقد إنهزاميّة كثير من المبادرات البيئية. وتُوضح، تفصيلاً، أسباب عجز السوق عن إصلاح أزمة المناخ حتّى ولو حاول،وكيف انّه من عوامل تدهور الوضع المناخي المطرد ، في ظلّ رأسمالية عاتية بلا قيود .
يقترح هذا الكتاب استراتيجيّته غير المسبوقة في مجال التَّغيُّر المناخي الهادفة إلى نقل الثقل الأيديولوجي بعيداً من أصولية السّوق الأحفوريّة الخانقة
وتقول كلاين إنّ ما يطرأ من تغيير على علاقتنا مع الطبيعة، وفي ما بيننا، تجاوباً مع جهود العمل المناخي، هو هِبَة، تدفعنا إلى تغيير الأولويّات الإقتصادية والثقافية الفاسدة وعلاج جِراحٍ طال إهمالها . وتُوثّق كلاين مساعي الحركات الرائدة الملهِمة، والمجتمعات التي لم تكتفِ برفض السّماح باستخراج مزيدٍ من الوقود الأحفوري من قلب أراضيها بل بادرت ببناء اقتصاداتِ الغدّ القائمة على مفهوم التّجدّد .
أمّا السؤال المتعلّق بفُرَص نجاحنا في تحقيق التغيير في الوقت المناسب ، فلا إجابة شافية عنه ، وتبقى الاحتمالات جميعها قائمة. وتبقى حقيقة وحيدة ، وهي أنّ تَغيُّرالمناخ يُغَيِّر كلّ شيءٍ ، ونحن البشر مسؤولون عن ترويضه وضمان حياده ، وإن كان عنصر الوقت ليس في صالحنا .
مقتطفاتٌ من مقدّمة الكتاب
ومما جاء في مقدّمة هذا الكتاب نورد المقتطفات الآتية :
” إنّ حَرقَ الوقود الأحفوري يُغَيِّرُ جذريّاً من الواقع المُناخيّ … نحن نُدرك أنّنا إذا ما واصلنا مسيرتنا الحالية بالسّماح برفع مستويات الانبعاثات سنةً تلو أخرى ، فإنّ التّغيُّر المُناخي سوف يُغَيِّر كلَ شيءٍ في عالمنا … إنّ التّغيّر المناخي أصبح يشكِّل أزمةً وجوديّةً للبشريّة جمعاء .ليس هناك أيُّ نقصٍ في الحوافز القصيرة الأجل والمتوسطة للقيام بما هو مناسب من أجل مُناخنا … ” .
وتضيف المقدّمة إنّ ” من الموكّد أنّ الوقت ضيّق. ولكن بإمكاننا ، بدءاً من الغد، أن نُلزِم أنفسنا بخَفضٍ كبير لانبعاثات الوقود الأحفوري وأن نبدأ بالإنتقال نحو مَصادر طاقةٍ خالية من الكربون عبر الطاقة المتجدِّدة ، وأن نحقِّق الإنتقال التام خلال عقدٍ من الزّمن . والأدوات المطلوبة للقيام بذلك متوافرة لدينا . وستواصل البِحار ارتفاعها وستأتي الرياح أيضاً ، ولكن ستكون لدينا فرصة أكبر لِتفادي النتائج الكارثيّة للإحتباس الحراري . بكلّ تأكيد سيجري إنقاذ أوطانٍ بكاملها من الأمواج العاتية. ” .
وتمضي الكاتبة موضحةً القول في هذه المقدّمة: ” مِن خلال طرح أزمة المناخ على أنّها صراع بين الرأسمالية والكوكب ،لا أفصح عن أمرٍ لا نَعرفه . فالمعركة جارية على قدمٍ وساق. لكنّ الرأسمالية تحقّق انتصاراتها الآن . إنها تنتصر في كلّ مرّة تُطرَح مسألة النموّ الإقتصادي كذريعةٍ لتأخير الإجراءات المُناخية ، أو لِكَسر التّعهّدات التي قُطِعت في مجال خفض الإنبعاثات … ” .
إستراتيجيّةٌ جَذريّة
لذا فإنّ ” هذا الكتاب يدور حول التَّغَيُّرات الرّاديكالية على الجانب الإجتماعي ، كما السياسي والإقتصادي والثقافي … أي ” إنّه يقترح استراتيجيّته المختلفة في معالجة أزمة التّغيّر المناخي معالجةً جذريّة . وهي المعالجة غير المسبوقة والمتمثلة بـ” التفكير بشكلٍ واسع وعميق ، ونقل الثّقل الأيديولوجي بعيداً من أصوليّة السّوق الخانقة التي أصبحت العدوّ الأكبر لِصحّة الكوكب. ”
وتنتهي مقدّمة هذا الكتاب بالتأكيد التكراريّ الآتي : “إنّ التَّغيُّرَ المُناخي يُغَيِّرُ كلّ شيءٍ وطبيعةُ ذلك التّغَيُّر تعود إلينا .”.
عن صاحبة هذا الكتاب :
والكاتبة نعومي كلاين هي ناشطة ومحلِّلة سياسية في شؤون عولمة الشركات . وكلاين إحتلّت المرتبة الأولى بين النساء في قائمة أهمّ مثقّفي العالم . بِيع من كُتبها أعداد هائلة وتُرجم منها إلى أكثر من 28 لغة . حصدت كلاين جوائز عدّة ومرموقة وكتابها ” عقيدة الصّدمة ” الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، يحتلّ المرتبة 18 بين أهمّ 100 كتاب للقرن ال21 بحسب الغارديان.