بعد ظهور حالات مصابة بوباء الكوليرا في سوريا وتحسبًا لانتشار الكوليرا مجددًا في لبنان حذرت وزارة الصحة اللبنانية من تفشي المرض في لبنان وقالت في بيان: “تواصل الوزارة للأسبوع الثالث على التوالي حملة تلقيح ضد الوباء في المناطق والبلدات المصنّفة علميًا من الأكثر تعرضًا لخطر انتشار الوباء”.
واعلنت الوزارة أنها ستبدأ الفرق الميدانية التابعة للوزارة إعطاء اللقاح في المناطق والبلدات اللبنانية تلافيا لانتشار المرض.
إقرأ ايضا: «الكوليرا» تهدد لبنان.. ووزارة الصحة تحذر
ما الذي يجب أن تعرفه عن الكوليرا؟
لمحة عامة
الكوليرا عدوى حادة تسبّب الإسهال وتنجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوّثة ببكتيريا ضمات الكوليرا. ولا تزال الكوليرا تشكل تهديداً عالمياً للصحة العامة ومؤشراً على انعدام المساواة وانعدام التنمية الاجتماعية.
الأعراض
الكوليرا مرض شديد الضراوة ينتقل عن طريق تناول الطعام أو الماء الملوث (2). ويمكن أن تسبّب الكوليرا إسهالاً مائياً حاداً ووخيماً، ويمكن للأشكال الحادة من المرض أن تؤدي إلى الوفاة في غضون ساعات إذا تُركت دون علاج.
ولا تظهر أي أعراض على معظم الأشخاص المصابين ببكتيريا ضمة الكوليرا، على الرغم من وجود البكتيريا في برازهم لمدة تتراوح من يوم إلى 10 أيام بعد الإصابة، ثم تُنثَر مرة أخرى في البيئة المحيطة، ممّا قد يؤدي إلى إصابة أشخاص آخرين.
ومعظم من يُصابون بعدوى المرض يبدون أعراضاً تتراوح بين الخفيفة أو المعتدلة. ويستغرق الأمر ما بين 12 ساعة و5 أيام حتى تظهر الأعراض على الشخص. وتُصاب أقلية من المرضى بإسهال مائي حاد مصحوب بتجفاف شديد. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الوفاة إذا تُرك المرض دون علاج.
تاريخ الكوليرا
انتشرت الكوليرا خلال القرن التاسع عشر في جميع أنحاء العالم انطلاقاً من مستودعها الأصلي في دلتا نهر الغانج بالهند. واندلعت بعد ذلك ست جوائح من المرض حصدت أرواح الملايين من البشر في جميع القارات. وأما الجائحة الحالية (السابعة) فقد اندلعت بجنوب آسيا في عام 1961 ووصلت إلى أفريقيا في عام 1971 ثم إلى الأمريكتين في عام 1991. وتتوطّن الكوليرا الآن العديد من البلدان.
سلالات الكوليرا
هناك الكثير من المجموعات المصلية لضمات الكوليرا، بيد أن مجموعتين مصليتين منها حصراً، وهما O1 وO139، تسببان اندلاع الفاشيات. وقد تسببت ضمات الكوليرا O1 في اندلاع جميع الفاشيات الأخيرة، فيما تسببت ضمات الكوليرا O139 – التي حُدِّدت لأول مرة في بنغلاديش في عام 1992 – في اندلاع فاشيات في الماضي، ولكنها لم تتسبب في الآونة الأخيرة سوى في الإصابة بحالات مرضية متفرقة. ولم يُكشف عن وجودها قط خارج آسيا. ولا يوجد فرق في الاعتلالات الناجمة عن المجموعتين المصليتين كلتيهما.
الخصائص الوبائية وعوامل الخطر
يمكن أن تكون الكوليرا مرضاً متوطناً أو وباءً. والمنطقة الموطونة بها هي عبارة عن منطقة يُكشف فيها عن حالات مؤكدة للإصابة بالكوليرا خلال فترة 3 سنوات بالاقتران مع وجود بيّنات تثبت انتقال المرض فيها على المستوى المحلي (ما يعني أن الحالات لا تفِدُ إليها من مكان آخر). ويمكن أن تندلع فاشيات/ أوبئة الكوليرا في كل من البلدان الموطونة بها وفي تلك التي لا تظهر فيها الكوليرا بانتظام.
ويرتبط انتقال الكوليرا ارتباطاً وثيقاً بقصور سبل إتاحة المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي. وتشمل المناطق المعرضة للخطر تقليدياً الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية، وكذلك مخيمات النازحين داخلياً أو اللاجئين.
لا يُوصى بإعطاء المضادات الحيوية بكميات كبيرة إذ ليس لها تأثير مُثبت على مكافحة انتشار الكوليرا، وقد تسهم في زيادة مقاومتها لمضادات الميكروبات.
ويمكن أن تسفر العواقب المترتبة على وقوع أية كارثة إنسانية – مثل تعطل شبكات المياه ومرافق الصرف الصحي أو نزوح السكان إلى مخيمات غير ملائمة ومكتظة – عن زيادة خطورة انتقال الكوليرا إذا كانت بكتريا المرض موجودة فيها أو إذا وفدت إليها من مكان ما. ولم يسبق الإبلاغ قط عن أن الجثث غير المصابة بعدوى المرض قد شكلت مصدراً لانتشار الأوبئة.
وظل عدد حالات الكوليرا التي أبلغت بها المنظمة مرتفعاً على مدى السنوات القليلة الماضية. وخلال عام 2022، أُبلغت المنظمة بوجود 697 472 حالة مرض و2349 حالة وفاة من 44 بلداً (3). ويُردّ التباين في تلك الأرقام والتقديرات المتعلقة بعبء المرض إلى عدم تسجيل العديد من الحالات بسبب قصور نُظم الترصّد والخوف من تأثيرها على أنشطة التجارة والسياحة.
الوقاية من المرض ومكافحته
إن اتباع نهج متعدد الأوجه أمر أساسي لمكافحة الكوليرا والحد من الوفيات. ويُستخدم مزيج من الترصّد والمياه والإصحاح والنظافة الصحية والتعبئة الاجتماعية والعلاج ولقاحات الكوليرا الفموية.
العلاج
إن الكوليرا مرض يمكن علاجه بسهولة. ويمكن أن ينجح علاج معظم المصابين به إذا تم الإسراع في إعطائهم محاليل الإمهاء الفموي. ويُذوب الكيس القياسي لمنظمة الصحة العالمية/ اليونيسف المحتوي على محلول الإماهة الفموي في 1 لتر من الماء النظيف. وقد يحتاج المرضى البالغين إلى ما يصل إلى 6 لتر من محلول الإماهة الفموي من أجل علاج التجفاف المعتدل في اليوم الأول.
وأمّا المرضى الذين يعانون من تجفاف وخيم فهم معرضون لخطر الإصابة بالصدمة ويلزم الإسراع في حقنهم بالسوائل عن طريق الوريد. ويُعطى هؤلاء المرضى المضادات الحيوية المناسبة من أجل تقليل مدة الإسهال، والحد من كمية المأخوذ من سوائل الإماهة اللازمة، وتقصير كمية ومدة إفراز ضمات الكوليرا في برازهم.
وينبغي أن يبدأ جميع المرضى في تناول الطعام المحلي المنتظم المعد بشكل سليم بمجرد أن يتمكنوا من القيام بذلك بمأمونية.
وينبغي أيضاً تشجيع الرضاعة الطبيعية.
ويعد الوصول السريع إلى العلاج أمراً ضرورياً أثناء تفشي الكوليرا. وينبغي إتاحة محاليل الإمهاء الفموي في صفوف المجتمعات المحلية، بما في ذلك في النقاط المحددة للإماهة الفموية، فضلاً عن إتاحة مراكز علاج أكبر قادرة على حقن المرضى بالسوائل عن طريق الوريد ورعايتهم على مدار الساعة. وينبغي أن يبقى معدل الإماتة بين الحالات أقل من 1% بفضل الإبكار في إعطاء العلاج المناسب في وقت مبكر.
ويُعد الزنك علاجاً مساعداً هاماً للأطفال دون سن الخامسة، إذ يقلّل أيضاً من مدة الإسهال لديهم وقد يمنع التعرض للنوبات في المستقبل من جرّاء أسباب أخرى للإصابة بإسهال مائي حاد.
يرتبط انتقال الكوليرا ارتباطاً وثيقاً بقصور سبل إتاحة المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي
ولا يُوصى بإعطاء المضادات الحيوية بكميات كبيرة إذ ليس لها تأثير مُثبت على مكافحة انتشار الكوليرا، وقد تسهم في زيادة مقاومتها لمضادات الميكروبات.
المشاركة المجتمعية
تعني المشاركة المجتمعية أن الأشخاص والمجتمعات المحلية يشكلان جزءاً من عملية وضع البرامج وتنفيذها. وتكتسي الممارسات الثقافية والمعتقدات المحلية أهمية محورية في تعزيز الإجراءات من قبيل اتّباع ممارسات النظافة الصحية الجيدة، بما في ذلك غسل اليدين بالماء والصابون وإعداد الطعام وتخزينه على نحو مأمون والتخلص من براز الأطفال على نحو مأمون. وقد تحتاج ممارسات الجنازة للأفراد الذين يموتون من جراء الكوليرا إلى التكيف للوقاية من العدوى في صفوف الحاضرين.
وتستمر المشاركة المجتمعية أثناء الاستجابة للفاشيات مع زيادة الإبلاغ بشأن المخاطر المحتملة، وأعراض الكوليرا، والاحتياطات الواجب اتخاذها لتجنب الإصابة بها وزمن الإبلاغ عن حالات الإصابة بها ومكانه، والسعي إلى طلب العلاج فوراً عند ظهور أعراضها. وينبغي أن تكون المجتمعات المحلية جزءاً من عملية إعداد البرامج من أجل تلبية الاحتياجات، بما في ذلك فيما يتعلق بالأماكن التي يمكنهم فيها التماس العلاج والزمن المحدد لذلك.
لقاحات الكوليرا الفموية
يوجد حالياً 3 لقاحات فموية مضادة للكوليرا من اللقاحات التي اختبرت المنظمة صلاحيتها مسبقاً، وهي كالتالي: لقاح ديوكورال (Dukoral®) ولقاح شانتشول (Shanchol™) ولقاح يوفيتشول-بلس (Euvichol-Plus®)، علماً بأنه يلزم أخذ جرعتين من هذه اللقاحات الثلاثة جميعها من أجل توفير حماية كاملة (4).
ويُعطى لقاح ديوكورال للبالغين مع محلول مخمّد تلزمه كمية قدرها 150 ملليلتر من المياه النظيفة. ويمكن إعطاؤه لجميع الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن عامين. ويجب أن تكون الفترة الفاصلة بين كل جرعة بمقدار 7 أيام كحد أدنى، على ألّا تزيد عن 6 أسابيع. ويحتاج الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين و5 سنوات إلى جرعة ثالثة. ويُستخدم لقاح ديوكورال بشكل رئيسي للمسافرين، وتُوفر جرعتان من اللقاح حماية ضد الكوليرا لمدة سنتين.
وأما اللقاحان شانتشول ويوفيتشول-بلس فهما لقاحان متطابقان من حيث التركيب ولكن من إنتاج شركتين مختلفتين، ولا يحتاجان إلى محلول مخمّد لإعطائهما. ويُعطيان لجميع الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن عام واحد. ويجب أن يكون هناك تأخير لا يقل عن أسبوعين بين كل جرعة من هذين اللقاحين. وتوفر جرعتان من هذين اللقاحين حماية ضد الكوليرا لمدة تصل إلى 3 سنوات، بينما توفر جرعة واحدة منهما حماية قصيرة الأجل.